No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

25 أبريل 2024
25 أبريل 2024

يأتي ذكر خلق السماوات قبل الأرض في القرآن الكريم عادة، وتقدم ذكر خلق الأرض في سورة طه في قوله تعالى: ( تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)، فما المعنى من تقديمها هنا، وهل يكفي توجيه ذلك أنه مراعاة للفاصلة القرآنية؟

هذه المسألة شغلتني فترة من الزمن، وهي كما ذكر السائل الموضع الوحيد الذي يتقدم فيه ذكر الأرض على ذكر السماوات، والذي تطمئن إليه النفس أولا هو ما أشار إليه في سؤاله وهو مراعاة الفاصلة، والفاصلة أي خواتيم الآيات وهذا الاعتبار ليس اعتبارا هامشيا بل هو من البلاغة حينما يتأتى دون تكلف، فمراعاة الفاصلة جانب في سورة طه التي قال فيها ربنا: ( تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)، فقدم ذكر الأرض على ذكر السماوات. لكن الأمر لا يقتصر على مراعاة الفاصلة في الآي من هذه السورة الكريمة وإنما يرتبط الأمر ارتباطا وثيقا بالمعنى، فالله تبارك وتعالى يقول (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)، فالحديث هنا عن القرآن الكريم، ومن أنزل القرآن جل وعلا، ومن أنزل عليه القرآن صلى الله عليه وآله وسلم، وما يشتمل عليه القرآن من التذكرة والهدى والخشية والخير والرشد لمن يخشى وأنه سبب للنجاة والفلاح وليس سببا للتعاسة والشقاء، فما يشتمل عليه القرآن وما أريد له القرآن، فناسب ذلك بيان من أنزل فيهم القرآن ومحل إنزال هذا القرآن وهي الأرض، فمحل إنزال القرآن الكريم الأرض والذين خوطبوا بهذا القرآن وأنزل عليهم هذا الكتاب العزيز هم أهل هذه الأرض عبر الأزمان، فناسب أن يقدم ذكر الأرض لأنه متناسب مع السياق القرآني، ووقع هذا في نفسي وبعد بحث وجدت أحد علماء التفسير أشار إلى هذا المعنى وإن لم تخني الذاكرة فهو «ابن جماعة» في كتابه «النكت» أشار إلى هذا المعنى، وهو أيضا اقترب من هذا المعنى لكنه معنى ظاهر تطمئن إليه النفس وهو يضاف إلى مراعاة الفاصلة القرآنية والله تعالى أعلم.

هناك شبكات التواصل داعمة للكيان الغاصب ومؤيدة لحرب الإبادة في غزة، لكن الناس لديهم تواصل معها مستمر سابقا وهم يريدون أن يستخدموها أيضا كمنصة لنشر فضائح الكيان الغاصب، ولنشر أيضا تعاليم الإسلام إلى غير ذلك من الأغراض، أيضا أحيانا يستخدمونها لأغراض تجارية على اعتبار أنهم مرتبطون بها تجاريا ويدفعون لها مبلغا في المقابل، هذا النوع من الاستخدام لهذه الأغراض هل هو مشروع أو يصح لهم مع هذه المقاطعة الموجودة؟

يقول الشاعر: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى*عدوا له ما من صداقته بدُ، في النوع الأول ونظرا لأن لهذه المنصات الملايين من المتابعين في العالم ولعل البعض منهم لا يعرف سواها يتعرف بها على الأخبار يتعرف فيها على الثقافات يسمع فيها التحليلات، تُعرَض عليه فيها الأخبار ويتعرف فيها على الثقافات يسمع فيها التحليلات ويتعرف فيها على القضايا ويتخذ منها مواقف مما يُعرَض فيها، فإن قدر الوصول إلى هذه الجماهير عبر هذه المنصات لأجل بيان الحق، ومناصرة أهل الحق وأهل القضية العادلة، أهل غزة وفلسطين، وبيان ما يرتكبه الاحتلال الغاصب المعتدي من جرائم مروعة ومن تقتيل وتشريد وتجويع وكشف هذه الفضائح عبر هذه المنصات فهذا أمر لا يقاطع، هذا نشر للحق واستعمال لهذه الوسيلة للوصول إلى هذه الجماهير.

ولا ينبغي أن يحتجب المسلمون عن هذه المنصات في هذه القضية العادلة في قضيتهم قضية مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قضية الأقصى قضية فلسطين عموما، وما يجري الآن خصوصا من ظلم وبغي وعدوان على غزة، فعلى شباب المسلمين أن يجتهدوا في إيضاح الحقائق وتوصيلها للناس والوصول إلى هذه الجماهير بمختلف اللغات وبما تقدمت الإشارة إليه من نصرة للحق ودحض للباطل وكشف لعواره، ورد لأباطيله وتزييفه، فهذه لا تترك.

لأنه إذا احتجبنا نحن ستخلو الساحة إذا امتنع المسلمون عن مشاركة في هذه المنصات ولها جماهيرها وعمدوا فقط إلى بعض المنصات دون سواها، فإن الساحة ستكون فارغة، ونحن نعلم أن عدونا -هذا الاحتلال الغاشم- له جيوش في العالم الرقمي سيملأون هذا الفراغ بأكاذيبهم وأباطيلهم، وسيختطفون العقول ويكسبون التأييد، وهذا لا يصح بعدما وصل المسلمون إلى ما وصلوا إليه من تأييد عالمي، ومن تفهيم لهذه القضية ومن إيقاظ لشعوب كانت مغيبة وكانت عقولها مختطفة، فأيقظوا فيهم جذوة التفكير، وأشعلوا فيهم مناصرة الحق وحصل من ذلك خير كثير ظاهر لا يخفى على أحد، إذا هذا لا ينبغي أن يترك.

