No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

09 فبراير 2023
09 فبراير 2023

ما المقصود في الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ»؟

فإن المقصود بهذه الآية الكريمة هو حث المخاطبين الذين هم أهل الإيمان أن يلزموا تقوى الله تبارك وتعالى بما هو له أهل من التقوى وهذا معنى قوله جل وعلا: «حق تقاته» فإن طائفة من أهل التفسير يرون أن المقصود ما هو حق واجب لله تبارك وتعالى، وأن قوله جل وعلا: «فاتقوا الله ما استطعتم» يبين الواجب على المكلف، فهذه الآية الكريمة تبين حق الله على العباد، ولذلك قال ربنا «حق تقاته» والتقوى معلومة يدور معناها حول اجتناب سخط الله تبارك وتعالى، وهذا يكون بأداء ما أمر والكف عما عنه زجر، باختصار شديد، ومن أهل العلم من قال: إن المقصود بحق التقاة وهي اسم مصدر وهي في معنى التقوى، بأن المقصود في حق التقوى هو ما يتعلق بالمعنويات وأفعال القلب، من التوحيد الخالص لله تبارك وتعالى والإخلاص له جل وعلا في العبادة، ونفي الشرك عنه، واجتناب كل ما كان فيه رياء أو نفاق، فما كان متعلقا بالمعنويات أي بأفعال الباطن فإن المطلوب فيه هو حق التقوى، وما كان متعلقا بالجوارح، فإن المأمور به هو ما كان في استطاعة المكلفين، ومن أهل العلم من لخص ذلك بقوله: إن المقصود في الآيتين واحد، فإن قوله تبارك وتعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» إنما هو لبيان معنى حق التقوى، أي غاية استطاعتكم، كما في قوله تعالى: « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» أي غاية ما تستطيعونه، وذلك لا يكون إلا ببذل غاية الوسع في تقوى الله تبارك وتعالى، وهذا يكون بأن تطيعوه ولا تعصوه، وأن تشكروه ولا تكفروه، وأن تذكروه ولا تنسوه، وذكر هذا عن طائفة من مفكري السلف رضوان الله تعالى عليهم، ثم قال: «وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» والمقصود هو مداومة حال الاستمساك بما أمركم الله تبارك وتعالى به من أمر الدين الذي هو الإسلام اعتقادا وعملا واستقامة، أي الزموا حالة استسلامكم لله تبارك وتعالى، ودخولكم في الإيمان به وباليوم الآخر وإتيان ما أمر به والكف عما نهى عنه إلى أن تحين ساعة الوفاة، واستظهر بعض المفسرين أن المداومة على حال الاستقامة والصلاح والإذعان لله تبار وتعالى تؤذن بأن تكون الخاتمة مناسبة للحال التي يداوم عليها المكلف، والله تعالى أعلم.

كيف نوفق بين التالي في قضية الملبس، قول الرسول صلى الله عليه وسلـم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»، «وإن الله جميل يحب الجمال» وقوله صلى الله عليه وسلـم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم»؟

لا تعارض بين هذه الأدلة، لأن المقصود أن يكون العبد شاكرا لله تبارك وتعالى، ومقتضى هذا الشكر أن يظهر أثر نعمة الله عز وجل عليه، بعيدا عن الكبر والخيلاء وبعيدا عن الإسراف والتبذير، فإن اجتنب خصال السوء هذه وقصد بما يتحلى به مما يشكر به ربه تبارك وتعالى، فهذا من الشكر المحمود، وديننا قائم على ابتغاء المعالي من الأمور ظاهرا وباطنا، فإن من يظن أن المقصود هو صلاح الباطن دون إصلاح الظاهر هو بعيد عن حقيقة الإسلام وجوهره، فإن هذا الدين هو دين طهارة ونظافة وجمال، ولهذا حينما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلـم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» تبادر إلى أذهان أصحابه رضوان الله عليهم معنى قد يلتبس عند بعض الناس فسألوا عنه، فقالوا رضوان الله تعالى عليهم: إن الرجل فينا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، فقال عليه الصلاة والسلام: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» مما يؤخذ إليه أن ما أشاروا إليه من معنى أن يتحرى المسلم أن يكون ثوبه ونعله حسنا ليس من الكبر طالما أنه بعيد عن الإسراف والتبذير، وأنه لا يريد بذلك المخيلة، وأن يتكبر على عباد الله عز وجل، فإن هذا مما لا حرج فيه على المكلف، وهذا يتناسب مع باقي الأدلة التي ذكرها السائل، إذن المحظور أن يقع المكلف في الإسراف والتبذير، أو المخيلة والتي يقصد بها أن يستكبر على عباد الله عز وجل وأن يتعالى عليهم، وأن يمشي في الأرض بخيلاء، فهذه خصال مذمومة ذمها الشارع، وعلى المسلم أن يكون بعيدا عنها، مع شكره لنعم الله تبارك وتعالى عليه وتعففه وتحليه بجميل ستر الله تبارك وتعالى عليه، والتزامه بالطهارة ظاهرا وباطنا والله تعالى أعلم.

ما قولكم فيمن يدخل محلا تجاريا يبيع الحلوى أو المكسرات أو الفواكه، فيتذوق من البضاعة المعروضة، فهل يصح ذلك أو لا يصح؟

يصح بشروط، يجوز لمريد الشراء، كما يقول الشيخ الثميني بإذن البائع، فإن كان يريد أن يشتري وعلم أن البائع يأذن بذلك وفي حدود ما يأذن به البائع، فهذا يجوز له أن يتذوق.

فيخرج من هذا من كان يريد أن يطعم وأن يتغذى أي لا يقصد الشراء، أو من علم أن البائع لا يسمح بذلك، أو من علم أنه يجاوز الحدود التي يأذن بها البائع، فهؤلاء لا يصح لهم أن يتذوقوا، أما في الحدود المسموح بها ويأذن بها البائع والمتذوق يقصد الشراء، ويشمل ذلك محلات العطارة ومن يبيعون العطور، فتسري عليهم هذه الأحكام، والله تعالى أعلم.

السائل يقول إن لديه مبلغا من المال بلغ النصاب وحال عليه الحول، لكنه معوق محتاج إلى هذا المال لمستلزماته الخاصة، وهو وفر هذا المال ليس للاكتناز والادخار وإنما لحاجاته الفعلية التي تطرأ بين الحين والآخر، فهل عليه في هذا المال زكاة؟

نعم عليه زكاة طالما أن ذمته لم تشغل بدين، أو مغرم عليه فإن هذا المال في حقيقته تتحقق فيه شروط وجوب الزكاة، فهو مالك له ملكا تاما يتصرف فيه كيفما شاء، وظاهر من السؤال أنه بالغ النصاب وحال عليه الحول، بسبب ذلك يجب عليه أن يزكي هذا المال بأن يخرج منه ربع العشر من هذا المال، أما إن كانت قد تعلقت بذمته ديون عليه أن يؤديها، ومغارم يعلم أنه سيؤديها قبيل موعد حوله، فهذه يخرجها على أن لا يقصد بذلك أن يتخلص من أمر الزكاة، وإنما يفي بهذه الحقوق، أما أن يحطاط بما في يده لما يحتاج إليه لكن لم تقم هذه الحاجة بعد، ولم يدفع لها، ولم يدخل فيما يوجب عليه أن يؤدي حقا لصاحب حق، فهذا المال ملكه له ملك خالص تام تجب فيه الزكاة والله تعالى أعلم.