No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

06 يوليو 2023
06 يوليو 2023

ما صحة حديث فضل سورة البقرة «أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة» وغيرها من الأحاديث، وما قولكم في أخذ سورة البقرة علاجا للأمراض الروحية؟

هذا جزء من حديث صحيح ورد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي شافعا لأصحابه يوم القيامة» ثم قال: «اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان «غمامتان» وفي رواية «غمايتان»، وفي رواية «فرقان صواف» يحاججان عن صاحبهما يوم القيامة» ثم قال: «اقرأوا سورة البقرة فإن قراءتها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة» الحديث صحيح ويُؤخذ منه جملة عظات وعبر، منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية بعد أن بيّن فضل ملازمة كتاب الله عز وجل وأجر قراءة القرآن وأنه يأتي شافعا لأصحابه يوم القيامة فإنه خص بالذكر الزهراوين البقرة وآل عمران، فوصفهما بأنهما الزهراوان وهذا لبيان عظيم فضل هاتين السورتين، ثم إنه مما يُستفاد من الحديث أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصَّ على تسمية هاتين السورتين البقرة وآل عمران، وهذا يؤكد ما تقدم من جواب فيما مضى من أن تسمية أسماء سور القرآن الكريم توقيفية أما فضل سورة البقرة فهذا الحديث كما تقدم ثابت، ومعاني ما وصف به صلى الله عليه وسلم واضحة، فالبركة يقصد بها المضاعفة والزيادة التي تحصُل لقارئ سورة البقرة المداوم لقراءتها والملازم لها، وفي تركها حسرة لما يفوته من الأجر والثواب والبركة، ولا تستطيعها البطلة ويقصد بهم السحرة، فهي حصن ووقاية للمسلم، وهذا لا ينفي أن كتاب الله عز وجل وأن سائر سور القرآن الكريم تحصن المسلم من الغوائل الظاهرة والباطنة إلا أن سورة البقرة لها المزية الخاصة التي بيَّنها هذا الحديث الشريف، وهذه الحصانة والوقاية إنما تتحصل للملازم لقراءتها المداوم عليها دون أن يهمل كتاب الله عز وجل، فلا ينبغي للمسلم أن يقتصر على سورة البقرة، فحينما يرد بيان فضل شيء من السور فإن المقصود أن يوليها المسلم مزيد عناية دون إهمال لسائر سور الكتاب العزيز، فهذا القدر مأخوذ من الحديث النبوي الشريف، أما ما سوى ذلك مما يمكن أن يسأل عنه الناس من عموم ما يصيبهم من أمراض نفسية أو روحانية أو غير ذلك فهذا مرسل مبهم، وحسبنا أن نقف عند ما دل عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث ناص أنها وقاية وحصن للمسلم من الغوائل الظاهرة والباطنة مما يمكن أن يعتري نفسه أو روحه أو قلبه أو عقله، والله تعالى أعلم.

ما الحكمة من تكرار قصة موسى في القرآن الكريم أكثر من مرة؟

ورود قصة موسى عليه السلام كثيرة في كتاب الله عز وجل مقارنة بقصص غيره من الأنبياء والمرسلين لوجوه عدة، منها أن من واجههم موسى عليه السلام من فرعون وملئه، ومن قومه من بني إسرائيل هم من أكثر الناس قسوة قلب، واستكبارا في الأرض وتعنتا وعنادا، فلإن نجحت دعوة موسى عليه السلام فيهم مع ما واجهوه به من التعنت والظلم والبغي والإعراض والفتن وما سألوه إياه فإنها في حق محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمة أكثر اتضاحا بنجاحها وبلوغها إلى الخلق وتحقيقها لغاياتها، وفي هذا طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيت بأن دعوته ستلقى القبول، وستجد من يُقبل عليها ويأخذ بها ويتمسك بها وينشرها في الأرض ومن هذه الوجوه أيضا أن هذه المواقف التي تعرض لها موسى عليه السلام هي أكثر المواقف التي تعرض لها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وستتعرض لها أمته من بعده، فحينما يتبينون المنهج القويم في التصدي لهذه الفتن والصعاب التي يمكن أن يواجهوها مما ورد في قصة موسى، فإن ذلك يمكنهم بفضل الله تبارك وتعالى من أخذ العظات والعبر والدروس لمواجهة المواقف المشابهة لما حصل في زمن موسى عليه السلام وبينه وبين قومه، ومن هذه الوجوه أيضا هو أن تكرار بعض المشاهد والقصص، أو بعض الصور التي كانت في سيرة سيدنا موسى عليه السلام يعرض في كتاب الله عز وجل على ما أشبهه من مواقف تتعرض لها دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك نجد أنها تتكرر، وبعض العلماء يقول بأن من الوجوه أيضا أن دعوة سيدنا موسى عليه السلام انتشرت وكان أنبياء بني إسرائيل كثيرين وآخرهم عيسى عليه السلام.

