فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
ما تفسير قوله تعالى: «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»؟
المعنى القريب الظاهر هو أن الله تبارك وتعالى يبين حالة هؤلاء الذين يضلون عن سواء السبيل ويكون ذلك بصيغة الاستفهام التقريري الذي لم يذكر جوابه، وهو يحمل معنى المفاضلة أيضا أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا وهذا الأسلوب البلاغي في كتاب الله عز وجل يراد به الاتساع في المعنى بحيث يحتمل المعنى وجوها، فيمكن أن يكون يعني جواب هذا القسم أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا مهتديا لأن الآية بعدها فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويمكن أن يقول حاله كحال من لم يزين له سوء عمله، ويمكن أن يقال أهو ناج أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا في من نجاه من عذاب الله عز وجل فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، إذا حذف تمام هذا الاستفهام وهو كثير في كتاب الله عز وجل لاسيما في الطلب والشرط يراد منه السعة في المعنى بحيث يحتمل السياق الكثير من المعاني التي يقبلها وهي قريبة المأخذ ليست بصعبة يدل عليها السياق، ويدل عليها التركيب.
أما لماذا أسند إلى المجهول في قوله تعالى: «أفمن زين له سوء عمله» لأن هذا التزيين يمكن أن يكون للعلم بما يمكن أن يزين للإنسان أعمال السوء والسيئات حتى يبلغ بهذا الإنسان أن يرى السيئة من الأقوال والأفعال يراها حسنة فإن ذلك يمكن أن يكون من وساوس النفس ومن أهوائها وشهواتها أو من وساوس الشيطان وحزبه عياذا بالله، ويمكن أن يكون من فعل إبليس كل هؤلاء الأعداء الذين يتواردون على نفس هذا المكلف يمكن أن يزينوا له القبيحة المذمومة من الأعمال والأفعال التي تسخط الله تبارك وتعالى، فإذا به يراها حسنة فيأتي هذه الأفعال فتنطمس بذلك فطرته وتزل به القدم ويزيغ عن الصراط المستقيم فإنما هو حال ضلال وغواية بدليل تتمة الآية، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فهذه التتمة في الآية الكريمة تكشف على أن هؤلاء الذين يزين لهم سوء أعمالهم كما تقدم من وساوس النفس وخواطرها ومن اتباع الأهواء والشهوات ومن وساوس إبليس وحزبه وجنده، فإن هؤلاء كما تقدم إنما هم أهل ضلالة وزيغ.
وفي مقابل هؤلاء هناك من يرون الأمور بما شرعه الله تبارك وتعالى فما قضى الله عز وجل بأنه من الصالحات ومن الأعمال الحسنة المقبولة التي يثيب عليها فإنهم يرونه كذلك وما قبحه الله تبارك وتعالى وعده من المذموم السيئ، فإنهم يرونه كذلك فيأتون ما حسنه الله عز وجل وأمر به ويجتنبون ما قبح الله تبارك وتعالى ونهى عنه فهؤلاء هم أهل الهداية والتمسك بالصراط المستقيم.
هذا هو معنى الآية الكريمة ويمكن ضرب أمثلة كثيرة مما يراه الإنسان في واقع أحوال الناس اليوم في الأفراد و في المجتمعات وفي الأمم نأخذ مثالا واحدا على الأقل الأفراد نبدأ بالأفراد يمكن أن نضرب بعض الأمثلة المعاصرة ترى كثيرا من شبابنا اليوم يحرصون على الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى ويسألون عن كثير من أحكام دينهم ويؤدون كثيرا من الصلوات في المساجد ولكنهم حينما يأتون إلى مسألة من مسائل أحكام هذا الدين التي ورد فيها وعيد شديد ودلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلت على أنها مذمومة وأنها تسخط الله تبارك وتعالى وليست من الصالحات، إذا بهم يتهاونون وتزين لهم نفوسهم وشياطينهم أنها مسألة فرعية هامشية جزئية لا أثر لها، كالإسبال فنحن اليوم نرى -وهذا أمر يؤسف له- صنفا من شبابنا هم بحمد الله تعالى كما تقدم ليسوا من أهل الزيغ والضلال الظاهر بل هم حريصون على شهود الجماعات وعلى أداء العمرة وعلى السؤال عن أحكام دينهم وهم فيما يتعلق أيضا بخصوصهم في قضايا الأمة الكبرى كالقضية الفلسطينية مناصرون للحق ولكنهم للأسف الشديد تجد أنهم لا يبالون بإطالة ثيابهم مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في أكثر من رواية، منها رواية أبي ذر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» ذكر ألوانا من مساخطه جل وعلا نسأل الله تبارك وتعالى السلامة قال لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم وهذا دليل الغضب والسخط وعدم الرضا منه تبارك وتعالى على هذه الأصناف على هؤلاء الذين سيذكرهم الحديث وقال: لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم حتى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لما ذكر هذه المقدمة ذكرها ثلاثا فقال أصحابه رضوان الله تعالى عليهم: قد خاب وخسر يا رسول الله قد خاب وخسر يا رسول الله فمن هم قال: المنان والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» فالمسألة فيها وعيد شديد.
