No Image
إشراقات

خالد المويتي: على المؤمن أن يكون من أهل الذكر والدعاء في الرخاء قبل وقوع الشدة

04 يناير 2024
البلاء ترقية لرتبة الإيمان والقرب من الله
04 يناير 2024

أهل غزة استعانوا في المحنة التي وقعت عليهم بالصبر -

لا تخلو حياة كل إنسان من ابتلاءات واختبارات في هذه الحياة الدنيا، سواء كانت هذه الابتلاءات بالخير أو الشر، فما هي فلسفة البلاء في الإسلام؟ وما الحكم الظاهرة والخفية من هذه الابتلاءات؟ وما أنواعها؟ وكيف يمكن للمسلم اجتيازها؟ وكيف يكون البلاء ترقية لرتبة الإيمان والقرب من الله، وبالنظر إلى واقعنا المعاصر، والأحداث الدائرة لإخواننا في فلسطين؟ وكيف أنهم ضربوا أروع الأمثلة في الصبر على البلاء حتى أنهم أصبحوا مصدر إلهام للبشرية في هذا الجانب؟ وكيف نغرس مفهوم الصبر على البلاء عند الناشئة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها من التأملات أجاب عنها الداعية خالد بن خميس المويتي في هذا الحوار..

ـ ما الحكمة من مشروعية الابتلاء في الإسلام؟

في البداية لا بد أن نسلم أن الدنيا ليست بدار استقرار فهي دار متقلبة الأحوال يصدق فيها قول الإمام علي كرم الله وجهه:

إذا ما عرى خطب من الدهر فاصطبر

فإن الليالي بالخطوب حوامل

وكل الذي يأتي به الدهر زائل

سريعا فلا تجزع لما هو زائل

وقول الشاعر أبي عبد الله الشران:

دوام حال من قضايا المحال

واللطف موجود على كل حال

وعادة الأيام معهودة

حرب وسلم والليالي سجال

هذا التقلب وذلك التغير تعتريه وتتناوشه مشيئة الله وتقديره فهو المتصرف في ملكه لا معقب لحكمه وهو العزيز الخبير، كل ذلك يجعل المسلم دائم التعلق بربه، كثير التفكير بآخرته التي هي دار الاستقرار والخلود الأبدي، وقد نبه المولى- جل جلاله- إلى ذلك في سورة آل عمران الآية ١٨٥ حين قال: ﴿وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾، وقد فسر «قطب الأئمَّة» الشيخ امحمَّد بن يوسف اطفيَّش في تيسير التفسير هذه الآية فقال: "﴿إلا متاع الغرور﴾ إلا شـيء حقير يتمتع به، أو إلا تمتع «الغرور» الخداع.. ووجه الخداع أنه يتوهم بقاؤه وهو فان وذاهب، وأنّه يتوهم حســنه وهو سيئ العاقبة دنيا وأخرى، أو في إحداهما، أو تمتع الباطل، أي: هو الباطل إذ یفنى، وذلك لمن لم يجعلهـا مطية لدينه وأخراه.. ظاهرها مظنة السرور، وباطنها مطية الشرور، وأما من جعلها لهما فنعمت المطية له، دنيا وأخرى أو في إحداهما، وهي بـلاغ له إلى ما هو خير منها".

كل ذلك يدفع المرء إلى أن يحسن اختياراته في هذه الحياة، ويصوب وجهته في عدم الركون إلى الدنيا والاستعداد للرحيل في أي لحظة، مع يقينه بوجود الابتلاءات التي هي في الأصل تمحيص للمؤمنين ووسيلة لتصفية نفوسهم، ومعرفة المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، يتبين ذلك في الشدة لا في الرخاء؛ ففي الرخاء الجميع سواء، لكن عند الشدائد لا ينجح إلا المؤمنون، قال تعالى: ﴿أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾، وقد يكون البلاء لتكفير السيئات، ورفع الدرجات وزيادة الحسنات، ولا يمكن للمرء أن يجزم أن البلاء الواقع عليه هو مكفر لخطاياه، أو لمحو ذنوبه وسيئاته، أم أنه ابتلاء تمحيص واختبار فذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وحده.

