إشراقات

سعيد الصوافي :استمداد الشخصية المسلمة لأخلاقها ومقوّمات سلوكها يجب أن يكون من الكتاب العزيز

14 ديسمبر 2023
تدبر القرآن الكريم وصناعة الشخصية المسلمة
14 ديسمبر 2023

في غزة رأينا تخريج جيل يضم 1471 حافظا وحافظة يسردون القرآن غيبًا في جلسة واحدة -

يراقب العالم أجمع الأحداث الدائرة لإخواننا المجاهدين في غزة، وما يسطرونه للعالم من نماذج مشرفة تقترب من الخيال في الصبر والتسليم لله تبارك وتعالى، والرضا بما قدره الله عليهم من المصائب والابتلاءات العظيمة، كما نجدهم غاية في الشجاعة والإقدام على مقارعة العدو الغاشم، ولذلك نجد غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون عن القرآن لمعرفة مصدر هذه القوة، في الشجاعة والصبر، فكيف ساهم حفظ القرآن الكريم وتدبره في صناعة شخصية المسلم، وما واجبنا تجاه الأجيال الناشئة في جعلها أجيالًا قرآنيةً، وأثر هذا التدبر في تقوية الصلة بالله تعالى والإيمان به، وفي السلوك والمراقبة الدائمة لله، وما علاقة هذا التدبر في الاستقلالية الشخصية، والاعتزاز بالمبادئ والقيم؟ كل هذه الأسئلة طرحناها في حوارنا مع الأستاذ الدكتور سعيد بن راشد بن سعيد الصوافي أستاذ علوم القرآن والتفسير، بجامعة السلطان قابوس.

ما الطرق والوسائل التي من خلالها نستطيع أن نصنع من الأجيال الناشئة أجيالا قرآنية؟

من الواجب على المسلمين تنشئة الأجيال الصاعدة على حب كتاب الله تعالى؛ لأنه هو دستور الحياة الذي يجب أن تهتم به الأجيال، وتسير على نهجه، وتستنير بضيائه، في زمن تلاطمت فيه مدلهمات الأمور، واختلطت فيه المعايير، وليس من مخرج لهذه الأمة إذا أرادت النجاة والفلاح، إلا أن تتمسك بكتاب الله، ولقد وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الكتاب بقوله: (وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) (الجن: 1،2) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم. ولقد أمرنا الله تبارك وتعالى بتلاوة القرآن الكريم، وتدبّر معانيه، وفهم مقاصده، والعمل بأحكامه، وبذلك كان القرآن الكريم أنفس ما توجّه إليه النظرات، وتنفق فيه الأوقات، وتُفنى فيه الأعمار، فالحياة في ظلال القرآن نعمة، لا يعرفها إلا من ذاق حلاوتها؛ ففيها بركة للعمر، وتزكية للنفس، ورفع للمنزلة.

إننا نعيش زمن التحديات التي أثرت على الأجيال كثيرا، ولا سبيل لمواجهة هذه التحديات، إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، ويتطلب منا جميعا تضافر الجهود في سبيل إيجاد طرق تعين على تنشئة الأجيال على التعلق بكتاب الله والاعتصام به. وهناك طرق كثيرة نستطيع من خلالها صناعة أجيال قرآنية ناشئة؛ من أهمها: ربط الأجيال الناشئة بكتاب الله عن طريق تنشئتهم على حب هذا الكتاب العزيز، والعيش في ظلاله؛ تلاوة، وحفظا، وتدبرا. حتى يخالط هذا القرآن الكريم شغاف قلوبهم، فيتخذوه منهجا وصراطا ودليلا. ويمكن ذلك بتوفير المؤسسات التي تُعنى بتعليم الناشئة القرآن الكريم، وقد بدأت تظهر على أيادي أهل الخير والفضل، المدارس الوقفية التي تضطلع بدور تعليم الناشئة القرآن الكريم، كذلك على الأسرة دور كبير في تشجيع الأبناء على تعلم القرآن والتخلق بأخلاقه.

بالنظر إلى الواقع المعاصر اليوم وما نشهده من الحرب الدائرة لأهلنا في فلسطين في مقاومة العدو الصهيوني، رأينا أن المقاومين يهتمون بحفظ القرآن الكريم، فما هو أثره في عقيدة المقاتل، وفي ثباته في المعركة؟