نجد في رواية أخرى أنه أيضا عليه الصلاة و السلام يقول «ما أسفل من الكعبين ففي النار» وفي هذا دليل على أن المسألة لا تتصل بالخيلاء والكبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما أسفل من الكعبين ففي النار، وبين حدود إزرة المسلم والإزار إنما هو كناية عما يلبسه المسلم فيصل إلى كعبيه من الأزر والقمص والسراويل وغير ذلك مما يمكن أن يتدلى فيصل إلى الكعبين كل بحسبه فقال« إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه فما جاوز الكعبين ففي النار»، إذا حدد إزرة المؤمن وبين أنها إلى الكعبين وأن ما جاوز الكعبين فإنه في النار عياذا بالله. ولهذا فهمت الصحابيات الجليلات هذا المعنى ولم يربطنه بـالخيلاء والكبر لم يقل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يفعلون ذلك مخيلة بل لمن استأذنه فقد نهاه صلى الله عليه وسلم عن إطالة ثيابه وعن الإسبال وبين في حق أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه لا يفعل ذلك مخيلة لأنه كان ضعيف البنية فكان يتعهد ثوبا فقالت أم سلمة والمرأة يا رسول الله إذن ينكشف عنها ففهمت المقصود، فقال ترخي شبرا قالت إذن ينكشف عنها فقال عليه الصلاة والسلام فذراعا لا تزيد عليه.
وهذه مسألة أخرى أيضا مما يمكن أن يوجه إلى المرأة لأنها تظن النساء اليوم من الفتيات الشابات المسلمات مع أنهن أيضا يتصفن بمثل ما وصفنا به شباب المسلمين اليوم من اكتراثهم بقضايا الأمة ومن حرصهم على التعرف على أحكام الصلاة والصيام والزكاة ومن أداء الصلوات في المساجد في الفرائض والجمع والأعياد والنوافل كالتراويح ولكن إذا بهن يتساهلن فيما يتعلق بإطالة الذيول لا سيما في المناسبات والأعراس والحفلات، فيقلدن النساء الكافرات ويهملن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهديه عليه الصلاة والسلام وهدي أمهات المؤمنين والصحابيات رضوان الله تعالى عليهن وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فذراعا لا يزدن عليه.
إذا مع أن هذه المسألة كما تقدم قد تظهر في أعين كثير من الناس على أنها مسألة فرعية أو جزئية أو أنها من الشكليات لكننا نجد هذا الوعيد الشديد، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يقلل أو يحقر من شأن هذه الأحكام الشرعية خاصة إذا كان قد ورد فيها وعيد من مثل هذا الوعيد الشديد فأقل ما قيل فيها أنها فما أسفل من الكعبين ففي النار أي فما جاوز الكعبين ففي النار لكن تزيين الشيطان للإنسان يراه حسنا تجعله يرى هذا الصنيع صنيعا حسنا سواء كان ذلك كما تقدم في الذكور أو في الإناث.
ولذلك هي كلمة أيضا لأبنائنا وبناتنا أن يتداركوا أنفسهم وأن يلتفتوا إلى وساوس الشيطان فيجتنبوها وإلى أهواء النفس فلا يتبعوها، عليهم أن يقتدوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلـم وبخير القرون رضوان الله تعالى عليهم، ففي ذلك أن يتركوا وساوس الشيطان والله تعالى أعلم.
