No Image
إشراقات

فتاوى

29 يونيو 2023
29 يونيو 2023

ـ ما سبب نهي الله تعالى لوط عليه السلام ومن تبعه بعدم الالتفات في الآية الكريمة: " قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ "؟ إن نهي الله تبارك وتعالى للوط عليه السلام ومن معه من المؤمنين ومن أهل بيته إلا امرأته عن الالتفات إلى القوم وما أصابهم اختلف فيه المفسرون، وأحسن ما قيل فيه هو ما نقله العلامة ابن عاشور من أن المقصود هو تمحيص التأكيد والتنصيص على تأكيد المتاركة، وأنه خرج غضبًا لله تبارك وتعالى وإنكارا على قومه، وأنه قد أدى الذي عليه من عند ربه تبارك وتعالى وأدى كل ما أمره به ربه جل وعلا لقومه، فآن الأوان لنزول ما استعجلوا نزوله من العذاب بهم فكان ذلك أدعى في أن يُؤمر بإظهار غاية ما يدل على هجرانه لهم وتركه لقومه لهؤلاء ترك إنكار وغضب وأنه ليس في نفسه ما يمكن أن يتعلق به ولو بأدنى سبب لقومه وموطنهم.

وذكر بعض المفسرين أن في ذلك إشارة إلى بلوغ العذاب الذي يصيب قوم لوط، الغاية التي يمكن أن يصعق كل من يراها معها، ولذلك ففي نهي الله تبارك وتعالى للوط عليه السلام ومن معه من المؤمنين عن الالتفات رحمة وتلطف بهم من هول العذاب الذي سيصيب قوم لوط مما يمكن أن يصيبهم كما يعبر الفقهاء بقولهم بأنهم كان يمكن أن يصعقوا بمجرد رؤيتهم لما يحصل لقومهم، فكان من الرحمة بهم واللطف أن لا يلتفتوا، ولا مانع من اجتماع المعنيَين ومعنى التنصيص على تأكيد المتاركة والإنكار والغضب واستفراغ الوسع وإقامة الحجة ونهاية البلاغ مع أن لا يصيبهم شيء يمكن أن يؤثر فيهم من هول ما يمكن أن يروه من العذاب الذي يصيب قومهم.

وحول زوجته يوجد قولان، قيل بأن امرأته استثنيت من السري أصلا، وقيل بأن الاستثناء هو من الالتفات. والآيات القرآنية تحتمل المعنيين والمؤدى واحد، أنها كانت والعياذ بالله من الهلكى، وكان ما أصابها هو الذي أصاب قومها لكفرها وعدم اتباعها للوط عليه السلام ولرضاها بما كان عليه قوم لوط. والله تعالى أعلم.

ـ في قوله تعالى: "وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ" ما هي المدينة التي كان فيها لوط عليه السلام وقومه؟ هي لم تسمى في القرآن الكريم لكن وردت إشارات إلى أنها كانت معلومة عند المخاطبين في في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" ففي طريق أهل مكة وأهل الحجاز إلى الشام كانوا يمرون بديار قوم لوط وآثارهم إن كان بقي منها شي، ولم يرد لها تحديد بالاسم في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعض المفسرين أيضا حمل قوله تبارك وتعالى في سورة العنكبوت: " وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ ءَايَةًۢ بَيِّنَةً لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ" أن المقصود بالآية، هو الأثر الباقي، لأن طائفة من المفسرين في هذه الآية الكريمة حملوها على معنى العضة والاعتبار وأنهم اختفى رسم آثارهم وترك ذلك عضة وعبرة للمؤمنين، ولكن كما ذكرنا سابقا أن المكان كان معلوما عند أهل مكة، وإن كان المفسرون قد عمدوا إلى ما في كتب أهل الكتاب، وسموا هذا المكان بقرى سدوم أو عمور، وتوالت بعض البحوث والدراسات حتى أنه في السنوات الأخيرة كانت هناك بعثة استكشافية اركلوجية وأصدر الباحث ستيفن كولينز كتابا باللغة الإنجليزية، يقول بأنهم اكتشفوا طرفا في الأردن من قرى سدوم وبعض الباحثين المسلمين يقولون بأن هذه الأوصاف تصدق على العذاب الذي ورد ذكره في القرآن الكريم لا في كتب أهل الكتاب، لأن في كتب أهل الكتاب أنه أصابهم بالنار والكبريت، ويؤكد ستيفن كولينز أن المنطقة اسمها تل حمام، وبقي جزء من هذه القرية أو من هذه المدينة، ولكن الحياة انقطعت فيها فجأة، وتُنسب إلى العصر البرونزي، وهذا محل بحث لا يمكن أن يؤخذ بإطلاقه دون تمحيص، ولأن هذا الاكتشاف ليس ببعيد، هذا يعني أن المزيد من أبحاث علماء الآثار سيقومون بدراساتهم، لكن تسمية القرية بأنها سدوم، وهي في منطقة البحر الميت بين الحجاز والشام هذا مما ورد كثيرا في كتب التفسير.