إنّ الواقع المعاصر يبرهن دون أدنى شك على أن الارتباط بحبل الله المتين وهو القرآن الكريم والاهتمام به واتخاذه منهجا في الحياة له الأثر الكبير في عقيدة المسلم وثباته في ساحة المعركة؛ فما هذا الانتصار الباهر والتفوق الميداني الذي نراه من إخوتنا في غزة العزة على أرض الواقع في جهادهم ضد الصهاينة المحتلين، إلا نتاج تشربهم بكتاب الله الذي أصبح جزءًا من حياتهم، وعته قلوبهم فسرى في شرايينهم، فقبل وقت قصير شاهدنا ذلك الاحتفال المهيب الذي يحتفي بأهل القرآن بمختلف شرائح المجتمع الغزاوي؛ كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم من حفظة كتاب الله، ضمن المشروع القرآني الأضخم في غزة؛ «صفوة الحفاظ»، تتويجًا لجهود مستمرة منذ سنوات عكفت عليها دار القرآن الكريم والسنة -الجهة المنظمة للمشروع- على تخريج جيل قرآني متمكن حفظًا وتلاوة وفهمًا، حيث شارك في هذا المشروع ما يقارب 1471 حافظا وحافظة لكتاب الله، يسردون القرآن غيبا على جلسة واحدة من بعد صلاة الفجر حتى صلاة العصر في مشهد قرآني مهيب. وهذا المشروع المبارك له أثر كبير في جعل المجتمع الغزاوي مجتمعا ثابتا راسخا مطمئنا بوعد الله ونصره، فللقرآن الكريم أثر على النفس البشرية؛ فهو يبعث الأمن والطمأنينة في النفس، ويبدد الخوف والقلق، فالإنسان المؤمن الذي يتدبر القرآن الكريم يسير في طريق الله آمنًا مطمئنًا؛ لأن كتاب الله يمده بالأمل والرجاء، في عون الله ورعايته وحمايته، فهو يشعر على الدوام بأن الله عز وجل معه في كل لحظة وحين، فعندما يتدبر قول الله تعالى (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216) يدرك أن الله سبحانه وتعالى يقدر له الخير، والإنسان بعلمه القاصر لا يدرك فوق طاقة العقل، أو ما غاب عنه، ولذا؛ فالرضا بما يحل بالإنسان؛ من خير أو شر يجعل الإنسان إيجابيا، متفائلا، فيغدو واثقا بالله، الذي خلقه، وقدّر له سبيله في هذه الحياة. وهذا الذي نلمسه من أهلنا وإخوتنا في غزة؛ فمع الحصار والقتل والتدمير، إلا أنهم راضون بقضاء الله وقدره، موقنون بنصره وتأييده؛ لأن تدبرهم للقرآن الكريم أعطاهم شحنات إيمانية، فقد وعد الله في كتابه العزيز عباده الصابرين المحتسبين المجاهدين بالنصر والتمكين والظهور على عدوهم (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور: 55) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7). نسأل الله لهم الثبات والنصر والتمكين.

ما أثر تدبر القرآن الكريم في تقوية الصلة بالله تعالى والإيمان به؟

الإنسان الذي يعيش مع القرآن الكريم، تلاوة وتدبرا؛ يكون وثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى، وليس أعظم من أن يكون الإنسان من أهل الله، بل من خاصته، الذين يشملهم بعنايته، ويكلأهم برعايته، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن لله أهلين من الناس قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته). فالذي يعيش مع القرآن الكريم؛ هو في الحقيقة يعيش في كنف الله سبحانه؛ وهو حري أن يمتلك قوة في الإيمان، فعن جندب بن عبدالله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا).

ولقد أثنى الله سبحانه على الذين يستمعون لآيات الله تتلى، ويتأثرون بها، وهذا في الحقيقة ناتج عن إنصاتٍ واعٍ، وحضور قلبٍ خاشعٍ، استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى في قوله (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 204)، وهذا الخشوع والإنصات والتدبر لا بد أن يكون له أثر بالغ في نفس المؤمن، فيزيد إيمانه، وتقوى أركانه، فيكل أمره إلى الله سبحانه، ويكفيه أن الله حسبه (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (الطلاق: 3) ويقول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال: 2) يقول السعدي: «وجعل الله مفتاح الإيمان واليقين؛ التفكر في آيات الله المتلوّة، وآياته المشهودة، والمقابلة بين الحق والباطل بحسن فهم وقوة بصيرة، شاهده قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29).

ويؤكد الله سبحانه وتعالى أن أصحاب الإيمان هم الذين يستفيدون من تدبر القرآن الكريم؛ وما ذلك إلا لأنهم متلهفون إلى ما يرفع درجاتهم في الدنيا والآخرة، ولذلك يسارعون إلى تلقي هذا القرآن الكريم فور نزوله، يقول الحق تبارك وتعالى (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة: 124).

