No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

15 ديسمبر 2022
15 ديسمبر 2022

شخص عليه ديون كثيرة وليس لديه القدرة على سداد هذه الديون مع نيته الصادقة في السداد ولكن بسبب أوضاعه المادية المتعثرة لا قدرة له، لو توفي هذا الشخص هل يحاسبه الله تعالى على عدم سداد هذه الديون؟

هذه مسألة تحتاج إلى بسط، أولا ليس للإنسان أن يتوسع في الاستدانة من الآخرين وهو يعلم من حاله أنه لا قدرة له على الوفاء والسداد، عليه أن يقتصد في معيشته وأن يقتصر على ما يحتاج إليه وإن اضطر إلى الاستدانة من غيره فليحرص على أن يكون له عنده وفاء يؤدي به حقوق الناس، وذلك لحرمة أموال الناس وحرمة التعدي عليها، فرسول الله صلى الله عليه وسلـم يقول: «القليل من أموال الناس يورث النار» قالوا: ولو كان شيء يسيرا يا رسول الله، قال: «ولو كان قضيبا من أراك»، والله تبارك وتعالى قبل ذلك يقول: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ» ونجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- أيضا يبين أن من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله تعالى عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد منعها أو يريد ظلمهم إياها فإن مثل هذا داخل في وعيد شديد، فيجب على المسلم ألا يدخل نفسه في مثل هذا المأزق، ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- يستعيذ من غلبة الدين وقهر الرجال.

الأمر الثاني أنه من وقع في الدين، فإن عليه أن يبادر بالوفاء بما عليه، ولذلك شدد علماء وفقهاء المسلمين على الدائن في أن يتوسع في النفقة، بلغ بعضهم إلى أنه يقول إنه لا يتفكه ولا يأكل اللحم، ولا ينفق إلا بقدر ما يقيم أوده وأود عياله، فلا يتوسع، وهذا ليس مبنيا على نص توقيفي، وإنما هو مبني على مراعاة عظيم خطر الدين وتحمل أموال الناس، وأهمية أن يبادر المسلم إلى أداء ما عليه من حقوق للآخرين وأن يكون ذلك بالاقتصاد في النفقة، وألا ينفق فيما لا تشتد حاجته إليه، حتى لا يؤخذ هذا القول على ظاهره، والحاصل أن الكل متفق على أن الدائن عليه أن يسعى جاهدا إلى أداء ما عليه من ديون، ولو بالتضييق على نفسه دون إضرار بها وبعياله.

والأمر الثالث أن عليه أن يوثق هذه الديون، وأن يوصي بها عسى أن يظهر له شي من المال ما كان في حسبانه، أو أن يتحمل بعض ورثته عنه الأداء؛ لأن الأصل أن الديون تؤدي قبل قسمة التركة لقول الله تبارك وتعالى: «مِنْ بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أو دَيْنٍ» وأخر ذكر الدين لأن هناك من يطالب به، فعليه أن يوصي بما عليه، وإن كان عند الدائن ما يثبت حقه على المدين فإن على المدين الذي اقترض هذه الأموال أن يوصي بها عسى أن يهيئ الله تبارك وتعالى بها ما يؤدي بها دينه.

وما ورد في السؤال عن مصيره ومحاسبة الله تبارك وتعالى له، إن كان ناويا للسداد والوفاء وقد وثق ما عليه من ديون وأوصى بالدين الذي عليه للغرماء والدائنين، فنقول أمره إلى الله تبارك وتعالى عسى أن يتنازل بعض الدائنين عن الحقوق التي لهم، أو أن يوجد له شيء من المال، أو أن يتبرع بعض الناس إليه، لكن ما الداعي إلى أن يضع المكلف نفسه في مثل هذا الموضع. ونقول إن الموضوع بالغ الخطورة، وعلى المسلم دائما أن يكون حذرا وأن يستصحب هذه المعاني القلبية بأن ينوي الوفاء والسداد والدينونة لله تبارك وتعالى بالتوبة، والخلاص من أموال الناس قدر استطاعته وأن يوصي بذلك.

