No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

13 يوليو 2023
13 يوليو 2023

ما معنى قوله تعالى: «وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا» وما الفرق بين كلمة عجولا في هذه الآية الكريمة، وفي آية أخرى قوله تعالى: «خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ»؟

أولا العجول هو المتسرع، وللمفسرين اتجاهان فمنهم من يقول إن الإنسان هنا في سورة الإسراء يراد به الجنس، فجنس الإنسان من طبعه التعجل في طلب الحصول على الخير، وفي التسرع في طلب دفع ما يكره، فمن طبعه أنه يتعجل، وهذا المعنى حسن مقبول.

و«خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ» المقصود من ذلك أن هذا الإنسان من شدة ملازمة هذه الصفة، وهو صفة أنه عجول متسرع راغب في الحصول على الخير بسرعة، وفي درء السوء والشر عنه في أقرب وقت، فكأن هذه الخصلة صار متلبسا بها ملازم لها، فكأنه منها، ولذلك خلق الإنسان من عجل هذا هو الاتجاه الأول.

والاتجاه الثاني أن الإنسان في سورة الإسراء هو الإنسان الكافر، فالآية التي سبقتها وهي «وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» فيها إنذار ووعيد للكافرين الذين يعرضون عن آيات الله تبارك وتعالى، فهذا الإنسان الكافر وكأنه يتحدى بإنزال العقوبة عليه، فالمقصود أن الذي يدعو بالشر دعاءه بالخير أي الإنسان الكافر يدعو بالشر بتعجيل العقوبة متحديا مستكبرا دعاءه، كمثل حالته في طلب حصول الخير، وقوله تعالى: «وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا» هو تذييل يرى به جنس الإنسان، وهو يؤكد المعنى الأول، فالتقى الوجهان، ويشهد لهذا المعنى أن المقصود بالإنسان هو الكافر، السياق القرآني هنا، وما نجده أيضا في كتاب الله عز وجل من أن الكفار المشركين كانوا يتحدون جهلا أنبياءهم ورسلهم باستعجالهم بنزول العذاب، وبعض المفسرين يقولون إن الإنسان أيضا إذا تملكه الغضب فإنه يمكن أن يدعو على نفسه أو ولده أو من معه، لكن فضل الله تبارك وتعالى في عدم استجابة مثل هذا الدعاء لحكمة يعلمها، فهذا هو المقصود بمعنى هذه الآية الكريمة والله تعالى أعلم.

ـ ما صحة حديث : «يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه»؟

الذي أذكره أن هذا الحديث ليست فيه رواية صحيحة مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث يجمع أجزاء، فأغلب هذه الأجزاء وردت منفردة في روايات لكنها جميعا غير صحيحة، ومنهم من صرح بأنها موضوعة مكذوبة غير صحيحة، وأكثر هذه الروايات وردت موقوفة على الإمام علي بن أبي طالب، وإن كانت في ظاهرها مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الرفع لا يصح، والحاصل أنها موضوعة غير صحيحة والله تعالى أعلم.

هل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو شئت كنت أطيبكم طعاما، وألينكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي» هل يدل هذا على أنه علينا أن لا نفرط في طلباتنا بالدعاء للدنيا، وهل هناك مقدار معين من الطيبات لكل شخص إذا استنزفها في الدنيا يحرم في الآخرة، وما معنى قول الآية: « وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ»؟

كلام سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إنما هو محمول على مزيد ورع، واجتناب لما يمكن أن يشغله عما هو بصدده من رعاية شأن المسلمين وتفقد أحوالهم وبذل وقتهم لنصرة هذا الدين، ولإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، فهو محمول على هذا الوجه، ومعنى قوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، هذا خطاب موجه لمن شغلته دنياه عن الله تبارك وتعالى، بزخارفها وزينتها فألهته عن ذكر الله تعالى، وعن الاستقامة على دين الله عز وجل، وعلى أداء الحقوق للمنعم جل وعلا وللعباد فهذا من باب ما نجده من كتاب ربنا تبارك وتعالى من نحو: « مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا» ومن نحو قوله تعالى: « مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ» أي أن يستكثر من ما في هذه الحياة الدنيا بما يصرفه عن دين الله تبارك وتعالى وعن ذكره وعن تذكر الآخرة، فهذا عُجّلت له طيباته في الحياة الدنيا، فيحرم منها في الآخرة لأنه انحرف وسلك سبل الغواية وجحد حقوق المنعم عليه ولم يشكر ما أنعم الله تبارك وتعالى به عليه، وانغمس في الإسراف والتبذير والمخيلة، فهذا هو المقصود والله تعالى أعلم.

