No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

08 يونيو 2023
08 يونيو 2023

ما تفسير قوله تعالى: «وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا»؟

في تفسير هذه الآية أقوال للمفسرين، لكن هذه الأقوال مما تتسع له الآية الكريمة، فهي ليست بأقوال متعارضة، منهم من ذهب إلى أن المقصود بأن من كان أعمى في الحياة الدنيا معرضا عن دين الله تبارك وتعالى وعن الحجج والبراهين التي نصبت له، وعن التفكر في النعم التي أولي إياها، فإنه في الآخرة يكون أعمى عن طريق الخلاص والنجاة، ويكون أعمى عن الحجج التي يدفع بها عن نفسه.

والقول الآخر هو أن «في» بمعنى عن وهذا ذكره من أوائل المفسرين صاحب التصاريف، يحيى بن سلام توفي عام 200 هـ، وذهب إليه أيضا يحيى بن هارون، وله أيضا تفسير في المتشابه وتوفي في 170 هـ، وهذه من التفاسير المبكرة، فهم يرون بأن «في» هنا بمعنى عن، فيكون المعنى فمن كان عن هذه أعمى فهو عن الآخرة أعمى وأضل سبيلا، والمقصود بكلامهم هذا أن الآيات قبل هذه الآية تحدثت عن نعم بسطها الله تبارك وتعالى على العباد فمن كان في هذه الدنيا أعمى عن هذه الآيات والنذر فإنه عما يدعوه إلى الآخرة أعمى وأضل سبيلا، ونسب هذا القول إلى ابن عباس، وهو كما هو واضح أيضا معنى مقبول.

ومن المفسرين من قال: إن المعنى أنه في الآخرة يكون أعمى البصر واستشهدوا لذلك بقول الله تبارك وتعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا» فرأى هؤلاء بأن المعنى أنه في الآخرة سيجازى بجنس ما اقترفه في الدنيا، ولأنه عطل بصيرته في هذه الحياة الدنيا عن الاستشهاد على حقوق الله تبارك وتعالى وشكر النعم والاستجابة للحق فإن عقابه في الآخرة سيكون من جنس ما اقترفه في الدنيا ولذلك فإنه يكون أعمى بالمعنى الحقيقي للعمى وهو فقدان البصر، واستشهدوا له بآيات منها الآية المتقدمة، ومنهم من قال بأن العمى هذا سيصيبهم لشدة الكرب والغم الذي يلاقونه، فالله تبارك وتعالى يورثهم ذلك بتسببهم لأنفسهم لشدة ما يعانونه من الكرب والغم والعسر الذي يكونون فيه فيفقدون البصر.

والقول الرابع هو أن من كان في هذه الحياة الدنيا أعمى البصيرة فإنه في الآخرة يكون في عماية وضلالة ويتخبط في حيرة ولا يهتدي سبيلا لشدة الأهوال التي يعاينها ويراها فإنه يكون في حيرة وضلال يتخبط كالأعمى يهوي في الحفر ويصطدم بالحيطان والجدران، فهذه الصورة هي المقصودة لما يصيبه من أهوال في الآخرة، فهذه المعاني في الحقيقة كلها مقبولة وتحتملها الآية الكريمة، لأن فيها وعيدا شديدا ظاهرا والله تعالى أعلم.

ما صحة الحديث: «الزاني يزنى به ولو بجدار بيته»؟

هذه الروايات منكرة موضوعة لا أصل لها، وقد تحدث عن نكارتها ووضعها طائفة كبيرة من العلماء والمحدثين، حتى وهم يحكمون عليها بالوضع فإن أغلب هذه الآثار لم ترد مرفوعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما ورد منها موصولا فإنه أشد نكارة وأكثر وضعا وخصوصا هذه الرواية التي وردت: «من زنى زني به ولو بحيطان داره» لا أصل لهذا وهو يتعارض مع ما في كتاب الله عز وجل من الدعوة إلى التوبة إلى الله تبارك وتعالى، وما ثبت أيضا في السنة من أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وما ورد في القرآن الكريم من مثل قوله تعالى: «أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» وقوله جل وعلا: «وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» فهذه روايات موضوعة مكذوبة غير صحيحة، والله تعالى أعلم.

هل الزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟

كل المقادير مكتوبة في اللوح المحفوظ، فربنا تبارك وتعالى قدر الأقدار وكتبها، وهذا ما عليه جماهير المسلمين، وتدل عليه أدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما من شيء إلا وهو مكتوب في اللوح المحفوظ لسابق علم الله تبارك وتعالى به، لا يعني ذلك جبر العباد على ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ، وإنما علم الله عز وجل ما يكون من اختبار العباد، واكتسابهم، فسجل ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ، فهذا هو المعنى مما هو مكتوب.

