No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

09 مارس 2023
09 مارس 2023

في قوله تعالى: «لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا» ما هو العهد الذي يتخذ عند الرحمن؟

المقصود بالعهد هو الإيمان بالله تبارك وتعالى والعمل الصالح، وقد نص عدد كبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين ومن علماء السلف أن المقصود بذلك كلمة التوحيد، وهي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، مع القيام بحق هذه الكلمة فهذا هو العهد الذي تشير إليه الآية الكريمة وهذا المعنى يصلح على وجهي الاستثناء في الآية الكريمة ذلك أن بعض المفسرين يقولون إن الاستثناء منقطع والمعنى ولكن من اتخذ عند الله عهدا، ويصلح أيضا عند من يرى أن الاستثناء متصل، فهؤلاء المجرمون لا يجدون من يشفع لهم ولا يجدون ما يشفع لهم ولا يشفعون في أحد، فهذا هو المقصود بالعهد الذي يكون بين العبد وربه مما يبلغه رضوان الله تبارك وتعالى فيكون من عباد الرحمن الذين يكونون وفدا إلى الجنان ويجتنبون أن يكونوا من الذين يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله، والله تعالى أعلم.

ما صحة هذا الحديث «لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره» وحديث «أبردوا الطعام فإن الطعام الحار غير ذي بركة» هل يشمل الأكل والشراب كالشاي؟ وما حكم النفخ في الأكل والشراب لتبريده؟

هنا جملة مسائل، المسألة الأولى ما يتعلق بهذه المرويات والصحيح أنها لا تخلو من مقال، بل إنها ليست مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأثر الأول مروي عن السيدة أسماء رضوان الله تعالى عليها، والأثر الثاني مروي عن أبي هريرة وقيل عن أبي ذر، ولكنهما لا يثبتان على الصحيح ولا يخلوان من مقال، ونص على هذا طائفة من المحدثين مع أن من يكتب في فضائل الأعمال يستشهد بهما، فقد أورده الإمام الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين» وإن كان الحافظ العراقي تعقبه في الرواية الثانية وبين أن الرواية ضعيفة.

لكن حكم الإبراد بالطعام الساخن ثابت، فهنالك جملة من الأدلة المقبولة، منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن يحتج به يدل على النهي عن تناول الطعام وهو ساخن، وأنه ينبغي أن ينتظر به حتى يبرد وهذا النهي حمله الأكثر على الكراهة، والحكم الشرعي الذي تدل عليه الروايات المتقدمة حكم صحيح لكنه ثابت من غير تلك الروايتين، فهو ثابت من أدلة أخرى واردة في الصحاح والسنن والمسانيد في أبواب كثيرة، حتى أن عددا من المصنفين يعنونون لهذه الروايات بباب استحباب الإبراد بالطعام الساخن، وكما قلت يستندون في ذلك إلى أحاديث مرفوعة صحيحة أو حسنة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمسألة الثالثة في ما يتعلق بالنفخ في الطعام، فقد ثبت النهي عنه، وحمل جمهور أهل العلم النهي عن النفخ في الطعام والشراب على الكراهة، وإنما اختلفوا هل هذا النهي له علة مفهومة، فمنهم من قال إن هذا النهي إنما يتجه إلى ما يمكن أن يعلق بالطعام أوالشراب من البصاق أو من النفس الكريه فإذا دفعه إلى غيره فإن ذلك يستقذر، ومنهم من قال إن العلة في ذلك أي إن كان ذلك لنفسه فلا حرج عليه، ولكن النهي عن النفخ في الطعام والشراب ورد عاما، وهو ثابت عنه عليه الصلاة والسلام ويحمل على الكراهة.

لكن هذا لا ينصرف إلى ما يشرب ساخنا أو يؤكل ساخنا بالقدر الذي يحتمله البدن، وإنما النهي يتجه إلى النهي عن النفخ، لكن أن يتناول ساخنا فلا حرج في ذلك كالقهوة والشاي فلا حرج في ذلك بالقدر الذي يطيقه الإنسان لكنه ينهى عن النفخ فيه، فهذا من حسن الخلق ومن الكمالات التي أرشد إليها هذا الدين، وفيه من الحكم والأسباب ما لا يخفى فينبغي أن يجتنب، والله تعالى أعلم.

ما حكم السيجارة الإلكترونية، هل تأخذ الحكم نفسه في السيجارة التقليدية؟

بل هي أشد حرمة لأنها أعظم ضررا، وأشد فتكا بصحة هذا الإنسان، وهي أخفى من الدخان العادي، إن كان بعض الناس يمكن أن يتورع عن شرب الدخان أمام الناس أو في ملأ منهم أو في بعض الأماكن التي يمنع منها التدخين فإن هذه السجائر الإلكترونية خفية، فالكثير منها لا تصدر روائح ولا يظهر لها دخان، وهي من حيث الأثر كما تقدم أعظم ضررا على هذا الإنسان من الدخان العادي فلذلك هي أشد غلظة في الحكم الشرعي في حرمتها، وهي من الخبائث التي ينهى عنها هذا الدين، وضررها كما تقدم ضرر عظيم ويجب على المسلم أن يجتنبها، وعلى أولياء الأمور أن ينتبهوا لأولادهم ذكورا وإناثا إذ إنهم قد يقلدون غيرهم، ونظرا لما تقدمت الإشارة إليه كونها لا تترك آثارا كالدخان العادي فإن ذلك قد يسهل على بعض ذوي النفوس الضعيفة أن يعمد إليها فإن هذا يحتم على الأولياء أن يكونوا أكثر حرصا على حسن تأديب أولادهم وتجنيبهم لما يضرهم وعلى تبيين الحكم الشرعي لهم في ما يتعلق بالدخان عموما وبهذه السجائر الإلكترونية خصوصا، والله تعالى أعلم.