- ما هي صنوف الابتلاءات؟ وكيف يستطيع المسلم اجتيازها؟ وما هي ثمار الصابرين عليها؟

حسب تصوري أن الابتلاءات تنقسم إلى قسمين الأول ذاتي والثاني خارجي، والقصد أن الابتلاء قد يكون في ذات الإنسان كالصحة والمرض والموت والحياة والفقر والغنى، وقد يكون خارجا عن الإنسان كالأمن والخوف، وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى أن هذه الابتلاءات واقعة والمؤمن الصادق هو الذي يستطيع اجتيازها وليس له دون الصبر والصلاة علاج ناجع، وقد ذكر الله الصبر بعد آيات كثيرة ذكر فيها الابتلاء فقال سبحانه: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: ٢]، وقال جل شأنه: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥]، وقال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ [آل عمران: ١٨٦]، فسنة الابتلاء ماضية في الخلق للحكم التي تقدم ذكرها سابقا، ثم يعطي الله سبحانه وتعالى العلاج ألا وهو الصبر قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٥٥-١٥٦]، إن إقرارهم ﴿إِنَّا لِلَّهِ﴾ ليس قولا تردده أفواههم وحسب؛ وإنما هو اعتقاد جازم، ومبدأ راسخ يربطهم بموجدهم الذي هو الله المتصرف في ملكوته؛ تلك العقيدة تبعث في نفوسهم الأنس بالله فيؤكدون ارتباطاتهم بالخالق العظيم فيقولون: ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ ابتغاء وجه الله واحتساب الأجر منه سبحانه نظير صبرهم، فبشرهم خالقهم بقوله: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.

أستشهد هنا بكلام لفضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة في برنامج سؤال أهل الذكر، والذي قال فيه: "(ولنبلونكم) صحيح أن الفعل أتى مؤكدًا بـ(لام التوكيد) ثم بصيغة الجمع وهي دالة على التعظيم؛ لأن الأمر يستدعي التعظيم، ثم (نون التوكيد)؛ لكن أتى بعد ذلك ما يخفف، فمن حيث كونها حقيقة هي حقيقة ثابتة؛ لكن فضل الله تبارك وتعالى واسع، ولذلك قال: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ﴾، فقوله: ﴿بِشَيْءٍ﴾ يدل على التقليل، و﴿مِنَ﴾ تدل على التبعيض، ثم جاءت أنواع من الابتلاءات ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾.

ولا يلزم أن يبتلى الإنسان بكل هذه الابتلاءات المذكورة في هذه الآية.. وإنما قد يصاب كل إنسان فيها بنوع من أنواع الابتلاءات، أو بأنواع منها؛ تمحيصا، وتطهيرا، وفي حقيقة الأمر أن الإنسان لا يسلم من بلاء، وإن بدا أنه في نعمة وصحة وقوة وولد وجاه؛ إلا أنه قد يكون مبتلى بخوف شديد، أو قد يكون مصابا بعاهات وأمراض."

نلاحظ أن السياق القرآني تدرج في ربط المؤمنين بالصبر فقدم الاستعانة بالصبر والصلاة على الآية العظيمة التي فصّلت صنوفا من الابتلاءات قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥]، هذه البشارة جاءت محمّلة بأجور عظيمة لا يعلمها إلا الله قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ١٠]، بل أخبرهم أن الجنة هي جائزتهم العظمى ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرا﴾ [الإنسان ١٢]، مع العلم أن من معاني الصلاة الدعاء فعلى المؤمن أن يكون من أهل الذكر والدعاء في الرخاء قبل وقوع الشدة؛ فالله تعالى لن ينساه أبدا، قال عليه الصلاة والسلام: (من سرَّه أَن يَستجِيب اللَّه لَه عند الشَّدائد والكَرْب، فَلْيُكْثِرِ الدعاء فِي الرَّخاء) يعزز هذا الحديث قول الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات ١٤٤]، قال الحسن البصري: "ما كان له صلاة في بطن الحوت، ولكنه قدم عملا صالحا في حال الرخاء، فذكره اللَّه تعالى به في حال البلاء، وإن العمل الصالح يدفع عن صاحبه".