وجدت رخصة من الجهات المعنية بقتل الكلاب الضالة على اعتبار أنها مضرة، لكن بعض الناس توسع فوجد نفسه أنه لا بد أن يشارك في عملية القتل، فشوهدت صور تمثيل بالحيوانات وتعذيب، ما حكم هذا التصرف؟

التخلص مما هو مؤذ من الحيوانات جائز شرعا، فإذا كانت الحيوانات مؤذية ضارة فينبغي دفع ضررها عن الناس، لاسيما إذا بلغ ضررها حد العدوان على الأطفال والأبرياء والضعفة، ففي هذه الحالة يجب أن تدفع هذه الحيوانات الضارة المؤذية، هذه قاعدة شرعية مأخوذة من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلـم- وإذا كان الحديث عن الكلاب فإن الكلب العقور هو من الحيوانات التي سماها رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- الفواسق في حديثه حينما قال: «خمس من الفواسق» وذكر منها الكلب العقور، وهو الكلب الذي يسمى الآن الكلب المسعور، الذي يمكن أن يعتدي على البشر والأنعام، ويكون ضرره بالغا، فهذا يتخلص منه، فهي تقتل في الحل والحرم، وينبغي ملاحظة أن هذا الحديث ذكر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- الكلب العقور، حتى الروايات التي ورد فيها ذكر الكلب دون هذا القيد، فإن المطلق يحمل على المقيد، فالتقييد معتبر، هذه قاعدة في بيان حكم قتل الحيوانات المؤذية الضارة، ينتقل بعد ذلك إلى بيان كيفية التخلص منها، إن كان يمكن الخلاص منها ودفعها دونما قتل فذلك أولى، وإن لم يمكن فلا مانع من قتلها، والأصل أن تتولى الجهات المعنية المدربة ذلك؛ لأن في تولي عموم الناس ما يمكن أن يؤدي إلى ضرر أكبر لاسيما اليوم مع تزاحم السكان وكثرة الطرق والسكك والأزقة، وانتشار الأولاد فيها يلعبون ويمرحون، والناس جيئة وذهابا في هذه الطرق والأحياء فقد تقع أخطاء من الناس وقد لا ينتبهون، وقد لا يصيبون، ويكون ضرر خطئهم كبيرا، فالأصل التعويل على الجهات المعنية لأنها مدربة، تعرف كيف تتعامل مع هذه الكلاب ومع الأسلحة التي يستعملونها.

ومع ذلك سواء دفع هذه الحيوانات الضارة أو قتلها من قبل من هو مدرب على ذلك أو من عموم الناس فيجب الالتزام بأحكام الشرع، فرسول الله صلى الله عليه وسلـم، يقول: «إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» إذن نحن مأمورون بإحسان القتل، حتى حينما نتخلص من هذه الحيوانات المؤذية الضارة التي تتفشى في المجتمع وينتج عنها ضرر كبير، فإننا مأمورون بمراعاة قواعد الرحمة والعدل والإحسان، فلا تصح المثلة، ولا يجوز التحريق بالنار، ولا يجوز العدوان عليها من باب الاستخفاف والاستهزاء واللعب والعبث؛ لأن المراد هو الخلاص منها لدفع ضررها إذ لا ضرر ولا ضرار، هذا ما يجب على الناس أن تراعية وأن تلتزم به، ونسأل الله تبارك أن يقي الناس جميعا السوء وأن يدفع عنهم الضر والضرر، والله تعالى أعلم.