فإن كان من لوازم هذا إبقاء صلة مع شركة هذه المنصات فبهذا القدر لا مانع، يعني هذا القدر الذي يبقي حسابه فاعلا، ويبقى اشتراكه أيضا متاحا لا يحجب، فلا مانع، أما أن يكون ذلك بقصد التكسب المالي وبقصد مزيد من جمع الثروات وجمع الشهرة وغير ذلك من المقاصد فهذا هو الذي يقاطع.

إذن هي كأن المسألة مسألة أمر مباح لضرورة والضرورة تقدر بقدرها، فإذا كان من لوازم تحقيق ما أبيح للضرورة أن يتبع ذلك كما قلت بقدر من التعامل مع الشركة فليكن في هذا الحد الأدنى لا أكثر والله تعالى الموفق.

نلاحظ عندما ندخل بعض المساجد ارتفاعا لأصوات التالين للقرآن الكريم مما يشوش على المصلين نطلب منكم نصيحة في هذا الأمر؟

ملاحظته في محلها إن وجد هذا في شيء من المساجد فإن على من كان في بيت من بيوت الله تعالى أن يراعي أحوال المصلين، فإن المقصد الأول من عمارة المساجد هو أن تعمر بالصلاة، ولا ينبغي أن يشوش على عمار بيوت الله تبارك وتعالى المصلين فيها، وما يقام فيها من حلق العلم والذكر أو ما يتلى فيها من آيات الكتاب العزيز ينبغي أن يكون دون تشويش على الآخرين، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يرفع الصوت بالقرآن لألا يشوش به على المصلين ولو كان ذلك في المسجد، فعلى قارئ القرآن في المسجد أن يراعي أحواله وأحوال المصلين في المقام الأول، ثم أحوال غيره أيضا مِن مَن هو مشتغل بقراءة القرآن أو بشيء من الأذكار، فلا ينبغي رفع الصوت حتى لا يشوش على غيره، وإنما ليكن ذلك بالقدر اليسير الذي يسمع به نفسه الذي لا يشوش به على المصلين ولا على غيره من قراء كتاب الله عز وجل في المسجد، ومثل هذا يقال في من يشتغل بذكر أو بمراجعة في شيء من العلم أو شيء من المتون في المسجد فليس له أن يشوش على غيره، والله تعالى أعلم.

في الآية الثانية من سورة الأنعام (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) ما المقصود بالأجل الأول والأجل الثاني؟

الأكثر على أن الأجل الأول هو أجل هذا الإنسان وعمره في هذه الحياة الدنيا، وأجل مسمى عنده عند الله تبارك وتعالى هذا الأجل هو من بعد وفاته إلى يوم القيامة، كذلك كلام المفسرين، قد يظهر أن فيه آراء في هذه المسألة لكنها على الصحيح وهذا مما نبه عليه الإمام بن كثير في تفسيره أنها تدور حول نفس هذا المعنى، هناك قول شاذ بعكس هذا القول أن العمر الأول هو ما قدره الله تبارك وتعالى في الحياة الآخرة والأجل الثاني هو ما قضاه له في الحياة الدنيا لكن هذا قول شاذ ويعني قلت بأن مدار كلام المفسرين يدور حول هذا المعنى.

ونسبوا هذا القول إلى طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين نسب الطبري وابن كثير نسبوه إلى طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف عباراتهم لكنها تدور حول هذا المعنى، وقلت إن هناك قولا شاذا بعكس هذا القول، وقيل إن الأجل الأول هو ما يصيب الإنسان في منامه، والأجل الثاني هو الوفاة لكن هذا أيضا قول قليل من قال به وإلا القول المعتمد الذي تدور عليه كلمة المفسرين هو ما تقدم بيانه، والله تعالى أعلم.

عندي مؤسسة فيها نشاط استخدام أيد عاملة وهذا النشاط يتطلب منا ضمانا بنكيا، وتطلب مني وزارة العمل ضمانا بنكيا، وهذا الضمان مسترد في حالة تم إغلاق المؤسسة؟

خير ما ينظر فيه لهذه المسألة أن يُعامل معاملة الدين الذي له على جهة توصف بالوفاء والملاءة وهو مسترد، فيحسبه من جملة أمواله بناء على هذا، وهو فيه الزكاة، ولكن لو كان واقع الحال أو العرف أن هذا الضمان حينما يودع لدى الجهة المعنية، فإنه لا يعلم متى يسترد ويستدعي ذلك مطالبات وغير ذلك حينئذ سيقال إنه على جهة غير قادرة على الوفاء لكن ساعتها سينظر في هذه المسألة، أما إذا كان على جهة مليئة وفية، وهو سيسترد ذلك بعد يعني مدة، فهذا المال ملك له ملكه تام له وكما قلت سيُعامله معاملة الدين الحال له على وفي مليئ وهذا يحسبه من جملة أمواله، ولا يمكن أن يترك هذا المال ومدخر في ملكه دون زكاة.. والله تعالى أعلم.