- كيف يكون البلاء ترقية لرتبة الإيمان والقرب من الله؟

ذكرت ذلك مجملا فيما تقدم وأقول تفصيلا: إن الله تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه ليختبر صبره، وما قصة سيدنا الصابر أيوب عليه السلام إلا مثال شاهد على ذلك، والابتلاء في حق الأنبياء رفعة درجة، وإنشاء قدوة لمن دونهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)، والابتلاء فيمن عداهم يأتي لعدة مقاصد منها تكفير الخطايا، ومحو السيئات، ومن أكرم بمثل ذلك فقد فاز، يقول طبيب القلوب صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا وصب ولا نصب ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، وقد يأتي البلاء لتمحيص المؤمنين قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:٢-٣]، والتمحيص هو اختبار الثبات على طاعة الله ومحبته، وقد يأتي البلاء مكفرا للذنوب والخطايا التي اقترفها العبد في حق خالقه، أي عقوبة دنيوية تنبيهية لليقظة والرجوع إلى الجادة، ويكون ذلك ظاهرا لمن وقع عليه فهو يرى أن غالب شؤونه لا تمشي وفق تخطيطه ومرآته فيعلم أن هنالك أمرا يحول بين ذلك، فيهرع للتوبة والصبر على ما وقع له؛ وفي صبره فرج وأجر، قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

- كيف استطاع أهل غزة أن يضربوا أروع الأمثلة في الصبر على البلاء؟

إن ما تعرض له الفلسطينيون عموما وأهل غزة على وجه الخصوص هو تعد صارخ لكل القوانين، وإنهم والله يمرون بابتلاء عظيم ألا وهو الاعتداء الغاشم من الكيان المحتل والدول التي وضعت يدها في يده من المشرق والمغرب، الأمر الذي ضيق على أهل غزة فلم يجدوا من يقف بجوارهم في محنتهم؛ هنا قرروا الصبر على ما وقع بهم، ومواجهة عدوهم بذات اللغة التي يفهمها، وهي لغة السلاح؛ فكانت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر لعام ٢٠٢٣م، ولقوة الضربة التي كسرت أنف العدو ومرغت وجهه في التراب وعدم استطاعته مقابلة المقاومين وجها لوجه، دفعه ذلك الأمر إلى إسقاط الكم الهائل من المتفجرات المحرمة والمجرمة دوليا، وقد حدث ذلك مع الأسف الشديد تحت مرأى ومسمع الهيئات الأممية، والمؤسسات الحقوقية، ولقد أثبت المقاومون للعالم أجمع أن التفوق حليفهم، وقد منّ الله عليهم بالنصر، واستعانوا في المحنة التي وقعت لهم بالصبر، يسليهم قول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء ١٠٤] ويذكرهم ذلك بحال النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- وهو يأمر عمر بأن يرد على أبي سفيان (قُم يا عمرُ فأجِبْهُ فقُل: اللهُ أعلَى وأجَلُّ، لا سَواءَ، قَتلانا في الجنَّةِ وقتلاكُم في النَّارِ.

إن المؤمن الصادق عندما يدرك أنه يدافع عن شرف أمته ويذود عن حياض دينه، يدفعه ذلك ليدفع روحه في سبيل هذه الغاية العظمى، ولا يضيره الموت في سبيل الله فهو بإذن الله شهيد، والشهداء لهم منزلة خاصة عند ربهم، وقد ذكرهم الله في آيات عديدة تبين فضلهم وتدل على منزلتهم، من بينها قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ال عمران: ١٦٨-١٧١]، وقد ذكر النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- الشهيد فقال: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

