No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

11 مايو 2023
11 مايو 2023

ـ هل يمكن اعتبار بعض أموال الصدقات الثابتة التي كان الشخص يصرفها شهريا للمحتاجين جزءا من الزكاة، وبالتالي يتم خصمها من مبلغ الزكاة عند وجوبها ؟

هذه الصدقات لا تغني عن الزكاة، لأنه قد أخرج هذه الصدقات وهو لا ينوي بها إخراج الزكاة الواجبة عليه، وبسبب ذلك فإنها لا تغني عن الزكاة، أما لو أن هذا المزكي استصحب هذه النية وأخرج أو عزل شيئا من زكاة ماله ليدفعها إلى المستحقين الذين سيتحرى أنهم من مستحقي الزكاة فكان يدفعها إليهم مرة بعد مرة، عزلها من زكاة ماله، إذا وجدت مصلحة، لعلمه أن المستحقين للزكاة سيأتون إليه أو أنه سيصل إليهم، ثم أخذ يدفع إليهم منها وهو قاصد الزكاة فهذا مجز له، أما أن يأتي بعد أن يكون قد دفع شيئا من الصدقات ولعله لم يتحرَ في المستحقين ما يتحراه المزكي في من يدفع إليهم زكاة ماله تساهلا لأنه يعلم أنها ليست بالفريضة الواجبة وإنما هي من عموم الصدقات، ثم يأتي بعد ذلك ليعد الذي دفعه من زكاة ماله فهذا لا يجزئه والله تعالى أعلم.

ـ موظف استحق راتبه غير أنه لن يقبضه إلا بعد شهرين أو ثلاثة علما بأنه بذلك الراتب يبلغ النصاب، فمتى يبدأ حساب الحول هل من تاريخ استحقاقه، أم من تاريخ قبضه؟

فيما يظهر من سؤاله أنه ليس له حول، أما إذا كان يعامل معاملة الدين واجب السداد على وفي ملي فإن كان الحال أن هذا المبلغ آتيه لا ريب في ذلك وأنه مستحق له فيمكن له في وجوه أخرى من المعاملات المالية أن يعول على هذا الحق الآيل إليه، فيمكن أن يقال بأنه يحسبه من تاريخ استحقاقه لكن إذا وجدت ريبة أو ما يصرفه عن قبضه، أو انه غير مطمئن، فيمكن أن تتغير القوانين والأنظمة وذلك ليس بيده، أو أن يصيب الجهة التي تؤدي إليه المال إفلاس أو تصفية أو غير ذلك من الاحتمالات ففي هذه الحالة لا عبرة إلا بتملكه الحقيقي للمال، الفارق أن الصورة الأولى أشبه بالقبض الحكمي، يعني لا يظهر ما نفي تملكه لهذا المال، فهو مستحق له، فلعل الجهة أخرت تسليمه كما يحصل في بداية التوظيف على سبيل المثال، لكن هذا المال آتيه لا ريب في أنه سيقبضه، فيحسب من تاريخ استحقاقه إذا كان بهذه الصورة، والله تعالى أعلم.

ـ امرأة خلعت نفسها من زوجها وهي حامل وتريد الآن أن تعود إليه وهي لم تضع بعد، فهل يصح ذلك؟

هذه المسألة فيها تفاصيل، ومبتدأ السؤال نحمله على أن زوجها راغب فيها، وخلعت نفسها من زوجها وهي حامل، وهنا لا خلاف في أن عدتها بوضع حملها، أما إن لم تكن حاملا ففي المسألة خلاف، وجمهور العلماء يذهبون إلى أن تعتد ثلاث حيضات، ومن العلماء من يقول إنها تعتد حيضة واحدة، وهذا القول الثاني قد يكون أرجح لظاهر ما يدل عليه حديث امرأة ثابت بن قيس فإن النبي صلى الله عليه وسلـم أمرها أن تعتد بحيضة، وهذا الخلاف لا يدخل في مسألتنا الآن. لأن السائلة تقول بأنها حامل فعدتها بوضع حملها، وإن أرادها زوجها في أثناء العدة، فقد رخص العلماء في زوجها الذي خالعها، ولكن يردها في العدة، ولا تحل لغيره إلا بإكمال العدة، حتى لا يقاس غيره عليه.

وعلى زوجها أن يعقد عليها عقد نكاح جديد برضاها، وإذن وليها، وبصداق يسوقه إليها، والشهود، وهذه الصورة لا خلاف فيها، ماذا لو ردها برضاها وبالشهود ورجع إليها ما دفعته له ما افتدت به نفسها، هنا في المسألة خلاف والذي أحفظه هو أن طائفة كبيرة من علمائنا ومن علماء المذاهب الأربعة، يجيزون هذه الرجعة طالما أنه برضاها، ومع الشهود فإن هذه الرجعة صحيحة عندهم، والمسألة كما قلت محل خلاف، وسببه يمكن أن يفرع على تكييف الخلع، هل هو طلاق أو هو فسخ، فالذي يقول بانه طلاق فجواز الرجعة عنده أظهر، لأنه يقول إنها طلاق وإن كان يقول بأنه طلاق بائن ولكن مراعاة بأن هذا الزوج هو صاحب الحق الأظهر في العدة، فإن استبراء الرحم في المرأة إنما كان من زوجها، وهو يطلبها الآن ويريدها، فأصبح المعنى الأظهر من حكمة العدة أو من سبب العدة أصبح مفهوما، كأنه تنازل عن هذا الحق لأنه هو الزوج، فقلت بان من كان يقول بأن الخلع هو فسخ للعقد لعصمة الزوجية بينهما هو طلاق فلا إشكال بجواز الرجعة بهذه الصورة. والله تعالى أعلم.