أنا طالب عماني مبتعث لدولة بريطانيا، وغالبا ما أجد في الأطعمة مادة تسمى «سبيريت فينيجر» وحينما بحثت عنها في محرك البحث اتضح بأنها خل كحولي، فما حكم أكل الأطعمة التي تحتوي على هذه المادة مثل الخبز والدونات والكاتشب والمايونيز وغيرها؟

تقدم جواب فيما يتعلق بهذه الكلمة «الكحول» بأنها لا علاقة لها بالحكم الشرعي، الحكم الشرعي يتجه إلى الخمر لعلة الإسكار فكل ما كان مسكرا فهو حرام قليله وكثيره، «ما أسكر كثيره فقليله حرام» أما الخل فالأصل فيه الحل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير إدامكم الخل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بالخل ويقول «نعم الإدام هو»، والخل يعمد فيه إلى التخمير لكنه لا يورث إسكارا، قد يشتد ثم يبرد في طريقة تصنيعه فيما ينبذ فيه، وفي المدة ، وفيما يضاف إليه، لكنه ينتج خلا غير مسكر، إذن مدار الحكم حول الإسكار، فإن كان خلا فهذا يعني أنه غير مسكر وهو بناء على هذا حلال، هذا النوع من الخل وهو ما ورد في السؤال «سبيريت فينجر» ويترجم بأنه «الخل الروحي» وكثر الحديث حوله، ولا يخرج في حقيقة حكمه الشرعي عن القاعدة المتقدمة «إن كان يورث إسكارا فهو ممنوع» لإنه خرج عن كونه خلا إلى أن صار مسكرا والمسكر حرام قليله وكثيره، لكن إن كان لا يورث إسكارا فهو خل حلال، هناك خلاف في طريقة التصنيع.

وهذه مسألة قديمة، فما يتحدث عنه الفقهاء من الخل على نوعين، نوع يتخلل بطبيعته، أي بمراحل تصنيعه التي أشرت إلى بعضها فيما ينبذ فيه، وفي الوعاء الذي يترك فيه، وفيما يضاف إليه، وما يحيط به من شمس أو ظل، وما يغطى به وهل يغطى أو لا، الحاصل هي مراحل لصناعة الخل بطريقة طبيعية، هناك نوع آخر وهو تحويل الخمر إلى خمر، وهي محل خلاف، فجمهور الشافعية والحنابلة وقول عند المالكية يمنعون تخليل الخمر، أي ما كان أصله خمرا لكنه يمكن أن يحول إلى خل بصناعة كأن تضاف إليه بعض المحاليل أو يترك مدة، وأن تذهب عنه شدته فيصبح خلا. لكن الأحناف وقول عند المالكية وأكثر ما عليه الإباضية هو أنه يجوز تخليل الخمر أي تحويلها إلى خل، فهذا لا يخلو من أن يكون بإحدى هاتين الطريقتين.

وكنت فيما مضى قد اطلعت على بعض الأبحاث التي تتحدث عن هذا النوع من الخل « سبيريت فينيجر» بأنه يضاف فيه الخمر فتبقى فيه، فكان الجواب إن كانت الخمر تضاف إليه ويبقى فيه فيأخذ حكم المسكر فيجتنب، لكن الأبحاث الأخيرة التي اطلعت عليها تقول إن ذلك يتطاير، بل هو من أنواع الخل العادية التي تستعمل في التنظيف وفي غيره من استعمالات الأكل والشرب لأنه أخف من غيره، واطلعت على بحوث لمسلمين يؤكدون هذه الحقائق. وإن أمكن اجتنابه فذلك أولى، وإن لم يمكن فيصعب أن يقال بحرمته بناء على هذه الأبحاث الأخيرة وأن نسبة التركيز فيه لا تختلف، فهم يقولون أن نسبة تركيز الخل فيه من 5 إلى 20 في المائة، وحتى في 20 في المائة يقولون لا يورث إسكارا وهذا البحث أكده بعض المتخصصين المسلمين، فكيف إذا كانت هذه الكميات تدخل في صناعة غيره من المأكولات، ولا يصل الأمر إلى حد التحريم، وبالمناسبة فإن عددا من العلماء المعاصرين حتى ممن ينتسبون إلى المذاهب التي كانت ترى أن تحويل الخمر إلى خل لا يحولها إلى خل مباح فإنهم اليوم يفتون بطهارة الأصل وبحِل هذا الفعل، فيرون بجواز هذا الفعل.