وممن فسر كلامهم من العلماء المسلمين فسروا قول الله تبارك وتعالى في العنكبوت: " تَّرَكْنَا مِنْهَآ ءَايَةًۢ بَيِّنَةً" الأصل أن الذي كان فيه أهل المدينة وقوم لوط والعذاب الذي أصابهم كما قال ربنا تبارك وتعالى: " فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ" والذين يفسرون كلام هذه البعثة الاستكشافية يقولون بأن جزء من هذه القرية لم يتعرض لذات العذاب، وإن كانوا يقولون بأن فيه حجارة بركانية وغير ذلك في هذا الجزء الباقي، والحاصل هو مثير للاهتمام لكن لا ينبغي التعجل وحمل آيات الكتاب العزيز عليها، والله تعالى أعلم.

ـ هل يشترط استقبال القبلة عند قراءة القرآن الكريم؟ هذا من الآداب التي يستحب أن تراعى لكنه ليس شرطا، والله تعالى يقول: " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن حتى حينما يستيقظ من نومه كما ورد في الآيات السابقة، وأينما اتجهت به راحلته، لكن من آداب قراءة القرآن استقبال القبلة.

ـ ما صحة حديث: "ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة" ولماذا المرأة لا يجوز أن تكون قاضية أو حاكمة؟ أولا/ الحديث صحيح ورد عند الإمام مسلم وعند غيره من طريق أبي بكرة، وجاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن فارس ملّكوا ابنة كسرى، فقال عليه الصلاة والسلام: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وعلى هذا أجمعت كلمة علماء المسلمين أن المرأة لا تصلح للولاية العامة أي للخلافة ولا للقضاء إلا قولا عند أبي حنيفة في غير قضايا الحدود والعقوبات، نعم هنالك من أصحابه من أطلق القول لكن الواضح من قوله أنه لم يكن قوله على الإطلاق، لكن قول جمهور العلماء فيما يتعلق بالوظائف القضائية أن المرأة لا تصلح للقضاء، فحينما نجد ما يذكره أهل العلم فيما لا تصلح له المرأة استنادا إلى هذا الحديث وإلى قول الله تبارك وتعالى: "الرجال قوامون على النساء"، وإلى أدلة شرعية أخرى، فإنما يتحدثون عن الولاية العامة أي الحكم وما أشبهها، وولاية القضاء، أولا هذا حكم شرعي والله تبارك وتعالى يقول: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" ويقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" ولا يعترض بأن هناك دولا حكمتها نساء، وهذه الدول كانت راقية مزدهرة، الفلاح بالمفهوم الشرعي الإسلامي لا بالمفهوم المادي الدنيوي الذي يمكن أن يوجد عند غيرنا، فهو فلاح دنيوي أخروي أساسه مرضاة ربنا تبارك وتعالى والسعي إلى امتثال أمره وطاعته.

والأحكام الشرعية في كثير منها تُبنى على العام الأغلب، ومع ذلك فأحوال هذه الدول لم تمحص تمحيصا جيدا، فكثيرا من أهلها يشتكون أنها كانت تجد من يمدح، وهناك من يقول أن أسوء الفترات هي التي حكمتها النساء اللاتي يقال أنهن بارزات في الحكم.

سواء نظرنا إلى واقعنا المعاصر اليوم أو عبر التاريخ فالغالب من أحوال الأمم أن يحكمها الرجال، وهذا ليس صدفة، ولننظر نحن في أحكامنا الشرعية، فالمرأة لا تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم، كيف تكون هي الحاكمة أو تتولى الولاية العامة وهي حتى في سفرها تحتاج إلى محرم أو زوج، وإذا أرادت الزواج يشترط رضى وليها، أن يوافق على زواجها، وشهادتها في الحدود لا تقبل، وشهادتها في المعاملات المالية على النصف من شهادة الرجل، وهي لا تؤمر أصلا بالخروج للجهاد حتى في حالة النفير، أما ولي أمر المسلمين فهو الذي يقود الجيوش وهو الذي يسلم الرايات، وهو الذي يقسم السرايا ويبعث البعوث، بينما هي لا تؤمر بهذا إلا لمداواة الجرحى أو لأعمال من هذا النوع، وهي التي صلاتها في بيتها أفضل، بينما ولي الأمر أو القاضي هو الذي يؤم المصلين، ولا تؤمر بالأذان، كل هذه الأحكام الشرعية ألا يفهم منها أن هذا الدين هو دين كامل أحكامه مترابطة متكاملة لا يمكن الاقتطاع منها دون النظر في بقية الأحكام الشرعية، والحقيقة أنه لو لم يرد هذا الحديث لكان مؤدى هذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء المسلمات بأنها لا تصلح لهذه المهمة، ثم إن مهمتها الأصلية الأمومة والقيام بالتربية لمن تترك إذن، ولماذا يُحقر من شأن الأمومة والتربية وصناعة الأجيال، ولماذا يُحقر من أدوارها التي ناطتها بها الشريعة في هذه الحياة ولا يلتفت إلا لهذه الولايات التي في حقيقتها تكليف تحتاج إلى مؤهلات وطبيعة معينة وقدرات خاصة كما هو الشأن في مختلف وجوه هذه الحياة ومع اختلاف وتنوع ما ناطه الله تبارك وتعالى بالجنسين الذكور والإناث من أمانات ومسؤوليات في هذه الحياة والله تعالى أعلم.