No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

22 يونيو 2023
22 يونيو 2023

في قوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» على من يعد الضمير في قوله تعالى: «وجادلهم»؟

قبل أن نتبين على من يعود إليه هذا الضمير، ينبغي أن ننظر إلى ما يتعلق به فعل «ادع» فمن هم المدعوون الذين وجه القرآن الكريم محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يدعوهم، إن أمكن لنا أن نفهم من هم المدعوون سهل علينا أن نعرف من الذين يجادلهم بالتي هي أحسن، ولا شك أن المدعوين هم كل الناس، فالمقصود هو أمة الدعوة الذين بعث فيهم وإليهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتقدير الكلام: ادع الناس كلهم إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، والذين يحتاجون منهم إلى مجادلة ومحاورة فجادلهم بالتي هي أحسن، فهذا هو المقصود والله تعالى أعلم.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»، فهل وضع الأذى في الطريق ذنب؟

نعم صحيح، ونجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة ينهى عن إلقاء الأذى في طرقات الناس، وعن التسبب في إيذائهم، وحتى أنه يراعي فيما يتعلق بالخلاء وآداب قضاء الحاجة، وفي كل ذلك أن لا يكون هناك أذى يمكن أن يؤثر على الناس أو البهائم والحيوانات، أو على الشجر المثمر، أو على المياه، لكن المقصود بإماطة الأذى عن الطريق أي أن يزيل هذا الأذى إلى مكان مخصص، لا أن يأخذه من مكان ثم يرميه بعد ذلك في مكان آخر، فيحسن في وجه ويسيء في وجه آخر، إذن يميط الأذى بالتخلص منه في مكان لا أذى فيه، بطريقة مخصصة أو مكان مخصص للقذر والأوساخ، وفي المقابل فإن إلقاء الأذى في الطرقات يخشى على صاحبه الإثم.

وحرّج بعض الفقهاء على من رأى الأذى وتنبه له وكان يمكنه أن يزيله ثم لم يفعل، ما لم يكن له مندوحة من عدم انتباه أو أنه لا يرى أن ذلك أذى أو غير ذلك مما يكون له فيه مندوحة فهذا في سعة ولكن يُخشى عليه، فإن من أخلاق المسلمين النظافة وإماطة الأذى، وهذا الحديث ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وستون -وفي رواية بضع وسبعون- شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان»، فنحن حينما ننظر إلى هذه الرواية نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أعلى شعب الإيمان وهو التوحيد، وذكر فيما يتعلق بالجانب العملي أدنى عمل وهو يسير، وهو إماطة الأذى عن الطريق بما يمكن أن يفعله الإنسان ولو أن يركل بقدمه هذا الأذى ليزيله عن طريق المسلمين، فهذا جانب عملي، ثم تحدث عن خلق قد يكون طبعا في هذا الإنسان وسجية فيه وهو الحياء، ولكنه مع ذلك عدّه من الإيمان، إذن هذه من شعب الإيمان، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عدّ إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، وفي الرواية الأخرى قال إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ولو أتينا إلى «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، مثلًا لو أن مسلما يلقى أخاه المسلم بوجه عابس غضوب ومع قصد ومتجهم ألا يخشى عليه من الإثم دونما سبب، وكذا الحال لمن يرى الأذى وله مكنة في أن يزيله ويميطه عن الطريق، وهو منتبه ولا عذر له، يُخشى عليه من الإثم والله تعالى أعلم.

إذا أفرد شخص صلاة المغرب في السفر في وقت المغرب، وأراد أن يصلي صلاة العشاء جماعة، ووجد جماعة يصلون صلاة المغرب والعشاء جمعا، فصلى معهم صلاة العشاء قبل الأذان، فما حكم صلاته؟

حكمه مثل حكم من صلى قبل دخول الوقت، لأنه لم ينوِ الجمع ولم يقصد إليه لا قبل دخوله في الصلاة الأولى ولا أثناء صلاته ولا عند تسليمه، فقد كان قاصدا الإفراد وهو أن يصلي كل صلاة في وقتها، هذا يعني أن عليه أن يصلي الصلاة الثانية بعد دخول وقتها، وليس له أن يقدمها عن وقتها، والله تعالى أعلم.

ما صحة حديث: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبانا عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح»؟

الحديث صحيح، ومعناه الإغلاظ في شأن المرأة التي لا عذر لها إن امتنعت عن زوجها إن رغب فيها فيما يرغب فيه الرجال من نسائهم عادة، فهذا الوعيد مقيد وليس على إطلاقه، فهذا الوعيد المقيد بأنه إن لم يرضَ منها ذلك وقد دعاها إلى الفراش ولا عذر لها في الامتناع فغضب، أما إذا تنازل عن حقه ولم يغضب فهي ليست داخلة في الوعيد، أما إن لم يكن لها عذر من نحو أن تكون مريضة على سبيل المثال أو بلغت غاية الإجهاد والمشقة، أو أن أحوالها لا تسمح لها باستجابتها لطلبه بسبب مقبول شرعا، فهذه غير داخلة في الوعيد، فالوعيد في من لا عذر لها فتمتنع عن طلب زوجها ولا يرضى هو منها ذلك.