فهم أقرب عهدا بالدعوة المحمدية، هم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين بُعثُوا إلى الأمم والأقوام السابقين على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فكان الأحرى أن ينظر في أحوالهم وأحكامهم وملتهم وشريعتهم ومواقفهم من أقوامهم لأنهم أقرب عهدا وأكثر انتشارا ولذلك تفرّع من هذا وجه آخر وهو أن يكون ما سيلاقيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من محاجة ينقسم إلى قسمين: محاجة تكون من أهل الشرك والأوثان، ومحاجة تكون من أهل الكتاب، ولذلك نجد في محاجة أهل الشرك البراهين العقلية والدعوة إلى النظر والتأمل والبحث والتفكر وإقامة الحجج العقلية وضرب القصص والأمثال التي يعرفونها ويعهدونها، والمحاورة التي من هذا النوع، أما القسم الثاني فيما يخص أهل الكتاب، فإن اعتراضاتهم يكون الرد عليها بما عهدوه من تاريخ النبوات والرسل عليهم الصلاة والسلام وما أصاب الأمم البائدة والأقوام مما يعرفونه، فهو موجود في كتبهم أو تناقلوه مما يعرفونه من تاريخ النبوات والرسل فكان ذلك أدعى إلى إقامة الحجة عليهم وإلى مناظرتهم وإقامة البراهين عليهم مما عهدوه من تاريخ أنبيائهم ورسلهم فكانت الحاجة أشد إلى تعريف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المواقف، بما تعرض له موسى عليه السلام مع قومه من بني إسرائيل وبتاريخ النبوات في بني إسرائيل وبالتعرف على بعض أماكنهم وعرض القصص بوجوه مختلفة وبكشف ما يخفونه مما يعلمه أحبارهم ورهبانهم وإظهار التناقضات فيما يكشفونه وما يظهرونه، وكشف مؤامراتهم ، فكل ذلك كان أدعى لإقامة الحجة، دعوة لهم إلى الخير وكشفا لهم عن التزييف الذي كانوا يرسمونه على دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. هذه أهم الوجوه.

وهناك تفريعات كثيرة يمكن أن تُؤخذ من سر تكرر قصة موسى عليه السلام مع قومه ومع فرعون في كتاب الله عز وجل منها على سبيل المثال الدعوات في الغالب تقابل أصحاب سلطة ومال وكهنوت ورجال إعلام بما يتعلق بالحشد الجماهيري، ونحن نجد في قصة موسى هذه الأطراف ماثلة، فنجد فرعون وحاشيته المتمكنة المتسلطة، ونجد قارون الذي أوتي الأموال وسخرها في الصد عن سبيل الله تبارك وتعالى، ونجد سحرة فرعون الذين يمثلون الكهنوت الديني والتسلط على غيرهم واستعباد الغير من كل هؤلاء، ونجد الجماهير التي تنساق وراء كل متغلب منتصر، هذه الصور تعرض في كتاب الله عز وجل لأن دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ستواجه هذه القوى والطواغيت وستواجه هذه الأنواع من الطغيان، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق وعرفت أمته وكشف لها هذه الحقائق فاستدعى ذلك أن تتكرر سيرة سيدنا موسى عليه السلام في كتاب الله عز وجل، والحاصل أن القضية هذا ملخص لها لكن فيها الكثير من المعاني الحسنة المقبولة التي يمكن أن توجد في مضانها، والله تعالى أعلم.

شخص قرأ من وسط سورة البقرة في الركعة الأولى، ثم قرأ في الركعة الثانية من آخر سورة البقرة، هل يصح هذا؟

هذا هو الأصل، بهذا يكون خارج الخلاف الدائر حول مراعاة الترتيب في قراءة المصلي في صلاته وقد اجتنب ما يتعلق بالجدل الفقهي حول التنكيس، وهو أن يقرأ من مواضع متأخرة في الركعة الأولى ثم يقرأ من مواضع متقدمة من القرآن في الركعة المتأخرة، أما هذا فابتدأ بوسط سورة البقرة ثم في الركعة الثانية قرأ من أواخر سورة البقرة فهذا دون خلاف لا حرج عليه أبدا وهو موافق للأصل، والله تعالى أعلم.