No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

16 مارس 2023
16 مارس 2023

في قوله تعالى: «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» وفي الآية الأخرى «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ» ما المقصود بالأيدي في هذه الآيات؟

فإن معنى قول الله تبارك وتعالى : «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» أي ذا القوة، وهذه القوة هي التي كانت تعينه على العبادة وعلى القتال والحرب، فقد أوتي داوود عليه السلام من القوة على عبادة الله تبارك وتعالى والدعوة إلى دين الله عز وجل الحق كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما وأنه كان يقوم نصف الليل، فقد أوتي داوود عليه السلام قوة وهي تنصرف إلى القوة إلى العبادة والدعوة إلى الله عز وجل، كما تنصرف إلى القوة بمعنى تدبير شأن المملكة وشؤون الناس وما يتعلق بأمور الحرب والقتال واستقرار أمر المملكة.

وفي قوله تعالى «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ» فإن كلام كثير من مفسري السلف رضوان الله تعالى عليهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم أن المقصود بذلك أيضا القوة، والمعنى يتجه إلى معنى القوة في الدعوة إلى الله عز وجل، والاجتهاد في أمره والقيام بحقوقه وفي عبادته جل وعلا، وهناك طائفة من المفسرين حملوا هذه الآية الكريمة في وصف إبراهيم وإسحاق ويعقوب على معنى الإحسان والنعمة التي كانت لهم على من بعثوا فيهم وهذا معنى يسمح به السياق أيضا، ولا مانع من أن يكون المقصود هو معنى القوة والتأييد من الله تبارك وتعالى لهم، أي بما آتاهم من تأييده فتقووا بذلك على عبادته جل وعلا وعلى نشر دينه ومواجهة ما كان يلاقيهم به أقوامهم في أمر الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى ومن اجتهادهم في العبادة، وما يتعلق في فضلهم وإحسانهم الذي تفضل به عليهم ربهم تبارك وتعالى فامتد ليشمل أقوامهم والناس من بعدهم فلا مانع من أن يكون المقصود هو ما يدل على القوة بالمعنى الأول الوارد في وصف داوود عليه السلام أو بمعنى الإحسان أو التأييد، وأما قوله «الأبصار» فحملت على معنى البصائر، فالبصر يجمع على أبصار، ويرد في كتاب الله عز وجل وفي اللغة بمعنى البصيرة، فما أوتوا من حكمة ومن سداد رأي ومن توفيق من الله تبارك وتعالى أيضا أثني عليه به في الآية الكريمة، هذا هو الذي يتجه له المعنى في الآيتين والله تعالى أعلم.

ما صحة الحديث الذي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم»؟

الحديث عند أكثر علماء الصنعة حديث ثابت، والمقصود به أن من طبيعة هؤلاء البشر في هذه الحياة الدنيا إلا من عصمهم ربنا تبارك وتعالى من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام أنهم يذنبون، فإذا لم يصدر منهم ذنب فإن ذلك يعني أنهم إما أن يكونوا قد ارتفع عنهم التكليف أو أنهم انتقلوا إلى الدار الآخرة، فشأن هذا الحديث حكاية حال لواقع الناس المكلفين، إلا من عصمهم الله تبارك وتعالى، فمن شأنهم في هذه الحياة الدنيا أن يقع منهم الخطأ، فليس فيه إغراء بإتيان الخطأ، وإنما فيه بيان لرحمة الله تبارك وتعالى بالعباد أنهم يذنبون فيتوبون ويستغفرون ويرجعون إلى الله تبارك وتعالى، وأنهم إن لم يقع منهم ذلك فهذا يعني أن تكليفهم ارتفع إما بانتقالهم إلى الرفيق الأعلى أو بما يرفع عنهم التكليف، والحديث محمول على هذا الوجه الحسن يتناسب مع ما يؤخذ من هذا الحديث النبوي الشريف، فعلى العباد أن يقبلوا على الله عز وجل بالتوبة والاستغفار والإنابة مهما كانت الظروف، لأن من شأن البشر أن يقع منهم الخطأ فما عليهم إلا العودة والتوبة والإنابة، والله تعالى أعلم.

