إشراقات

عبدالعزيز المسروري: خطتي كانت حفظ صفحة واحدة يوميا دون تخصيص وقت ثابت

06 يوليو 2023
الحاصل على المركز الثالث بجائزة ليبيا الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده
06 يوليو 2023

لم يكن حلم ختم القرآن الكريم وإجادة حفظه وإتقان تلاوته حلما بعيد المنال لعبد العزيز المسروري الشاب العُماني صاحب الهمّة العالية والطموح الوقاد، فقد حقق ذلك الحلم بتفوق وتميز فريد أكد على ذلك بمشاركاته المتميزة في المسابقات القرآنية المحلية والتي لم يقف عندها فحسب، بل حقق ذلك أيضًا بمشاركاته الدولية التي أحرز فيها المراكز والجوائز العُليا ممثلا وطنه في المحافل الدولية، من خلال حوار أجريته مع الحافظ عبد العزيز بن منير المسروري والذي يعرض من خلاله تجربته وقصته مع حفظ القرآن الكريم.

البداية ودوافع الاستمرار

البداية كانت بسيطة جدا.. لما كنت طفلا في الصف الثاني الابتدائي، بدأت بحفظ جزء عم بمتابعة أسرتي في البيت؛ ومن باب التشجيع كانت لدينا الألعاب الإلكترونية، وكان عندنا نظام وهو أن اللعب ممنوع حتى نحفظ سورة من جزء عم ونسمّعها ثم بعد ذلك نستطيع اللعب، فكنت أحفظ يوميا سورة واحدة واستمررت على هذا النحو حتى أتممت حفظ جزء عم.

وبعد ثلاث سنوات التحقت بمركز صيفي في المسجد الكائن في حارتنا وكنت حينها بالصف الخامس الابتدائي؛ وتعلمت في المركز بعض أحكام التجويد، وفي ختام المركز يتم تكريم أوائل الطلبة الأكثر حفظا للقرآن، وهذا الأمر شجعني على الحفظ، وأتممت حفظ جزء تبارك، فكان لي النصيب في ذلك التكريم.

بعد ذلك بدأتُ المشاركة في مسابقات حفظ القرآن ومن أبرزها مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم، وأول مشاركة لي كانت في مستوى حفظ 6 أجزاء، فحفظت 6 أجزاء ودخلت في المنافسة وتأهلت للتصفيات النهائية لكن لم أحصل على مركز متقدم؛ بعدها انقطعت فترة طويلة عن الحفظ وكأنني اكتفيت بحفظ 6 أجزاء وكنت أظن حينها أن حفظ القرآن كاملا أمر صعب وأنا لا أقدر عليه.

وفي المرحلة الثانوية درست في معهد العلوم الإسلامية بمسقط، وهناك تفاجأت عندما رأيت كثيرا من زملائي الطلبة يحفظون القرآن كاملا وهم كذلك متفوقون في الدراسة! حينها أدركت أن حفظ القرآن ميسّر للجميع وهذا الأمر أشعل الهمة في نفسي، ومن تلك اللحظة قررت أن أحفظ القرآن الكريم كاملا، واستغرق مني الحفظ سنة ونصف تقريبا.

الحفظ ومشاغل الحياة

خطتي كانت حفظ صفحة واحدة يوميا، ولكيلا يؤثر الحفظ على الالتزامات الأخرى، لم أخصص وقتا ثابتا للحفظ، لأن الإنسان قد تلحقه مشاغل طارئة وظروف تمنعه من الحفظ في ذلك الوقت؛ لذلك اعتمدت المرونة في خطتي، فكنت أحفظ في أي وقت من يومي، فقد أحفظ بعد صلاة الفجر، أو بعد صلاة العصر أو قبل النوم وهكذا.

الصعوبات والتحديات

واجهت صعوبات أثناء الحفظ، منها أنني كنت لا أستطيع التوفيق بين الحفظ الجديد ومراجعة المحفوظ القديم، بمعنى إذا كنت مثلا أحفظ سورة الأنبياء التي طولها عشر صفحات، فأحفظها في عشرة أيام بمقدار صفحة واحدة يوميا، وبعد حفظها أراجع كل صفحاتها وأسرد السورة كاملةً عن ظهر قلب، وعندما أنتقل لحفظ سورة جديدة، أتوقف عن مراجعة سورة الأنبياء وأركز فقط على السورة الجديدة فأحفظها بنفس الطريقة ثم أمضي قدما من غير مراجعة السور القديمة وبعد مدة يسيرة يتفلت ذلك المحفوظ القديم وأشعر كأنني لم أحفظ تلك السور.

استراتيجيات الحفظ والمراجعة

سمعتُ عن هذه الاستراتيجيات إلا أنني لم أطّلع عليها بعمق، ولكن لا شك أنها مفيدة وتعين على الإتقان، ويمكن أيضا للإنسان أن يحفظ بطريقته الخاصة، فليست العبرة في الطريقة، وإنما في التوكل على الله مع الإرادة والإصرار والمثابرة.

