No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

20 يوليو 2023
20 يوليو 2023

ما هو التفسير الصحيح في قول الله تعالى: «وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ»، ما رأي فضيلة الشيخ في الذين فسروها بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان راغبا في زينب بنت جحش رضي الله عنها؟

زينب بنت جحش هي ابنة عمته أميمة بنت عبدالمطلب، نشأت معه، ويعرفها عليه الصلاة والسلام حق المعرفة، وعندما زوجها عليه الصلاة والسلام لزيد بن حارثة الذي كان يسمى زيد ابن محمد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تبناه قبل أن ينهى عن التبني، وتنسخ أحكام التبني، وظل زيد مع زينب مدة من الزمن، لكنه لم يولد له منها، فنشب ما يمكن أن ينشب بين أي زوجين يتوقان إلى الولد خصوصا أن زينب من بيت كريم، فكان زيد يتردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه برغبته في طلاقها، ويتشكى من نشوزها، فالله تبارك وتعالى يقول: «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ» فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرشده وينصحه، وهو الذي يليق بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطفئ النائرة وأن يصلح ذات البين، وأن يسكن ما يمكن أن يكون قد نشب بينهما من خلاف، فكان يأمره أمر إرشاد بأن يتقي الله في العشرة الزوجية، وفيما تنقله عن زينب، وفي حقوقها وفي العلاقة بينكما، وأمسك عليك زوجك فإن ذلك قد يكون أدعى إلى زوال أسباب الخلاف وبقاء أسباب الألفة وحسن العشرة، لكن زيدا وكذلك كانت زينب ما كانت لتستقيم حياتهما، وكان الله تبارك وتعالى قد أرى نبيه أن زينب من أزواجه، وليست هناك قصص حب وغرام وهذه الإسرائيليات التي سرت في بعض كتب التفسير، وإن كان علماء التفسير قد تنبهوا لها في مراحل مبكرة في هذه القضية ونبهوا على أنها مما لا يليق أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب أولى ولا إلى زيد ولا إلى زينب، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ورد في الأثر أن الله تبارك وتعالى قد أعلمه أن زينب بنت جحش هي من أزواجه، ولكن لم يكن يعلم متى سيكون زواجه بها، وكيف سيكون زواجه بها، وقد حصل مثل هذا في زواجه بعائشة رضي الله تعالى عنها، وهذا مما يخفى على كثير من الناس، أن الله تعالى أراه في منامه أنها من نسائه.

كره رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة السوء من المنافقين ومن اليهود، وكره أن تظهر منهم مقالة فأخفى في نفسه ما كان الله تبارك وتعالى قد أعلمه به من أنها ستكون زوجته، ولذلك قال تعالى: «وَتَخْشَى النَّاسَ» أي تكره ما سيقوله الناس، فالخشية ترد في كتاب الله عز وجل بمعنى الكراهية والحذر، وقال تعالى في تتمة الآية:«فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» والحكمة من ذلك ذكرته الآية الكريمة لكي لا يبقى أي أثر لما كان من عادة التبني وتحرج المسلمين وتحرج المجتمع من أزواج أدعيائهم أي الذين كانوا قد تبنوهم، فنصب لهم ربنا تبارك وتعالى التشريع في ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كانت زينب تفخر على سائر نسائه عليه الصلاة والسلام بأن الذي زوجها هو رب العزة والجلال، فهذا الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفيه، من أمر زواجه بها وأنه قد أعلمه أنها ستكون من نسائه، وهذه هي قصة زينب مع زيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

هل يجوز الاستثمار في أسهم الشركات العالمية التي تعمل بنظام الشريعة من خلال بعض التطبيقات الهاتفية كتطبيق «بركة»؟

أما التطبيق فإني لا أعرفه، لكن التطبيق مجرد وسيلة، بقي النظر بأنه قد يكون التطبيق قائما على مؤشر معين، وهذا المؤشر هو الذي تفرز به الشركات هل هي موافقة للشريعة، فهي من حيث أصولها ونوع استثماراتها ووسائل استثماراتها تحقق الشروط الشرعية المطلوبة في الشركات الموافقة للشريعة، فإن وجدت فلا مانع، هذا من حيث المبدأ العام، وإذا كانت هنالك تفاصيل معينة ارتاب منها فعليه أن يبين حتى يكون الجواب موافقا لسؤاله، والله تعالى أعلم.