هل تلقين الميت عند الموت سينفعه في الآخرة؟

هنالك في هذا السؤال مجموعة مسائل منها، مسألة تلقين الميت عند الاحتضار، وهذا مما يذكره الفقهاء، فيقصدون بتلقين الميت أي قبل وفاته حينما يكون مريضا مرض موت، أو حينما تحضر ساعة وفاته فيكون في حالة الاحتضار، فإنه يلقن، وهذا ثابت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكيفيته أن يقال عند الاحتضار كلمة التوحيد، كأن يقال: «لا إله إلا الله، أو «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله» حتى يذكر المحتضر فيقول مثلما يقول هذا المحتضر، ومن لطائف الآداب التي ذكرها عدد من أهل العلم، أن لا يأتي له بكلمة التوحيد بصيغة الأمر، فلا ينبغي له أن يقول «قل لا إله إلا الله» لأنه قد لا يستطيع القول لعلة أو لمرض أو لسبب مانع حتى لا يساء به الظن، أو حتى لا يحرج أو يثرب عليه، فغاية المراد هو أن يأتي من يحضر الميت بكلمة التوحيد عنده، وينبغي أن يكررها إن لم يأت بها الميت، لأنه قد يكون في حالة قد يفقد بها التمييز فيكرر من باب التذكير لكن إن أتى بها فلا حاجة إلى التكرار إلا إذا انصرف إلى حديث دنيوي آخر، والعلة في ذلك أن يكون آخر ما يأتي به هو كلمة التوحيد، هذا النوع من التلقين صحيح ثابت له أدلته في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه كلمة الفقهاء.

هناك نوع آخر من التلقين وهو ما يكون بعد الوفاة، وهذا فيه رواية عند ابن ماجة وبعض أصحاب السنن والمسانيد، لكن هذه الرواية ضعيفة والتي فيها: أن يقف عند رأسه وأن يقول له يا فلان ابن فلان إذا حضرك الملكان فأخبرهما عما خرجت به من الدنيا، وهي رواية طويلة معروفة، وهي رواية غير ثابتة.

وإن كان بعض أهل العلم يرون بجواز الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال يصنع ذلك، لا تقوية للحديث وإنما تعويلا على هذه القاعدة ، أن هذا الحديث يمكن أن يكون مقبولا وهذا أمر يتعلق بفضائل الأعمال فيأتي به على هذا الوجه فالمسألة فرعية تحتمل الخلاف لكن القول الصحيح الراجح أن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا حاجة للإتيان به.

وهو أيضا مبني على مسألة أخرى، وهي هل الميت يسمع؟ وإن كنا تعرضنا لهذه المسألة فيما مضى ولكن لا مانع من التذكير ولو كان باختصار، بعيدا عن ذكر الأقوال الواردة في قول هل الموتى يسمعون والجمع بين الأدلة أن الموتى لا يسمعون إلا ما أسمعهم إياه ربنا تبارك وتعالى، والدليل على ذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم في سورة النمل: « إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ» وقال في سورة الروم: « فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ» وقال تعالى :« وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» هذه الآيات ناصة صراحة على أن الموتى لا يسمعون، وما ورد في السنة من إتيان الملكين لسؤال الميت بعد دفنه، فهذا مما يسمعهم إياه الله تبارك وتعالى وهذا متعلق بعالم البرزخ، ليس هو من عالم الشهادة، والبرزخ هو الفاصل بين عالم الشهادة وعالم الآخرة، وما ورد أيضا في قصة قتلى بدر من المشركين الذين خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، فقال بعض أصحابه رضوان الله تعالى عليهم وهل يسمعون؟ فقال عليه الصلاة والسلام في أهل القليب، والله ما أنتم بأسمع منهم لما أقول، هذا من باب التبكيت بهم والله عز وجل هو الذي أسمعهم لما يقوله نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يقاس عليه، لأن الأدلة المتقدمة في كتاب الله عز وجل تنفي أن يكون الميت قادرا على السمع.

وردت أيضا رواية فيما يتعلق بإتيان الملكين للميت بعد دفنه وأنه يسألنه فورد فيها «وإنه ليسمع قرع نعالهم» هذا محمول على قرب إتيان الملكين لهذا الميت بعد دفنه، لما يفرغ المشيعون من دفنه يصل الملكان فيسألان بحيث إن لو تأخر أحد منهم لسمع قرع نعالهم وهم يغادرون المقبرة، فهو إشارة إلى قرب حصول ذلك بعد أداء حق الميت بالدفن، والله تعالى أعلم.