No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

04 مايو 2023
04 مايو 2023

ـ ما تفسير قوله تعالى: «وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»؟

المقصود بقوله تعالى: «يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ» هو أنه اقتضت سنته جل وعلا أن يكتب عليكم الغواية وهو الفساد والضلال، مجازاة لكم على كفركم، وأن يحرمكم من رحمته عقوبة لكم لعنادكم وتكبركم على نبيكم، فما من شيء يقع في هذا الكون من خير أو من شر إلا ويقع بإرادة من الله تبارك وتعالى وبعلمه وقدرته وإذنه خلافا لمن خالف من المعتزلة، مخالفين بذلك جمهور المسلمين، في أن الشر لا يريده الله تبارك وتعالى، والآية لا تدل على ذلك بوجه من الوجوه، وإنما تدل على أن ما بلغ إليه هؤلاء مع نبيهم بسبب عنادهم وإعراضهم وتكبرهم، استحقوا به أن تصرف قلوبهم، إذ أن النصح فيه طرفان، الناصح وهو في هذه الآية الكريمة قد أدى ما أمره الله تبارك وتعالى به عليه الصلاة والسلام وبلغهم رسالة ربه، والمنصوح وهو المتلقي، فإذا كان هذا المتلقي للنصح غير قابل للنصيحة بل هو معرض عنها ومتول كبره عن قبولها فإن هذا الإعراض هو سبب لحرمان الهدى ولحرمان رحمة الله تبارك وتعالى عنه، هذا هو معنى الآية الكريمة.

ومنهم من قال معنى (أن يغويكم) أي أن يهلككم، وحملوا هذا على لغة عند طي يقولون أصبح الرجل غاويا إذا أصبح مريضا، لأن معنى غوي عندهم أي أصابه المرض والفساد، وحملوا على هذا قول الله تبارك وتعالى: « فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا»، لكن هذا المعنى الأقل، لأنه اعترض عليه كثير من المفسرين وقالوا إن معنى هذه الآية «فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» أي سوف يلقون عذابا سببه الغي، فاكتفى بذكر السبب عن ذكر المسبب، وأن المقصود هو المعنى اللغوي وهو الفساد، والمعنى الأول ظاهر وهو قول جماهير المفسرين والله تعالى أعلم.

ـ ما صحة هذا القول: «إن في هذا اليوم الصحائف بيد الملائكة تطويها بعد دخول الخطيب فلا يكتب أسماء المتأخرين عن الصلاة فيها» في يوم الجمعة؟

هنالك رواية «إذا حضر الخطيب طويت الصحف» وهذا في الحث على التبكير في يوم الجمعة، ولكن هذا لا يعني أن من أتى متأخرا عمله هذا لا يكتب، وأن ذمته لا تبرأ وأنه لا يؤجر على عمله ذلك، وإنما الذي ورد هو في سياق الحث على التبكير إلى صلاة الجمعة، وأن يشهد المسلمون يوم الجمعة ذكر الله تبارك وتعالى وأن ينتظروا خطيبهم، وأن يتقدوا في الصفوف، فإذا كانوا في الصفوف الأولى فإنهم يحوزون أجرا أعظم، والله تعالى أعلم.

ـ من أوكل إليه مهمة تنفيذ وصية وهي بناء جامع وغرفة للأيتام، بمبلغ 141 ألفا، ولكون هذه الوصية مع وجود وصايا أخرى قد خرجت عن الثلث، فقد تمت المحاصصة بينها وجاء نصيب هذه الوصية إلى 70 ألفا، فأولها أولى للوصي أن يبني جامعا وغرفة بالمبلغ مع كونه لا يكفي أم يساهم به في بناء جوامع أخرى؟

هو لم يترك لنا خيارا، لأنه يقول أن يبني بهذا المبلغ جامعا وغرفة، ولكن المبلغ لا يكفي، ففي هذه الحالة إن كان يمكن لهم أن يقوموا ببناء مسجد جامع بهذا المبلغ، وإن لم يتأت لهم ذلك لا مانع من أن يدخلوا هذه الوصية في مشروع بناء جامع آخر، وبهذا يثبت الأجر للموصي، ويتحقق تنفيذ الوصية والله تعالى أعلم.

