No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

01 يونيو 2023
01 يونيو 2023

ـ هل صحيح بأن قراءة سورة الإخلاص تعادل ثلث القرآن، وسورة الزلزلة نصف القرآن، والكافرون ربع القرآن؟

ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الإخلاص أنها تعدل ثلث القرآن، واختلف العلماء في هذا الفضل الذي نصت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلاصة ما يقولونه هو أن فضلها ثابت بهذا القدر والله تبارك وتعالى يضاعف لمن يشاء، أما كيفية ثبوت هذا الفضل فهو الذي اختلفوا في تفسيره، هل لأن محلها توحيد الله عز وجل ووصفه بما يليق به وتنزيهه عما لا يليق، والإخلاص له جل وعلا في العبودية وهذا يعدل ثلث ما جاء في كتاب الله عز وجل، إذ نجد في القرآن الكريم مع هذا المذكور في سورة الإخلاص أحكاما تشريعية، ومواعظ وأمثالا، كان ما يتعلق بالتوحيد والإخلاص ثلث ما جاء به القرآن الكريم من هدي ورشاد أو أن ذلك إنما هو بالنظر إلى عموم الفضل للحث على قراءتها وعدم التقليل من منزلتها، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تعدل ثلث القرآن أو أنها تتناول جانب الباطن في هذا الإنسان، جانب النفس والروح تزكية وإخلاصا لله تبارك وتعالى، وتوفيقا للعقيدة الصحيحة في الله تبارك وتعالى واليوم الآخر، فهي جمعت أركان العقيدة الصحيحة الراسخة وتزكية نفس هذا الإنسان باطنا، فكأنها تعدل ثلث القرآن، إذ إن الثلثين الآخرين يتعلقان بإصلاح الظاهر وبإصلاح علاقات هذا الإنسان مع ما حوله من بني جنسه أو مما خلقه الله تعالى في هذا الكون، ولكن الثابت أن أجر هذا السورة عظيم عند الله تبارك وتعالى وإنها لتعدل ثلث القرآن إما في المعاني أو في الأجر والفضل كما تقدم، وأما ما ورد في ما ذكر في السؤال عن سورة الزلزلة والكافرون، فلم يثبت ما ذكرته، وإنما ثبت هذا في سورة الإخلاص، والله تعالى أعلم.

ـ ما صحة حديث: «من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار»؟

الحديث عند أغلب المحدثين ضعيف، هناك من حاول تحسينه وقال بأنه حسن لغيره، لكن الحقيقة أن الحديث بعيد عن القبول، من حيث سنده، ولذلك نجد أن أبا داؤود قد رواه فإنه تأوله ونقل تأويله هذا طائفة من العلماء، فقال بأن المقصود هو سدرة الفلاة، إذا كانت يستظل بها بشر أو بهائم، فقطعها في مضرة من غير منفعة، فالوعيد على هذا متجه إلى من يفسد فيمنع الصلاح عن الناس ويفسد في الأرض، وقال بأن السدرة المقصودة هي أي شجرة يمكن أن ينتفع منها، فلا يقصد خصوص السدرة، ومنهم من تأول الحديث بأن المقصود شجر الحرم، وأن هذا في الإغلاظ في النهي عن قطع شجر الحرم، واختلفوا.. فمنهم من قال في الحرم المكي ومنهم من قال في الحرم المدني، وهذا قول الأكثر منهم، ولكن مع ذلك الحديث غير صحيح، وهناك روايات تشبه هذا الحديث أيضا في الوعيد من قطع السدرة فيها اللعنة، وهو الطرد من رحمة الله تعالى ولكن الحديث أيضا مثل هذا الحديث المذكور حديث ضعيف، لكن هذا لا يعني أن الحكم الشرعي المستفاد من هذه الروايات لم يثبت في أدلة أخرى بل إن النهي عن الإفساد في الأرض وعن قطع الأشجار التي يستفيد منها الناس والبهائم في غير مصلحة هو من الإفساد في الأرض، وتشهد لهذا الوعيد آيات من كتاب الله عز وجل ومن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي والله تعالى أعلم.

ـ نسأل عن الوصف القرآني للخلق بالإنبات: «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا» ولمن القول، أهو حكاية من الله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام بدءا من قوله: «أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا» حيث جاءت متسلسلة عن نوح في مطلع السورة ثم يعقبه قوله تعالى: «قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا»؟

هذا في سورة نوح وهو من قول نوح عليه السلام في مخاطبته لقومه، يذكرهم بآيات الله تبارك وتعالى وآلائه عليهم بما يدعوهم إلى الاتعاظ وتوحيده والإيمان به، وأما هذا الوصف لم ينفرد، ولا يقتصر على سورة نوح، فقد ورد في سورة آل عمران في قوله تعالى: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا» معناه الإنشاء والتكوين، ولكن معنى الإنبات حينما يقصد به الإنسان فإن فيه معنى الرعاية لأن النبات يحتاج إلى رعاية ومزيد من الاهتمام والتربية، فلوحظ هذا المعنى، ولوحظ كما يقول المفسرون أصل الخلقة، فالخطاب لقوم نوح فهم أقرب ما يكونون في تاريخ البشرية إلى آدم عليه السلام، وقد خلق آدم من التراب، الذي هو مادة الأرض التي ينبت فيها النبات، فيذكرهم بهذه النعمة، ويذكرهم بأن خصائص هذه الأرض وما فيها من تنوع واختلاف ملحوظ في تكوينهم وتنشئتهم مما يلحظونه ويجدونه في أنفسهم، هذا هو المعنى في استعمال هذه اللفظة فعلا واسم مصدر، وهو من قول نوح عليه السلام ويستمر الحوار بين نوح وقومه في السورة الكريمة والله تعالى أعلم.