ما الفرق بين تصدير الدعاء بـ«ربنا»، و«اللهم»؟

كل هذا وارد في كتاب الله عز وجل، وأكثر ما ورد هو النداء في الدعاء بصيغة الربوبية، «ربي» هي الأكثر ورودا في كتاب الله عز وجل، ثم «ربنا»، ثم «اللهم»، فكل ذلك جائز وإن جمعا فحسن، لأننا نجد في سورة المائدة، في دعاء عيسى عليه السلام: « اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ» فكل ذلك جائز، وربنا تبارك وتعالى أذن لعباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» فيختار من ما يخاطب به ربه تبارك وتعالى ما يناسب المقام إعظاما وإجلالا لله تبارك وتعالى، وما يناسب مرغوبه من دعائه، فإن كان يتوجه طالبا معاني أن يستعطف مولاه الكريم وأن يستدر رحمته، وأن يستمطر بركاته، فالنداء بوصف الربوبية أليق، وإن كان يريد أن يعظم وأن يكبر ربه تبارك وتعالى وأن يعظم قدرته، فالنداء بصيغة الألوهية أليق، ثم ينظر بعد ذلك من الأسماء الحسنى ومن تمجيده لربه تبارك وتعالى وهو يتضرع إليه من الأسماء الحسنى ما يناسب الذي يتوجه به إلى ربه من المغفرة، وثواب الآخرة، والعلم، والرزق، فيختار من الأسماء الحسنى ما يناسب مرغوبة، فكل ذلك جائز وإن كان في سياق الدعاء التضرع إلى الله تبارك وتعالى بنداء الربوبية فيشعر بافتقار العبد إلى ربه، واحتياجه إلى معاني الربوبية؛ لأن في معاني الربوبية معاني الرعاية والتربية والملك والتذلل له جل وعلا لأنه السيد المالك الملك المدبر المربي الذي يشمل بلطفه ورحمته عباده ويغمرهم بنعمه، ولذلك نجد أنه يتكرر كثيرا على لسان الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وعلى لسان المتقين الذين يثني عليهم ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم، مع ورود الدعاء باللهم في كتاب الله عز وجل.

وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد الدعاء بـ«اللهم» حتى إنه يكاد يزيد في الآثار المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سائر الأوصاف، والله تعالى أعلم.

ما قولكم فيمن يقرأ القرآن في العمل عند انقضاء الوقت وهو يلبس حذاء العمل، ويحدث أحيانا عند القراءة أنه يتوقف وتتقطع قراءته لحاجة العمل، فهل يصح ذلك؟

إن كان ينتهز ما يتاح له من وقت لم يكلف فيه بعمل آخر فهذا فعل محمود يؤجر عليه ويثاب هذا لا يُعاتب عليه أن يعمد إلى الإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى ومن تلاوة كتاب ربه سبحانه حينما يجد فرصة لذلك، هذا جدير بالثناء، وأن يُدعى له بالثبات وبمزيد من الإقبال على كتاب الله تعالى مهما كانت الحالة التي يكون عليها طالما أنه على طهارة وأن حذاءه أو ثوبه طاهر فنعم ما يقوم به.

لكن لا بد من التنبيه على أن لا يكون ذلك على حساب ما يكلف به من عمل، فالحاصل أنه لو وجد فراغا من عمل بضوابط العمل الذي يكون فيه لا بمقاييسه هو، وجد فسحة من وقت فما أجملها أن يشغلها بقراءة كتاب الله عز وجل، وبما استطاع من الذكر، وما أجدر المسلمين أمثال هذه الأوقات التي تضيع منهم سدى للأسف الشديد دون ذكر لله عز وجل أو تلاوة للقرآن أو طلب للعلم النافع أو تناصح فيما بينهم أو حديث فيما يعود عليهم بالفائدة من أمور دينهم ودنياهم، والله تعالى أعلم.