تثبيت المحفوظ

الذين هم في طريق الحفظ ولم يحفظوا القرآن بعد أنصحهم بأن يتوقفوا قليلا عن الحفظ ويخصصوا وقتا كافيا لتثبيت المحفوظ القديم، ويُفضّل أن يكون التثبيت مع المشاركة في المسابقات القرآنية، وهنا أؤكد على أهمية مسابقات حفظ القرآن التي تعطي دافعا قويا للتثبيت والمراجعة وتساعد بشكل كبير على الإتقان.

أما الذي أتم حفظ القرآن الكريم فقد يصعب عليه التثبيت والمراجعة في بداية الأمر، فأنصحه بأن يواظب على التثبيت ولو بمقدار بسيط، بحيث يكون له ورد يومي لا يتركه أبدا، فقليل دائم خير من كثير منقطع، وسوف يشعر بنفسه بعد عدة ختمات أنه تطور في تذكر الآيات والسور، إذا أحس بذلك فليزد مقدار التثبيت اليومي، على سبيل المثال، إذا كان يقرأ في الختمة الأولى خمسة أوجه يوميا، فليقرأ في الختمة الثانية عشرة أوجه يوميا، وفي الختمة الثالثة ليقرأ 15 وجها وهكذا، وكلما بدأ التثبيت بمقدار أكبر، جاء الإتقان بشكل أسرع، والله ولي التوفيق.

حفظ القرآن الكريم وأثره على حياة الحافظ

أما في مرحلة الحفظ الأولى، كان الحفظ أولى الأولويات في حياتي اليومية، وعند ذهابي إلى المدرسة كنت أحمل معي المصحف، في حال وجود حصص الفراغ أستثمر وقتي بالحفظ أو المراجعة، ولم يؤثر ذلك سلبا على تحصيلي الدراسي، بل العكس، فقد تطورت مهارة الحفظ لدي بشكل ملحوظ، مما جعل مذاكرة الدروس أمرا يسيرا وكنت أستعد للاختبارات في وقت قصير وأحصل على درجات عالية.

بحمد الله وتوفيقه ختمت حفظ القرآن الكريم وأنا في الصف الحادي عشر، وبعد الختم مباشرة بدأت بالمراجعة وكان الورد اليومي عندي جزءا واحدا، ولم أترك المراجعة ليومنا هذا، وهذا الجزء لا يأخذ مني سوى نصف ساعة تقريبا، فالقرآن لا يزاحم ولا يعطل التزاماتي ومشاغلي الأخرى، بل القرآن الكريم مبارك ويضفي على حياة الإنسان البركة بشتى أنواعها، وهذا مصداق لقوله تعالى: (وَهَذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنْزلنَه).

الدافع للمشاركة في المسابقات المحلية والدولية

لا شك أن الجوائز القيّمة هي من أكبر الحوافز على المشاركة والتنافس في المسابقات المحلية والدولية، كما أن للمسابقات الدولية حوافز أخرى مثل السياحة في الدول المنظمة للمسابقات الدولية، حيث إن أغلب المسابقات الدولية تنظم رحلات ترفيهية للمتسابقين.

أما المسابقات المحلية فهي تكشف للحافظ مواطن ضعفه في الحفظ والأداء، وبذلك يتعلم من أخطائه ويتطور مستواه، كذلك تنمي شخصية المتسابق، وتُكسبه ثقةً بنفسه، وأما المسابقات الدولية، فقد وجدت فيها من المنافع الشيء الكثير، فهي محطات لتجديد الهمة والسعي إلى معالي الأمور، فيتعرف الإنسان على الحفظة المتقنين والمشايخ المقرئين من مختلف دول العالم، ويستفيد من علمهم وخبراتهم.

الاستعداد للمشاركة

أولا يجب على الحافظ أن يكون مستعدا قبل المسابقة الدولية بمدة تكفيه ليتقن حفظه؛ وثانيا على الحافظ أن يراجع يوميا ما لا يقل عن خمسة أجزاء، وإذا استطاع أن يزيد على ذلك فليفعل؛ وثالثا أن المسابقات الدولية الماضية مسجلة بالصوت والصورة وموجودة على اليوتيوب وغيره من برامج التواصل، وعلى الحافظ أن يتابع شيئا منها وخاصة المسابقة التي سيشارك فيها لكي يفهم آلية التقييم ويتعرف على ماهية الأسئلة التي تُوجه للمتسابق ويتدرب عليها جيدا.

الإجازات القرآنية

لدي إجازة واحدة فقط، وهي برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية، وقد أخذتها أثناء وجودي في مسابقة الكويت الدولية للقرآن الكريم، وكان على هامش المسابقة مشروع إقراء المتسابقين، وقرأت القرآن الكريم كاملا عن ظهر قلب على أحد المشايخ هناك وأجازني.

الطموحات المستقبلية

أطمح إلى نقل تجربتي لأكبر عدد من الناس لعلهم يستفيدون منها وأكون سببا في حفظهم للقرآن الكريم، كما أسعى إلى قراءة عدة كتب ومؤلفات تعتني ببلاغة القرآن وأسرار البيان في القرآن كي تعينني على تدبر القرآن الكريم وفهم آياته بعمق، فالتدبر من المقاصد الرئيسية من نزول القرآن العظيم لقوله عز وجل: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب)، فالهدف من أن أتعلم هذا المجال لأنتفع به ولأنفع به الناس بإذن الله.