No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

02 فبراير 2023
02 فبراير 2023

ـ هل يوجد حديث للنبي صـلى الله عليه وسلم أو قول للصحابة يدل على أن المعاملات في الإسلام تمثل 95 % أما العبادات فتمثل 5 % فقط؟

لا يوجد حديث يمكن أن يشير إلى مثل هذا المعنى لا تصريحا ولا تلميحا، وإنما مثل هذا استنباط من بعض أهل العلم الذي تتبع ما ورد في الأدلة الشرعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صـلى الله عليه وسلم مما يتعلق بأنواع التكاليف الشرعية فوجد أن الذي يتعلق بالمعاملات والأخلاق أكثر بكثير مما يتعلق بالشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج، فاستنتج حينما وجد مثل هذه النتيجة أن هذا الدين في تكاليفه العملية التشريعية يعنى بجوانب المعاملات والأخلاق عناية فائقة وهذا متصور لأن هذه الجوانب مع كونها من العبادات في مفهومها الواسع التي يتقرب بها المسلم إلى ربه تبارك وتعالى، إلا أن فيها حقوقا للآخرين وتترتب عليها آثار ولذلك أولتها هذه الشريعة عنايتها ووجهت إليها هذا المكلف لكي تصوغ له شخصيته، وتوجه له حركته في هذه الحياة، لكن أن تكون النسبة بهذا القدر فهذا فيه مبالغة، لكن الحال في الأدلة الشرعية في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صـلى الله عليه وسلم أن الكثير منها تواردت على ما يتعلق بالمعاملات بأنواعها، مما نعرفه نحن اليوم بالمعاملات الأسرية أو ما يعرف بالأحوال الشخصية، وبالمعاملات المالية، وبالعلاقات الدولية، وبشؤون الحرب والسلم والمعاهدات، وبحقوق من يتعامل معهم المسلمون، وبحقوق الجيران، وبالأخلاق في الأسرة الواحدة، وأخلاق الفرد وأخلاق الجماعة، فإذا قيس ما ورد في هذه الموضوعات بالنظر إلى الأحكام التكليفية الخاصة بالشعائر التعبدية، فكما تقدم نجد كثرة كاثرة، لكن أن يقال إن النسبة فهذا فيه شيء من المجازفة التي لا تنبغي.

وأن توجد للشعائر التعبدية أدلة من حيث العدد أقل مما عليه الحال في ما يعرف بالأخلاق والمعاملات، فإن هذا لا يعني أنها أقل شأنا بل هي أمهات العبادات، والنصوص الواردة فيها هي أقوى دلالة، وترتب وعيدا شديدا على المخالفة، فليست المسألة مرتبطة بالعدد فقط، وإنما بنوع هذه الأدلة ودلالاتها وتكررها والنظر هنا من حيث الموضوعات، فما تقدم بيانه فيما يتعلق بكثرة الأدلة الواردة في الحقوق والمعاملات والأخلاق أي من حيث موضوعاتها، وإلا فموضوع الصلاة على سبيل المثال، يتكرر بكثرة كاثرة إذا قورن بغير الصلاة من الموضوعات، لكنه موضوع واحد في هذا النوع من الدراسات، فهم يتحدثون عن كثرة الموضوعات التي تتناولها الأدلة الشرعية في الأبواب المتصلة بالمعاملات والحقوق والأخلاق هي أكثر من حيث العدد من الموضوعات وإن تكررت المتعلقة بالشعائر التعبدية، ولكن لا تعني بأي حال من الأحوال أن الشعائر التعبدية أقل أهمية، وكذلك أيضا هذه النتيجة لا تعني أن هذه العبادات لا أثر لها فيما يتعلق بالمعاملات والأخلاق، فالأصل صدق الإيمان بالله ثم بعد ذلك صدق التوجه إلى الله تبارك وتعالى بالعبادات التي أمرنا بها ثم هذه كلها تصوغ للمسلم هويته وتوجه له سلوكه وتوجهه الوجهة الصحيحة فيما يتعلق بمعاملاته مع بني جنسه ومع مفردات هذا الوجود، فهي أيضا من حيث تأثيرها وتوجيهها لسائر ما يمكن أن يوجه حركة الإنسان في تلك الموضوعات المتعلقة بالمعاملات والأخلاق لا ريب أن لها الأثر الأكبر، وإنما الجواب على ما ذكرها هو من نسبة تكرر هذه الموضوعات. والله تعالى أعلم.