أقتبس هنا كلاما لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة من برنامج تفسير القرآن الكريم الذي يعرض على إذاعة سلطنة عمان تحت رقم ١٣٥ عندما فسر معنى حياة الشهداء بعد ارتقائهم فقال: "نهى الله سبحانه وتعالى أن يقال لمن قتل في سبيل الله بأنه ميت، بل هو حي فالشهيد حي، هذه الحياة نؤمن بها ولكن لا نستطيع أن نكيفها، وهي زائدة على الحياة التي يؤمن بها المسلمون وجميع المتدينين وهي حياة الأرواح، لأن الحياة الروحية مشتركة ما بين الأموات؛ فإن الروح لا تفنى كما يقول العلماء، إلا أن هذه الحياة هي حياة فوق تلك الحياة الروحية ويدل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿ولكن لا تشعرون﴾ أي: لا تستطيعون أن تعرفوا تلك الحياة، كما يدل ذلك أيضا قول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: ﴿ولَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ... ﴾ [ال عمران: ١٦٨-١٧١]، فالله سبحانه وتعالى ذكر في هذه الآية أمرين، أولهما: أنهم يرزقون وهذا الرزق لا بد من أن يكون في حال حياة زائدة عن حياة الأرواح، ثم ذكر بأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم، فإذا هذه الحياة حياة حاصلة ولكن لا نستطيع أن نكيفها... جاء في بعض الروايات أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة، أي: تأكل من ثمر الجنة، وجاء في بعضها أن نفس الأرواح في صورة طيور خضر تعلق في قناديل معلقة بالعرش".

وقد باع المقاومون حياتهم لله، وما نشاهده من خلال المقاطع التي تصل إلينا أن المقاومين يواجهون أرتال العدو بملابس رياضية، بل إن بعضهم حافي القدمين، ولكم تعجبنا من منظر المقاومين وهم يضعون العبوات المتفجرة على دبابات الكيان المحتل والتي تعتبر الأكثر تحصينا والأقدر تقنيا.

كل ما تقدم ألهم أهل غزة الصبر على ما يلاقونه من فقد فلذات أكبادهم، فهم يدركون أن أولئك الأطفال سيستقبلونهم في الجنة بإذن الله تعالى.

ـ كيف نزرع مفهوم الصبر على البلاء عند الناشئة؟

الناشئة من طبيعتهم الإلحاح حال طلب الشيء والإصرار عليه وسرعة تنفيذه في حينه، فليس لديهم طاقة للانتظار أو الصبر، وهو سلوك طبيعي والجميع مر بمثل ذلك، لذا من الضروري تعليمهم الصبر في سن مبكرة، ليدركوا أن كل الأشياء تحتاج إلى صبر ولا تنال في غمضة عين، ذلك سيؤهلهم لتقبل واقع الأمور وهم يكبرون رويدا رويدا، وفي ذلك فوائد جمة من بينها: زيادة القدرة على التركيز وصنع روح المتعة في كل اللحظات التي يعيشونها، كذلك يقيهم الصبر من القلق والعصبية والتوتر، ويساعدهم على التحكم في انفعالاتهم وتقوية إرادتهم ويجنبهم تكرار الوقوع في المشكلة ذاتها.

إذا أردنا تعليم الناشئة الصبر لا بد لنا من تقبل هذا السلوك أولا، ثم نبدأ بالحديث معهم حول أهمية الصبر والأثر الإيجابي له والنتائج المترتبة عليه، مع الحرص على الصدق والوضوح حتى تصل الفكرة، مع التلميح من خلال المواقف اليومية التي تحدث لهم؛ كانتظار وجبة الطعام وشرح سبب ذلك، انتظار الدور عند المحاسب أو الطبيب أو أمام آلة سحب النقود مثلا، كذلك حث الناشئة على زراعة بعض الشتلات وانتظارها حتى تزهر، أو اصطحابهم إلى البحر، وقضاء الوقت الطويل في صيد السمك، وغيرها من المواقف.

إن مما يعين على تعزيز هذه القيمة سرد القصص الواقعية التي حقق فيها الصابرون أحلامهم وأمانيهم من خلال الصبر، ومن أفضل هذه القصص قصص الأنبياء والرسل وكم تحلوا بالصبر حتى حقق الله لهم ما كلفهم به، كذلك الاستعانة ببعض الألعاب التي تحتاج إلى صبر وتفكير لإتمامها.