والحكمة من هذا هو إقامة أود الأسرة على أسس متينة من مراعاة كل واحد منهما لحقوق الطرف الآخر، ومنع ما يمكن أن يورث الفتنة داخل الأسرة أو ما يمكن أن يؤدي بأحدهما إلى الانحراف والوقوع فيما يسخط الله تبارك وتعالى، ومعلوم أن أسمى مقاصد الزواج تلبية المطلب الفطري في كل واحد منهما، عند الرجال والنساء بالعشرة المباشرة التي تكون بينهما، فإن لم تتحقق هذه العشرة دون عذر مقبول فإن ذلك يمكن أن يفضي إلى كثير من المفاسد، وأن يؤدي إلى عدم استقرار هذه الأسرة وانتفاء أسباب الألفة والمودة والسكون فيها مع التأكيد على أن كثيرا من الفقهاء نبّهوا أن المقصود أن يكون الزوج أيضا مؤديا حقوق المرأة.

فإن كان امتناعها هو من باب المجازاة على تنقيصه لحقوقها فإنها لا تأثم بذلك إن امتنع عن أداء الحقوق إليها ولم يكن له عذر فقابلته هي بمنعه بعض حقوقه فإنها لا تأثم، فالحديث ليس برخصة للأزواج ليدخلوا العنت والمشقة على نسائهم، ولا هو أيضا إغلاظ على النساء دون تبين لأحوالهن من الصحة والمرض والأحوال التي يمكن أن تكتنفهن فتمنعن، ودون التفات للحقوق التي لهن على الرجال أيضا، فبمجموع هذه الشروط والأحوال، يكون هذا الوعيد الوارد في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام والله تعالى أعلم.

الذي يريد أن يصلي التهجد في الليل ولا يحفظ الكثير من القرآن الكريم، هل له أن يستعين بالأجهزة الحديثة؟

هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وفي سنتي الجائحة كانت هناك رخصة مراعاة لأحوال الناس لأنهم كانوا منقطعين عن المساجد، وكثير من الناس لا يحفظون ما يعينهم على القيام والتهجد في رمضان، فكان هناك توسعة في الأخذ بالرخصة، وما تستأنس به الرخصة هو قول طائفة من علماء المسلمين وأئمتهم وسلفهم الذي رأوا فيه أن السيدة عائشة -رضوان الله عليها- كان يؤمها غلام لها اسمه ذكوان من المصحف، فرأوا أن هذا الفعل منها رضوان الله تعالى عليها دليل على الجواز، بل نقل بعضهم أن الصالحين منهم كانوا يفعلون ذلك في النوافل.

لكن مع ذلك في الحقيقة إن فتح هذا الباب قد يؤدي مع تقادم الزمان إلى انصراف الناس عن حفظ كتاب الله عز وجل، وهو مع ما فيه أيضا من اشتغال وحركة بحمل المصحف أو بتركه على منضدة ثم بتقليب الصفحات والنظر في المصحف أو في هذه الأجهزة إذا كان سيقرأ من جهاز فيه اشتغال صارف عن حقيقة الخشوع وعما يطلب من المصلي في أن يكون نظره على سبيل المثال في موضع سجوده وأن يسعى إلى أن لا يشتغل بالنظر إلى ما حوله حتى يكون أجمع لقلبه وأدعى إلى استحضاره للخشوع فهناك اشتغال بالنظر إلى المصحف وبتقليب الصفحات فمن أجل ذلك كله في الحقيقة لا أؤيد أن يجنح الناس إلى الأخذ بهذه الرخصة، ولا يمكن التضييق في النوافل مع اتخاذ السبل الكفيلة بتقليل الحركة أو أن يكون حافظا لكن يخشى أن يستغلق عليه فيحتاج فقط إلى أن ينظر إلى موقع الآية ثم يرجع فهذا حاله أهون من أن يكون في كل صلاته ممسكا بالمصحف أو ناظرا إليه يقرأ منه، فسيعول الناس فيما يتعلق بصلتهم بكتاب الله عز وجل إلى القراءة من المصحف أثناء الصلاة، فيبدأون بالنوافل ثم يتوسعون في الفرائض، ويبدأون في البيوت ثم يمكن أن تصل إلى المساجد، وهذا غير مستبعد، فقد حدثني بعض المشايخ أنه كان في سفر إلى دولة مسلمة كانت من أكثر الدول التي فيها حفظة لكتاب الله عز وجل وكانوا في شهر رمضان، فكلما دخلوا مسجدا لأداء صلاة العشاء والتراويح وجدوا الإمام يقرأ من المصحف في المساجد فتحرجوا من ذلك فكانوا ينتقلون من مسجد أو آخر، فكانت أكثر المساجد على هذا النحو، وهذا وضع يؤسف له أن تكون بلاد المسلمين والأئمة الذين يؤمون الناس في المساجد والجوامع لا يقرأون مما يحفظون ويعمدون إلى مثل هذه الرخص، بعد أن كان مشهودا لهم بكثرة الحفظة، فهذه الاعتبارات لا بد أن تؤخذ في الحسبان، والله تعالى أعلم.