ـ في قوله تعالى: «فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍۢ مُّبِينٍۢ» ما معنى الدخان في الآية؟

الدخان على القول الصحيح هو ما أصاب قريش من جوع شديد بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلـم عليهم، وهذا قول من ثلاثة أقوال شهيرة في المسألة، فقيل: إن المقصود بالدخان في هذه الآية الكريمة أنه من علامات الساعة التي لم تأتِ بعد وذكرت في ذلك روايات، ولكنها لا تقوم بها حجة، ولو صحت لما كان في المسألة خلاف أصلا في حين أن أصحاب رسول الله صـلى الله عليه وسلم اختلفوا في معنى الدخان، فهذا القول حين يعول فيه على بعض الروايات فإنه لا يستقيم، وكذلك المعنى، فالله تبارك وتعالى يقول: «إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ» فهذا دليل على أنه أمر يحصل للمحابين، وهم المشركون من قريش، والسورة مكية، وهذا الحدث الذي تشير إليه الآية الكريمة حصل منابذة بين رسول الله صلى الله عليه وسلـم والمشركين، فالقول: إنه من أشراط الساعة أنه قول ضعيف، والقول الآخر وهو ما تقدم ترجيحه من أن المقصود بذلك هو ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسـلم حين قال: اللهم اجعلها عليها سنين كسني يوسف، وفي رواية سبعا كسبع يوسف»، فبلغت بهم المسغبة إلى أن كان الواحد منهم من شدة الجوع يرى دخانا بين الأرض والسماء، حتى أتوه عليه الصلاة والسلام وطلبوا منه أن يستسقي لمضر، فدعا ربه جل وعلا فكشف عنهم قليلا، فلما أغيثوا عادوا لما كانوا عليه من الاستهزاء والسخرية والإعراض عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم فكان الوعيد يوم نبطش البطشة الكبرى، والبطشة الكبرى هي غزوة بدر التي استؤصلت فيها شأفة المشركين.

والقول الثالث إن المقصود بالدخان هو نقع غبار فتح مكة، فهؤلاء يرون أن هذا الغبار المتصاعد من الأرض فملأ الجو هو الدخان، والعرب تسمي الغبار دخانا، وهذا قول موجود لكنه بعيد لأن فتح مكة متأخر، فيه أن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلـم والمسلمين لم يكن بحرب إلا في بعض الثغور فقط. والله تعالى أعلم.

ـ في قوله تعالى: «﴿قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ ﴿قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْألِ العادِّينَ﴾ أين هذا الحوار؟ وبين من كان؟ ومن هم العادون؟

هذا الحوار في الآخرة، هل هو في البرزخ أو بعد أن يدخل أهل النار النار والعياذ بالله، هذا كلام عند المفسرين لكنه لا يغير من حقيقة هذا الحوار إنما هو في الآخرة، وهو حوار بين رب العزة والجلال وأهل الشقاوة، فالسياق القرآني هو الذي يحتم هذا المعنى فهو حوار فيه توبيخ وتبكيت لأهل الشقاء عياذا بالله، فالسؤال من رب العزة والجلال مباشرة أو من خلال ملك « قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ» قيل في البرزخ لكن التوبيخ يقضي أن يكون ذلك في الفترة التي أنسئ لهم فيها ليعملوا ففوتوا الفرصة فقالوا يوما أو بعض يوم، هكذا في ظنهم لهول ما رأوه ولعظيم الموقف فإنهم رأوا أن حياتهم الدنيا مرت عليهم سريعا، وكأنها يوم أو بعض يوم ثم قالوا «فاسْألِ العادِّينَ» كأنهم يستشهدون بأن هناك من يحسب فهذا الذي يغلب على ظننا، والعادون يقصد بها الملائكة أو الحساب الذين يعدون السنين، وكأنهم يقصدون أنهم ما لبثوا إلا شيئا يسيرا ليرتبوا عليه طلب أن يعودوا إلى هذه الحياة الدنيا فيعملوا، وهيهات أن يكون لهم ذلك، والله تعالى أعلم.