هل تدبر القرآن الكريم يؤثر على السلوك والمراقبة الدائمة لله؟

لا شك أن تدبر القرآن الكريم له أثر بالغ في سلوك الشخصية المسلمة؛ إذ يجعلها دائمة المراقبة لله سبحانه وتعالى، والخشية من عقابه، مما ينعكس ذلك على سلوك الفرد في حركاته وسكناته، وكل تصرّفاته وتعاملاته مع ما يحيط به، يقول النووي: «ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتدبر، والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب.. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة، أو معظم ليلة، يتدبرها عند القراءة». وإذا كان الله سبحانه وتعالى أخبر في كتابه، أنه لو أنزل هذا القرآن الكريم على جماد لا يفقه شيئا؛ لخشع من خشية الله؛ فكيف بالإنسان الذي اختصه الله بالعقل، وكرّمه بالفهم والإدراك، وأمره بالتدبر والتفكّر، يقول الله تعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعا مُّتَصَدِّعا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون) ( الحشر: 21).

إن الذي يزن الأمور بميزان العقل، ويتدبر آيات الله المتلوّة والمنظورة؛ يستجيب لنداء الله سبحانه (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ( ق: 37). والذي يستجيب لنداء الله، وهو نداء الفطرة أيضا، هو المنتفع بآيات الله (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابا مُّتَشَابِها مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر: 23).

هكذا كان سلفنا الصالح كما وصفهم القائد أبو حمزة الشاري من على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدافع عن أصحابه، بكلمة خلدها التاريخ، يقول فيها: «لقد نظر الله إليهم في جوف الليل؛ منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، إذا مر بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه». وهكذا الذين مشوا على طريقتهم، وقد وصفهم الشاعر الكبير العلامة أبو مسلم الرواحي بقوله:

تراهم في ضمير الليل صيّرهم مثل الخيالات تسبيح وقرآن

وبقوله:

تراموا على القرآن شربا لمائه فأصدرهم والكل ريّان هائم

هل هنالك علاقة بين تدبر القرآن الكريم وبين الاستقلالية، والاعتزاز بالمبادئ والقيم؟

نعم هناك علاقة وطيدة بين تدبر القرآن الكريم واستقلالية الشخصية واعتدادها بالقيم والمبادئ، فإن استمداد الشخصية المسلمة لأخلاقها ومقوّمات سلوكها يجب أن تأخذها من هذا الكتاب العزيز، الذي جاء لهدايتها إلى أقوم السلوكيات، وأنبل الأخلاق، وجميل الصفات (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرا كَبِيرا) (الإسراء: 9)، سأل سعد بن هشام بن عامر السيدة عائشة أم المؤمنين ـرضي الله عنهاـ عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت له: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4).

والمتصفح لتاريخ السلف الصالح الذين تلقوا القرآن الكريم من منبعه الصافي، غضا طريا، وكان يشغل أوقاتهم آناء الليل وأطراف النهار، يجد أنه هو مصدر عزتهم وقوتهم، فقد استطاعوا به تحقيق الأماني الكبيرة، إنهم كانوا يدركون هذه الحقيقة؛ لذلك دأبوا عليه تلاوة وعملا ودراسة، مؤمنين به حق الإيمان، متفاعلين معه؛ في أمره ونهيه، ووعده ووعيده، ومواعظه وأمثاله، وانعكس ذلك على معاملاتهم، فكان كل واحد منهم صورة حية لهداية القرآن الكريم، قدوتهم في ذلك رسولهم الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وبهذا استطاع المسلمون سيادة العالم؛ ففتحوا الأمصار، ودانت لهم الأمم والشعوب، مما دعا أعداءهم إلى إكبارهم، يتناقلون صفاتهم بعبارات الثناء والمديح، فعندما هزموا جيوش الروم حين زحفوا على أرض الشام، اجتمع هرقل عظيم الروم بقيادة جيشه، لدراسة أسباب الهزيمة، فوجد القادة متأثرين تأثرا بليغا بما وجدوه في جنود المسلمين وقادتهم؛ من صفات الرجولة والشهامة والورع والتقوى، وتأثير القرآن عليهم، فيقول أحدهم في وصفهم: أما الليل فرهبان، وأما النهار ففرسان، يريشون النبل ويروونها، ويثقفون القنا، لو حدّثت جليسك حديثا ما فهمه عنك؛ لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر.

كيف نستطيع أن نتمثل ونعمل بما جاء به القرآن الكريم من تشريعات، وتطبيقها في الحياة؟

القرآن الكريم دستور حياة، ومنهج شامل كامل؛ فهو مصدر القيم والسلوكيات، والنظم والتشريعات، وأساس التعامل والمعاملات، أودع الله فيه كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، وبعد مماته، أنزله الله سبحانه ليهدي البشرية إلى سلوك طرائق الخير، واجتناب مسالك الشر والفساد، وأمرهم بالاهتمام به، وتعبّدهم بتلاوته، وتدبّر معانيه، وفهم مقاصده، وتطبيقها في واقع الحياة، ليسود الأمن والأمان على هذه الأرض، التي استخلف الله فيها الإنسان ليعمرها بالخير والصلاح، لذا حري بالإنسان المسلم أن يجعل نصيبا من حياته وعمره في تدبر القرآن الكريم وقراءته وفهمه وتطبيقه في واقع الحياة.