No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

25 مايو 2023
25 مايو 2023

ـ ما تفسير قوله تعالى: «حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)؟

المعنى حور أي بالغات الحسن بارعات الجمال، مقصورات أي أنهن مصونات مستورات، والخيام هو تعبير عن القصور التي كون فيهن هذه الحور المقصورات، ومعنى «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ» أي لم يباشرهن قبل هؤلاء الذين وعدوا بهذا النعيم إنس ولا جان، فهن طاهرات أبكار موصوفات بغاية الحسن، وبارع الجمال، وموصوفات بالستر والصون والعفاف، هذا من النعيم الذي أعده الله تبارك وتعالى لعباده المتقين في الجنة والله تعالى أعلم.

ـ عائلة وقعت عقدا مع مقاول على أن تشتري منه منزلا وحجزت له المبلغ ريثما ينتهي هو من المنزل، والآن حال الحول على ذلك المبلغ، هل فيه زكاة؟

يعتمد على هذا الحق الواجب عليهم، فإن كان عليهم أن يؤدوا إليه هذا الحق، ووقعوا العقد فصار هذا الحق دينا لازما في ذمتهم له، وإنما يتثبتون من إكمال بعض الإجراءات حتى لا يقعوا في شيء يندمون عليه لاحقا، فهذا المال في هذه الحالة أشبه بالدين الذي عليهم أداؤه لمستحقه، فلا زكاة فيه، إن كان بهذه الصورة، أما إذا كان هذا المال يعاملونه معاملة ما يملكونه من أموال يتصرفون فيه، ويمكن أن يأخذوا منه وإن كان في عزمهم أن يشتروا به منزلا، ولكنهم لم يدخلوا في عقد ولا التزام عليهم في أداء هذا الحق، فلم تشغل ذمتهم بأداء حق للغير فعليهم الزكاة في هذا المال، والسبب في هذا الجواب الذي أجده أكثر إقناعا هو أن هذا المال بالصورة الأولى وهي صورة أن تشغل ذمتهم بأداء هذا الحق، وأن يكونوا مطالبين بسداده، وقد يؤدونه في غضون أيام، هو أن هذا الملك ليس ملكا تاما، لأنهم إن لم يؤدوا هذا المال فإنهم بالحكم عليهم سيؤدون، طالما أنهم وقعوا هذا العقد، فشرط الملك التام منتقض في هذه الصورة، فهو كالمال المعدوم، ولذلك فإنهم لا يتصرفون فيه، لأنهم يعلمون ما يترتب على تصرفهم فيه، الذي يمكن إلى إخلالهم بما عليهم للغير من أضرار عليهم، لأني رأيت بعض الناس يقيسوا عليها صورا لا تشبهها أبدا، من نحو أن يكون عازما فيعزل، أو أن يكون محتاجا إلى شراء أو بناء بيت فيعزل مبلغا من المال، مع أن مثل هذه الصورة أيضا، قال بعض الفقهاء لا زكاة فيها، لأن هذا المال ليس بفضلة عن حاجتهم، ولا بد للإنسان من مسكن، فما كان من مال مدخر لشيء من ضرورات الحياة أو لحتياجات الإنسان التي لا بد له منها في الحياة، فإن هذا المال لا يدخل في وعاء الزكاة، ونحن لا نذهب إلى هذا القول، ولكن هذه الصورة قد شغلت ذمتهم بأداء هذا الحق للغير بسبب العقد والشروع في الالتزام، ففي هذه الحالة صار كالدين الواجب الأداء للغير، فهم لا يؤدون هذا الحق قبل حولان الحول، لأن هناك ما يصرفهم عن ذلك مما له اعتبار شرعي، ما يدعوهم إلى تأخير الأداء إلى حين الوقت المناسب، لكنه في حقيقته واجب السداد للغير، ففي مثل هذه الصورة أن هذا الملك ليس بملك تام ولا زكاة فيه، والله تعالى أعلم.

ـ امرأة فقدت ذهبا واشترت ذهبا آخر حال عليه الحول، وأدت زكاته، ثم بعد أداء الزكاة، وجدت ذهبها المفقود، فهل تخرج منه الزكاة أيضا مع زكاة الذهب الجديد؟

هذه المسألة هي أشبه ما يكون بما يعرف بمسألة المال الضمار، الذي يفقد مالا تجب فيه الزكاة، ويبلغ حد اليأس من العثور عليه، حتى وإن كان يعرف المكان، وهناك من اشترط في المال الضمار أن يكون في غير البيوت، ولكن الصحيح فقدان شيء حتى في بيوتنا المعاصرة، التي يمكن أن تفقد فيها الأشياء في المجاري أو في فتحات أخرى، فتختفي تماما، فهذه من حيث حقيقتها هي في ملك صاحبها، لكن هذا الملك لا وجود له هو يعلم أن له قدرا من المال لكنه فقد هذا المال، فإن كان قد اجتهد في البحث فلم يجده وأيس منه فلا زكاة فيه.