ما صحة الحديث النبوي الشريف: «ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق، وإن المؤمن خلق مفتتنا توابا نسَّاء إذا ذكر ذكر»؟

الحديث فيه خلاف عند أهل الصنعة، فمنهم من حسنه ومنهم من صححه، ومنهم من ضعفه، وهذا القول الأخير أظهر، ومع ذلك فإن معناه عند من صححه، لا بد أن يحمل على معنى ما ورد في آخره من أن افتتان المسلم بهذا الذنب الذي يقارفه إنما هو على سبيل النسيان والسهو أو الغفلة، فليس المقصود أن قدر الله تبارك وتعالى في المكلفين من عباده أن يفتنوا باعتياد ذنب يقارفونه الفينة بعد الفينة، إلا على سبيل ما يقع من المكلفين سوى الأنبياء والمرسلين لأنهم معصومون عليهم الصلاة والسلام، على سبيل الخطأ أو السهو والنسيان والغفلة، وأنهم سرعان ما يعودون بالتوبة والإنابة إلى الله تبارك وتعالى هذه ما يؤكده آخر الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام نساء وفي بعض الروايات نسي تواب، إذا ذكر ذكر، وهذا القدر يتفق مع ما في كتاب الله عز وجل من قوله تبارك وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ» ومن قوله أيضا جل وعلا: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» وقلت بأن هذا التأويل هو الذي يصلح عند من يقول بقبول هذا الحديث، ولكن الأظهر أن هذه الرواية ضعيفة، وقد كتب بعض المعاصرين فيه رسالة خلص فيها إلى ضعف كل طرقه، والله تعالى أعلم.

يقول السائل نام أصحاب الكهف 309 سنوات، ونام عزير 100 عام، ولكن عندما قاموا من نومهم: «قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» فهل الذين يموتون حقيقة ويبعثون يوم القيامة لا يشعرون بشيء كهؤلاء؟

الذي أصاب أصحاب الكهف وأصاب عزيرا إنما هو من باب المعجزة، وهي خارقة للعادة، وهي على غير سنن الكون، وعلى غير نواميس هذه الحياة، وللمعاني والآيات التي أرادها الله تبارك وتعالى لهم حسب كل قصة، أما الذي يقبض الله تبارك وتعالى له روحه إماتة له وتوفية لأجله، فإنه ينتقل إلى عالم البرزخ، وعالم البرزخ على الصحيح فيه ثواب وعقاب، هذا الذي يشهد له كتاب الله عز وجل وتشهد به السنة المتواترة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- وما ذكره في سؤاله عما ورد مما يمكن أن يستشهد به على أن أهل البرزخ أيضا هم في رقدة وأنهم لا يشعرون بشيء هو على غير هذا الوجه، فقولهم من بعثنا من مرقدنا أنهم سوه مرقدا وقد تقدم الجواب عنه قديما أن المرقد هنا يصلح على الموضع الذي كانوا فيه بقطع النظر عما عاناه هذا الذي كان راقدا في ذلك المرقد، وقد يتحدث نائم بأنه اتخذ المكان الفلاني مرقدا لكنه عانى من الكوابيس والمزعج من الأحلام ما جعله يتأوه ويصرخ من الآلام لكن مع ذلك يقول مرقدي كان في الموضع الفلاني، وهنالك أيضا مما ذكره أهل التفسير أنه مرقد بالنظر إلى أهوال القيامة التي عاينوها حينما نشروا من قبورهم ورأوا أهوال القيامة، فإن الذي مر عليهم في البرزخ مقارنة بتلك الأهوال كان القبر بمثابة المرقد، وكلا المعنيين صحيح، والمسألة لا يمكن إنكار عند عدد من علماء الإسلام عدت عندهم من فروع العقيدة، لأنهم لم يثبت عندهم تواتر أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- في هذا الخصوص فكانت قابلة للرأي، لكن القول الراجح الصحيح هو الذي تقدم وهو ثبوت عذاب القبر لما يحتمه من معاني كما قال الشيخ نور الدين السالمي رحمه الله تعالى:

ثم عذاب القبر مما جاء به

تواتر الأخبار معنى فانتبه

واعتقدن صدقه ولا تُحـل

حدوثه لمعاني تحتمل

ومن يحتج على أن ليس كل الناس يقبرون، فهناك من تنهشه السباع وهناك من تأكله جوارح الطير وهناك من يحرق، والحاصل هو ثبوت وقوعه فأما كيفيته فهذا أمر من عالم الغيب والله تعالى أعلم.