شخص علم أولاده في الخارج على نفقته، والبقية لم يعلمهم، هل يلزمهم أن يعوضهم شيئا من المال؟

لا يلزمه ذلك، وإذا أخذنا السؤال مجردا، فإنه لا يظهر أن هذا من الإيثار إذا كان مقصود الأب أن من لم يحظ بفرصة تعليم في البلاد فإنه يمكن أن يتكفل بتعليمه وينفق عليه فهذا ليس من الإيثار، فليس بداخل في ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيثار بعض الولد على بعض، لأنه لم يخص ولدا بعينه وإنما ينفق على من احتاج منهم، فإنه لو احتاج غيره لأنفق عليه كذلك، ولو احتاج أحدهم لعلاج قد لا يكون موجودا في البلاد فيحتاج إلى تسفيره والإنفاق عليه فليس عليه أن يعوض سائر إخوته وأخواته بمثل ما أنفق عليه، ولا يظهر أن هذا من الإيثار إن كان حال الأب كذلك فهو لم يخص هذا الولد دون سائر إخوته، وإنما لم يحظ الولد بفرصة تعليم، ولو حصل مثل ذلك مع غيره من إخوته وأخواته لدفع وتحمل مصاريف دراسته، فهذا ليس من الإيثار والله تعالى أعلم.

هل تصح الرواية المذكورة في سبب نزول: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» التي تفسر الظلم بالشرك بدليل الآية «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»؟

نعم الرواية صحيحة فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية استعظموا ذلك، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم ليس كما ظننتم إنما هو الشرك، ثم قرأ عليهم قول الله تبارك وتعالى في قول لقمان لابنه: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» فالرواية صحيحة، لكن معنى الظلم لا يحصر في معنى الشرك، لا في اللغة ولا في الاستعمال القرآني، فالظلم حقيقته كما يقول طائفة من المفسرين وضع الشيء في غير موضعه بزيادة أو بنقصان، أو بعدول عن مكانه أو زمانه، فوضع الشيء في غير موضعه بزيادة فهذا تعد وجور، أن يشرع الله تبارك وتعالى أمرا فيزيد الناس فيه، كأن يشرع عقوبة فيزيد الناس فيها فهذا ظلم بزيادة، أما ظلم بنقصان فهذا نجده كثيرا، ففي قوله تعالى: «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا» أي لم تنقص منه شيئا، والعدول به عن مكانه أو زمانه فورد في المعاني اللغوية يقال: أرض ظليمة وظالمة إذا حفر فيها حفرة أو بئر في غير الموضع الصحيح، إذن يرد الظلم في كتاب الله عز وجل على وجوه عدها بعضهم خمسة وجوه، يرد بمعنى الشرك، ومنها ما يتعلق بحقوق النفس، من نحول قوله تعالى: «وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ»، ومنها ما يتعلق بحقوق العباد وهذا كثير في كتاب الله عز وجل، وقيل إنه أصعب هذه الوجوه من حيث أثره والخلاص منه من بعد، ومنه ما يكون بمعنى النقصان، ومنه ما تقدم، فكل هذه الوجوه ترد في كتاب الله عز وجل، حتى أن أبا الزبير الغرناطي ذهب إلى أن الظلم من الألفاظ المشتركة، وأن الذي يصرف معناه هو القرائن التي تحتف به، لكن هذا لم أجده لغيره، فأكثر المفسرين وعلماء اللغة يقولون الظلم هو وضع الأمر في غير موضعه، وأن يكون من المشترك لعل فيه نظر، وبعضهم يقول إن المعني الحقيقي للظلم هو النقصان، ففسروا الظلم بمعنى الشرك أي أنه أنقص من حقوق الله تبارك وتعالى، وأنقص من حقوق نفسه بأن يحملها على التوحيد، وظلم الآخرين فسروه بأنه انتقاص من حقوقهم وتعد عليها، وأن باقي المعاني هي من لوازم هذا المعنى، لكن التعريف الأوسع الجامع له هو وضع الشيء أو الأمر في غير موضعه بزيادة أو بنقصان أو بالعدول عن مكانه أو زمانه، والسياق القرآني هو الذي يحدد المعنى، ففي هذه الآية لما نزلت فالسياق يبين معناها «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ» ما الذي يمكن أن يلابس هذا الإيمان بظلم إنما هو الشرك والجحود بالله، والله تعالى أعلم.