إن كان سؤالها أنها التمسته بجهد يسير فلم تجده فاشترت ذهبا جديدا ثم ظهر هذا الذهب فهذا في ملكها ولم تبلغ حد اليأس، وإنما لم تجتهد في البحث، هذا يحصل عند كثيرين خاصة ممن ابتلي بكثرة النسيان، وأنه يضع متاعه في مكان من المنزل، أو في زاوية من البيت ثم ينساه، فيبحث عنه فلا يجده، ثم بعد أيام دون قصد يظهر له ذلك المتاع موافقة، فإن كان من هذا الباب، فعليها الزكاة، وكان عليها أن تحسب ذهبها من جملة ما تزكيه من مال، أما إذا اختفى تماما مع اجتهادها وحرصها ومرت الشهور ولم تجد هذا الذهب ثم بعد ذلك ظهر بعد أن أدت زكاة مالها، فهنا يقال بأنه يمكن أن تحسبه من زكاة الحول القادم والله تعالى أعلم.

ـ في قوله تعالى: «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» ما المقصود بنشوزهن، وما صفة الضرب؟

النشوز يقصد به استعلاء المرأة، واستصعابها على زوجها، أما أن يكون ذلك بالامتناع عن طاعته فيما هو من صلاح الأسرة، أو أن تدخل أجنبي إلى البيت وهو كاره لذلك، أو أن تأتي ما يمكن أن يؤدي إلى فساد في أحوال الأسرة وفي العلاقة التي بينها وبين زوجها، هذا المقصود بالنشوز وهو من الارتفاع والعلو والاستصعاب، وأرشد الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة الأزواج إلى اتباع خطوات يعالجون بها حال نسائهم إذا رأو منهن إلى ما يمكن أن يفضي إلى فساد في الأسرية، وما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من النفور، وسوء أحوال المرأة، ولذلك قال: «فَعِظُوهُنَّ» والوعظ يعني المناصحة والتذكير بالله تعالى والتذكير بحقوق الأسرة والزوج، والحوار بالتي هي أحسن، ومحاولة إيجاد شيء من الحلول والعلاج لما يمكن أن يكون قد نشب بينهما، فعليه أن يجتهد لإصلاح أحوال المرأة بالموعظة الحسنة، فإن لم تجدي الموعظة نفعا، فالله تبارك وتعالى قال:«وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ»، أن يبتعد الرجل عن إتيان امرأة إما أن يكون بأن يعزل نفسه في حجرة أخرى، أو أن يكون ذلك في نفس الحجرة الزوجية أو في نفس الفراش لكنه يمتنع عن العشرة حتى يكون في ذلك إلى ما يدعوا المرأة إلى مراجعة نفسها، وإلى التريث في أمرها، وإلى أن ترى أن الزوج يمكن أن يستغني عنها، وأنه ما فعل ذلك إلا لسبب دعاه إلى تركها وهجرانها، وأنه مستعد للتخلي عنها، الحاصل أن يحدث ذلك في نفسها ما يحدثه البعد والهجران والإعراض عن المرأة في مثل هذه الأحوال، فإن لم يجد ذلك نفعا، فإن الله تعالى قال: «وَاضْرِبُوهُنَّ» والضرب عند عامة المفسرين والفقهاء وعلماء الإسلام هو الضرب المعهود، لكنه مشروط بأن يكون ضربا غير مبرح، وهذه إباحة من الله تبارك وتعالى، ولهذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ولن يضرب خياركم»، وذكر في حديث حينما مرت عليه نساء يشتكين من سوء معاملة أزواجهن لهن، فذكر بأن هؤلاء الرجال ليسوا بخير الرجال فدل على أن الذين لا يضربون نسائهم هم خير الرجال، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام العملي أنه ما ضرب امرأة قط، وفي وصيته لأمته في خطبة الوداع قال: «واستوصوا بالنساء خيرا»، فإنه لما أتى إلى إصلاح حال المرأة الناشز قال واضربوهن ضربا غير مبرح، وعلى هذا لا يمكن أن يحمل معنى الآية الكريمة على غير الضرب المعهود، مهما حاول بعض المعاصرين الافتراء على الله تبارك وتعالى في تأويل هذه الآية الكريمة، فإنهم قد أبعدوا النجعة، وأتوا بما لا دليل عليه، لا من اللغة ولا من الاستعمال القرآني، ولا من الاستعمال في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلـم، ولهذا ذكر الفقهاء أن يضربها بعود أراك أو أن يلف يده بمنديل، وأن يتقي الوجه وما ظهر من البدن، ويشهد لهذا المعنى أن معنى الضرب حقيقة هو الضرب المعهود، والله تعالى أعلم.