فالله تعالى علمه سابق فعلم ما سيختاره العبد وما سيكتسبه فسجل ذلك لأن علمه سابق، فالمعلومات منكشفة لله تبارك وتعالى وهو جل وعلا منزه عن الجهل فيعلم اختيار العبد ويعلم اكتسابه قبل أن يصدر من العبد، فالعلم بالشيء لا يعني أن ذلك المعلوم إنما هو مجبر من قبل العالم به، ولنضرب لذلك مثالا، في هذه الأحوال الجوية على سبيل المثال، فهناك علم يقوم على الرصد والتتبع ثم ترسم خرائط، ويحدد الخبراء المختصون أن أمطارا ستنزل في المكان الفلاني، فهم قد علموا سلفا أن الأمطار ستنزل، لكن هل هم من تسبب في حصول هذه الأمطار، فإن علمهم بوقوع الأمطار لا علاقة له بنزولها أو بالحدث نفسه وإنما يعلمون أنها ستنزل، والفارق أن علمهم ظني مبني على دراسة وتتبع وتجارب وقراءات وتحليلات، أما علم الله تبارك وتعالى فهو علم ذاتي لا تشذ عنه شاردة ولا واردة، فالله تبارك وتعالى هو العالم بكل شيء فهذا للتمثيل ليرفع عن الناس اللبس فيما يتعلق بعلم الله تبارك وتعالى بالمقادير وبحصولها من العباد اكتسابا واختيارا، والله تعالى أعلم.

في قوله تعالى: «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا» كيف يمكن أن نصف الشيطان بأنه ضعيف وقد استطاع أن يضل الكثير من البشر؟

وصف كيد الشيطان بأنه ضعيف في كتاب الله عز وجل لأن كيده أي تدبيره الخفي إنما ينحصر في الوسوسة والدعوة إلى مخالفة أمر الله تبارك وتعالى، وهو بنفسه يعترف: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» والله تعالى يقول: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ» فهذا يدل على أن كيد الشيطان إنما يؤثر في من يتبع وساوس الشيطان ويستجيب لدعوته المضلة ويسلم نفسه إليه بابتعاده عن الله تبارك وتعالى وعن الاستمساك بحبله المتين وعن اللجوء والاستعاذة به جل وعلا من وساوس الشيطان وكيده، لهذا وصف كيد الشيطان في كتاب الله عز وجل بأنه ضعيف؛ لأن كيده في الحقيقة لا يجاوز الوسوسة والدعوة إلى الاتباع لكن المسلم التقي قادر على أن يعصم نفسه من وساوس الشيطان بصدق إيمانه بالله تبارك وتعالى ولجوئه إليه واستمساكه بدينه القويم، وبالصراط المستقيم وبالاستعاذة من وساوس الشيطان وبالحذر من غوائله، حينئذ يسهل عليه أن يجتنب وساوس الشيطان وأن يرفض دعوته وأن يسير على الصراط المستقيم وأن يتمسك بما أمره به ربه تبارك وتعالى، ولذلك فإن أمثال هؤلاء وإن زلت بهم القدم، فإنهم أيضا يكيدون الشيطان ويغيضونه بالتوبة والإنابة إلى الله تبارك وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ» حتى مع هؤلاء حينما تزل بهم القدم ويستجيبون لداعي الشيطان في هفوة أو زلة فإنهم سرعان ما يعودون بالتوبة والإنابة والاستغفار لله تبارك وتعالى فيتأكد معنى كون كيد الشيطان ضعيفا والله تعالى أعلم.

هناك توجيه خاص من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة أن يوتر قبل أن ينام، وهناك تشريع عام: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» فهل هناك تعارض في الروايتين؟

أما عند الفقهاء فلا تعارض، وإن كان في الأثر: « اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» كلام عند المحدثين، لكن من حيث كلام الفقهاء فإنهم ما رأوا تعارضا إذ المقصود أن يختم المسلم صلوات الليل بالإيتار، فإن كان سينام ولا يقوم إلا عند الفجر فحينئذ يصلي الوتر قبل أن ينام، وإن كان سيأخذ حظا من الليل، فليحرص أن يجعل آخر صلاته من الليل وترا، ومعلوم أن الوتر لا يكرر، فلا يصلي الوتر إلا مرة واحدة، وإن فصل بنوم فرأوا أن هذا الفاصل مجز في أن يحيي من الليل ما شاء ولا حاجة له حينئذ أن يوتر مرة أخرى، فالأفضل والأولى أن يؤخر الوتر إن علم من نفسه أنه لا ينام فليؤخر الوتر وإن كان يخشى أن ينام فليوتر، فإن تيسر له أن يقوم فلا حرج عليه في أن يصلي ما شاء والله تعالى أعلم.