ـ هل يصح التبرع من أموال المسجد للفقراء والمساكين؟

لا، لا يصح، فإن أموال المسجد تبقى للمسجد وتنفق على مصالحه وما يحتاج إليه المسجد، فيخطئ كثير من الناس فيما يتعلق بأوقاف المساجد، فهي للمساجد، وفي أكثر من مناسبة دعوت إلى أن ينتبه عمار المساجد اليوم الذين يقومون ببناء مساجد إن أرادوا أن ينشئوا أوقافا أن يوسعوا دائرة المستحقين لا لأن تصل إلى هذا الحد المسؤول عنه، وإنما لتشمل المرافق، إذا كانت هناك مدرسة كمرافق تابعة للمسجد أو الأنشطة من الدروس والمواعظ والحلقات والتعليم، فتوسع دائرة الموقوف عليهم لتشمل كل هذه الوجوه، أما ما كان خاصا بالمساجد من أموال المساجد أو من إيرادات أوقافها فإنه ينفق على صيانتها وإصلاحها وما تحتاج إليه، وإذا وجدت فضلة فإنها لا تنفق إلى الفقراء والمساكين، وإنما تنفق إلى مسجد آخر محتاج بإذن وكيل الوقف بالمسجد الأول إن رأى أن هذا المسجد مستغن عن الزائد من أوقافه في الحال أو في المآل، لأنه قد تطرأ حاجة في المسجد مستقبلا قد تكلف عشرات الآلاف، مثل أجهزة التكييف اليوم، أو حتى الفرش، فهي تكلف أموالا كثيرة، فقد لا يبدو له اليوم بأن المسجد بحاجة إلى هذه الفضلة لكن لا ينظر إلى ما يحتاج إليه المسجد اليوم في حاضره، ولكنه ينبغي له أن يعرف متى سيحتاج إلى تبديل الفرش أو أعمال صيانة شاملة، فهو يدخره للمسجد، وأما ما فضل فإنه يمكن أن يدفعه إلى مسجد آخر محتاج، والله تعالى أعلم.

ـ لديه محل تجاري يبيع حواسيب وأجهزة إلكترونية، وطيلة 15 سنة يؤدي زكاة ماله لكن بسبب جائحة كرونا تكبد خسائر كبيرة، وأصبح هو ينفق على المحل الآن، ولمدة ثلاث سنوات لم تحصل على أرباح من هذا المحل، ولم يؤد الزكاة في الوقت نفسه، رغم أن البضاعة الموجودة في المحل تبلغ قيمتها النصاب، ولا إيرادات من المحل، فهل هنالك زكاة على السلع المعروضة؟

إذا كان هنالك دخل من المحل فيتم تقويم السلعة مع الأرباح ثم ينظر في المغارم التي أنفقها على المحل، فإذا بقي شيء فوق النصاب فإنه يزكي، وأما إن كان لا يتحصل على دخل منه، وإنما الذي عنده هو السلعة، وهي لها قيمة في السوق، وهي ملك، فينظر فيها بإحدى طريقتين، إما أن تكون سلعة كاسدة، أو أنها ليست كاسدة ولكن الطلب عليها ضعيف، وفي حالة ضعف الطلب على سلعة ما لا يقصد بهذا أنها صارت كاسدة، لأن العرض والطلب يتفاوت من وقت إلى آخر، قد يضعف الطلب في وقت، لكن السلعة بعد مدة ستطلب، مثل هذه السلعة لا تسمى سلعة كاسدة حتى تخرج من الوعاء الزكوي، لا، هذه سلعة شأنها شأن سائر السلع وما يعرض في التجارة أن الناس قد تقبل عليها في وقت وقد تعرض عنها في وقت آخر، فإذا كانت في هذا النوع، فإنه في هذه الحالة يقومها بسعر السوق، لنفترض أنها في السنة الأولى كانت بالقيمة الفلانية، ولكنها بسبب تقادم الزمن عليها صارت في العام القادم أرخص في السوق، فيقومها لا بسعر الشراء ولا بسعرها بالعام المنصرم، وإنما في عامه ذلك، كم سعرها في السوق، ويجري عليها ما تقدم ذكره من أمر الزكاة، فينظر في المغارم، فإذا زادت المغارم على سعر ما عنده من سلع ففي هذه الحالة لا زكاة عليه، لكن إذا تبين بأن السعر السوقي لهذه السلعة أغلى مما أنفقه عليها وأن الباقي بعد المغارم فوق النصاب فإن عليه الزكاة، والله تعالى أعلم.