ـ الله عصم الأنبياء من أكل الحرام، ولكن استوقفتني نشأة موسى عليه السلام في بيت فرعون على أنني أدرك أن فرعون مع طغيانه إلا أنه قد تكون مصادر رزقه حلالا فما الجواب؟

المقدمة صحيحة والتفسير هو أن يكون موسى عليه السلام رغم نشأته في بيت فرعون أنه اجتنب الحرام ولم يأكل إلا حلالا، ودليل ذلك أن امرأة فرعون كانت مؤمنة، وضرب الله تبارك وتعالى بها المثل للمرأة المؤمنة الصالحة التي تكون تحت طاغية كافر، ولكنها مع ذلك تكتم إيمانها وتؤدي ما بينها وبين ربها جل وعلا، فأثنى عليها الثناء الحسن العاطر، فهو بين حضن امرأة فرعون وبين حضن أمه، فهو بين نساء مؤمنات صالحات قانتات نشأ في هذا المحضن الطيب، فلذلك هذا أقرب، ولسنا بحاجة إلى تأويلات بعيدة وننظر في حال فرعون وكسبه، والله تعالى أعلم.

ـ هناك من يتسلف ويأخذ أمولا من الناس ولا يردها، ووصل الحد به إلى أن يستهزئ بهم عندما يطالبونه بها، فما نصيحة فضيلتكم لهؤلاء؟

هذا داخل في الوعيد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلـم حينما قال: «مطل الغني ظلم» وهذا من الظلم، وفي حديث آخر نجد رسول الله صلى الله عليه وسلـم يقول في ما معناه أن من أخذ شيئا من أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس لا يريد أداءها فلا أدى الله عنه، وهذا فيه وعيد وإنذار لمن يأخذون أموال الناس ثم لا يؤدون إليهم، وإن المرأ ليتعجب أن يكون موقف من يقترض ممن أعانه في وقت شدته واحتياجه، وممن حمله على الصدق، وظن فيه الخير، وأراد أن يمد له يد العون وأن يفرج عنه كربته أن يقابله بعد ذلك بالاستهزاء وبالمطل والظلم وبخس الحقوق، هذا من أسوأ الأخلاق التي يمكن أن يتحلى بها مسلم، ففيه كذب وفيه غش وفيه خيانة وفيه استهزاء.

يكفي أن مثل هذا المحتال طالما أنه دخل في زمرة الظلمة المعتدين على أموال الناس أنه داخل بهذا في وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلـم القائل فيه: «القليل من أموال الناس يورث النار» فلما سألوه ولو كان شيء يسيرا يا رسول الله فقال: ولو كان قضيبا من أراك» فكيف من يأكل أموال الناس بهذه الطريقة، ولا يبالي بعد ذلك بأداء هذه الحقوق فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يبرأ نفسه من حقوق العباد فإنها مظالم يحملها معه أوزارا يوم القيامة إن لم يتب منها ويتخلص، والله تعالى المستعان.

ـ هل أجر القرض كأجر الصدقة؟

ورد في بعض الروايات أن أجر القرض أكثر من أجر الصدقة، واختلف شراح الحديث في بيان السبب، وكثير مما ذكروه يدور حول كون المقترض في حاجة ماسة فيسعفه هذا ويعينه بماله فقد يأتي في وقت آخر يحتاج هو إليه ففيه مزيد حث على أن يعين الناس بعضهم بعضا.

أما الصدقة فهي محض تفضل من المتصدق إلى المتصدق عليه، أما القرض ليس فيه هذا المعنى لأنه ليس فيه يد عليا ويد سفلى فإن الأصل في الحقوق أن ترد، ففي القرض أجر عظيم ودلت بعض الأحاديث أنه أفضل من الصدقة بـ17 درجة، وهذا فيه حث من رسول الله صلى الله عليه وسلـم على أن تسد حاجة الناس بمثل هذا الباب، فهي رخصة وفضل من الله تبارك وتعالى تفضل به على عباده، والله تعالى أعلم.