ـ ما ضوابط الفتح على الإمام؟ وهل يختلف من الفريضة إلى النافلة؟

يوجد عند الفقهاء من يتساهل في أمر النافلة ما لا يتساهل في أمر الفريضة، مع ذلك فإن أقوال الفقهاء كثيرة في الفتح على الإمام إذا ارتج عليه في صلاة الفريضة، فمنهم من يقول بأنه إن أتى بالقدر الواجب من القراءة فلا يلزم أن يفتح عليه، لكن ذلك بعيد، ففي كل الأحوال ينبغي أن يفتح للإمام فإذا ارتج عليه أو أخطأ في موضع من المواضع، سواء كان هذا الخطأ يترتب عليه تغيير في المعنى، أو لا يترتب عليه تغيير في المعنى فإن الواجب حفظ القرآن العظيم من أن يسري إليه اللحن والخطأ، فعلى المأمومين أن يفتحوا لإمامهم أيا كان السهو الذي وقع فيه الإمام، سواء كان ذلك في الفريضة أو في النافلة، فتختلف الأحوال قد يكون هناك أن يخطأ بزلة لسان في تشكيل ويجد المأموم أن الفتح على الأمام يمكن أن يربكه أو أنه قد تجاوز الموضع بآية أو آيتين، فعليهم أن يفتحوا عليه في حينه، ولكن ينبغي أن لا يترك الخطأ في كتاب الله عز وجل دون تصحيح.

وهناك آداب متعلقة بهذا الأمر، فالأصل أن يتولى ذلك سترة الإمام، ثم الذين يلون السترة، ولهذا فإن الأولى أن يتقدوا، فالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلـم: «ليليني ذوو الأحلام منكم ثم الذين يلونهم» والغاية من ذلك هو أن يكونوا أكثر قرآنا ليفتحوا على إمامهم، وإن شاء أن يستخلف أحدا منهم فإنهم يكونون أفقه من غيرهم وأدرى بفقه الاستخلاف وفقه إمامة المصلين من غيرهم، أما أن تعلو الأصوات من أطراف الصفوف، فهذا يحدث تشويشا عند الإمام، وتتداخل عليه الأصوات، فهذا مما ينبغي أن ينبه عليه، والله تعالى أعلم.

ـ ما صحة الحديث الذي يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلـم، بأنه توضأ من ماء شربت منه قطة؟

هذا صحيح، وقد ورد هذا في روايات صحيحة ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، فورد من طريق السيدة عائشة، فقالت: كنت أتوضأ مع رسول الله صلى الله عليه وسلـم في ماء ولغت فيه الهرة، وفي مناسبة أخرى رويت مرفوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصغي الإناء للهرة فتشرب ثم يتوضأ من الإناء عليه الصلاة والسلام، وقال: «إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات، إنها ليست بنجس» فالحديث صحيح، والحكم الفقهي المأخوذ منه أيضا صحيح، وفيه أيضا دلالات أخرى على الرفق بهذه الحيوانات والإحسان إليها والله تعالى أعلم.

ـ ما تفسير قوله تعالى في سورة مريم: «قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا»؟

في قول الله تبارك وتعالى: «فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18)» هذا القول من مريم عليها السلام هو موعظة بليغة فإنها رأت صورة بشر سوي الخلقة كما وصفه الله تبارك وتعالى أكثر المفسرين أنه جبريل عليه السلام، فالصورة البشرية التي رأته عليها ليست صورة رجل فاحش بذيء، بل هي صورة بشر سوي، فوعظته لأنها ترى أنه يطلع عليها في تلك الحالة فخاطبته مستعيذة بالله تبارك وتعالى ترجو أن ينفعه وعظها له بتذكيرها إياه بالله تبارك وتعالى، فالذي ينتفع بالموعظة هو التقي، وفي هذا الخطاب وإن ظهر أنه بصيغة الشرط، والشرط كما يقول علماء اللغة يمكن أن يفهم منه التشكيك، وليكن ليس هذا المقصود، وإنما المقصود هو التذكير، وأن تحرك فيه بواعث تقوى الله تبارك وتعالى وهذا كثير في القرآن الكريم، نجد مثله في قول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» هل يعني أن هذا الخطاب أنه يكون عند تحقق هذا الشرط، أو أنه خطاب آخر لتحريك النفوس وتهييجها للاستجابة لهذا الأمر، فهذا هو الحال فإنها تهيج نفس السامع هنا بهذه الموعظة ليستجيب لها ولتحدث هذه الموعظة أثرها في نفسه، فهذا هو أحسن الوجوه التي ذكرها المفسرون، والله تعالى أعلم.