إشراقات

تجسدت بركة القرآن العظيم في عدم الخوف من المستقبل القريب والبعيد

22 ديسمبر 2022
فيصل البلوشي الفائز بالمركز الأول في مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم:
22 ديسمبر 2022

السرعة في الحفظ ليست أمرا مهما وإنما المهم هو البدء بالحفظ -

حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في حصولهم على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، كيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذللها الله لهم لاجتيازهم هذا الدرب؟ وقصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية التي يطمحون إلى تحقيقها، كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «فيصل بن محمد البلوشي» الفائز بالمركز الأول في المستوى الأول وهو حفظ القرآن الكريم كاملا في مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم في الدورة الثلاثين.

ماذا يمثل لك الفوز بجائزة السلطان قابوس للقرآن الكريم؟

أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره على هذا الفوز بهذه المسابقة القرآنية العظيمة، التي تمثل لي الحافز لمواصلة التمسك بهذا الكتاب العظيم وحفظه وتدارسه وعدم التكاسل في تثبيت الحفظ وترسيخه وتدبره في كل يوم وأن أستشعر دائما نعمة الله عز وجل علي وأن الله سبحانه وتعالى اختارني لحفظ كتابه.

متى بدأت رحلتك مع حفظ كتاب الله؟ وهل شجعتك العائلة على ذلك أم أنها كانت رغبة شخصية؟ حدثنا عن قصة حفظك بالتفصيل؟

رحلتي مع القرآن الكريم بدأت في سنٍ مبكرة حيث كنتُ طفلا لا يتجاوز السابعة من العمر مع أطفال الحي الذي أسكن فيه حيث كنا نذهب بعد صلاة المغرب لحلق تعليم القرآن التي أقامها بعض من خيرة شباب الحي، بتشجيع من العائلة ووالدي على وجه الخصوص، حيث حفظت جزأين في هذه الحلق ومع والدي كذلك، وعندما بلغت الثانية عشرة أرسلني والدي لإحدى المدارس الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة بتحفيز من أحد الأقارب الذي أرسل ابنه كذلك لتلك المدرسة وبرغبةٍ مني لحفظ كتاب الله، حيث كانت هذه المدرسة خاصةً لتعليم القرآن الكريم وتجويده، وبقيت في تلك المدرسة لمدة ٤ سنوات وأتممت حفظ كتاب الله فيها، ثم عدتُ إلى سلطنة عمان لاستكمال الدراسة الإعدادية والثانوية، بعد ذلك استكملت حفظ كتاب الله وتعلمه بشكل أكبر مع إمام الحي الذي أقطن فيه وهو الشيخ محمد حسن البهنساوي وهو حاليا إمام جامع الكوثر في ولاية العامرات وأخصائي مدارس القرآن الكريم في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والذي لم يدخر جهدا لتعليمي القرآن الكريم بالسند المتصل.

كيف كنت تنظم وقتك لحفظ القرآن الكريم أثناء التحصيل الدراسي أو مزاولة أعمالك والتزاماتك؟

فيما يتعلق بطريقة الحفظ عندما كنت أحفظ القرآن في تلك المدرسة الداخلية، كانت هناك ثلاثة أوقات أساسية، فهناك (حفظ واجب) وهو الحفظ الجديد، أحفظ فيه ما استطعت سواء كان وجها أو أكثر أو نصف وجه، ووقت الحفظ يكون بالمساء أي من بعد صلاة المغرب وحتى بعد صلاة العشاء تقريبا خلال ساعتين أو أكثر بقليل ثم أقرأ ما حفظته على المعلم في صباح اليوم التالي، وبعد أن يجيز لي المعلم الحفظ أراجع هذا الحفظ مع طالب آخر أو بنفسي خلال الفترة الصباحية ونسميه (الماضي القريب)

وبعد فترة الظهر أراجع ما نسميه (الماضي البعيد) وهو مراجعة الحفظ ما قبل السابق، وهكذا يترسخ الحفظ في الأذهان.

ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسيرة حفظك للكتاب العزيز؟

حقيقةً لم تواجهني صعوبات كثيرة عندما كنت أحفظ القرآن الكريم ولكن أبرزها هو البعد عن العائلة والأهل والأصدقاء، فخلال السنوات الأربع التي قضيتها في تلك المدرسة لم أرَ العائلة والأصدقاء إلا فترات معينة في كل سنة أرجع فيها إلى سلطنة عمان، حيث أجلس في المدرسة الداخلية قرابة ثلاثة إلى أربعة أشهر ولم أرَ العائلة والأصدقاء وكنت في سنٍ صغيرة لم أتجاوز الخامسة عشرة، فهذه ربما الصعوبة الأكثر في مسيرة حفظ كتاب الله.

من خلال تجربتك الذاتية، كيف تجسدت البركة التي يتركها القرآن في حياة من يحفظه؟

القرآن الكريم هو غذاء الروح لكل من يقرأه ويحفظه ويتدارسه ويعمل به، تجسدت البركة في حفظي لكتاب الله في كثير من الأمور منها على سبيل المثال: سلامة التفكير وهدوء البال وراحته والقدرة على التعامل مع الأشخاص من مختلف العقليات، وزادت حدة التركيز وسرعة الفهم والإدراك والنطق، وكذلك سهولة عمل الصالحات من الأعمال مثل الصلاة والصوم والصدقات وغيرها والتواصل مع الآخرين، كذلك هناك أمر مهم تجسدت في نفسي ببركة هذا القرآن العظيم وهو عدم الخوف من المستقبل سواءً القريب أو البعيد.

وبطبيعة الحال هذا كله لا يأتي دفعةً واحدة وإنما تدريجيا كلما زاد حفظك وتعلقك بكتاب الله.

هل تغيير القناعات حول قدرات الراغبين في حفظ كتاب الله من الممكن أن تجعل عملية الحفظ أسرع؟

تغيير القناعة أمر فعال عند بعض الأشخاص الذين يواجهون صعوبة كبيرة في الحفظ، لكن أنا أرى أن السرعة في الحفظ ليست أمرا مهما وإنما المهم هو القناعة في بدء الحفظ، والسرعة في الحفظ تعتمد بشكل كبير على الشخص وعلى ظروفه سواء أكان طالبا أم موظفا أو صغيرا أم كبيرا هنا يختلف سرعة الحفظ.

يعاني البعض من سرعة نسيانه لما حفظه من القرآن الكريم، ما الطرق التي تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان؟

حفظ القرآن الكريم ربما يكون سهلا ولكن التمسك به هو الأصعب، لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بمعاهدة هذا القرآن وحذرنا من التفريط به وأقسم على ذلك، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمدٍ بيده لهو أشدُّ تفلتا من الإبل في عقلها))

هناك الكثير من الطرق لترسيخ الحفظ ويعتمد على ظروف الآخرين، أنا في الحقيقة ساعدتني طبيعة وظيفتي كمساعد إمام وخطيب، في إعطائي الوقت الكافي لمراجعة الورد اليومي بالنسبة لي الذي يتراوح ما بين ٣ إلى ٥ أجزاء يوميا أقسمها على فترات: جزء قبل صلاة الفجر وبعدها، جزء قبل صلاة الظهر وبعدها، جزء قبل صلاة العصر وبعدها، جزء بعد صلاة العشاء، وإذا سمحت لي الظروف أقرأ جزءًا آخر بينها.

ما أجمل قصة حصلت لك أثناء مسيرتك مع حفظ كتاب الله؟

حقيقةً لا أذكر قصةً حدثت لي ولكن هي مواقف مثل: عندما كنت طفلا صغيرا لم أتجاوز العاشرة كنت أتعلم في المسجد الذي أقطن فيه وكان هناك معلمٌ يعلمنا حفظ القرآن وطريقة حفظه في طفولتي، وبعد ما ذهبت لتلك المدرسة الداخلية التي ذكرتها سلفا وبعد مرور عشرين عاما توظفت في المسجد نفسه، وأصبحت أنا الذي أعلم هذا المعلم القرآن، وهذا طبعا ليس تقليلا من ذلك المعلم الذي حببني في كتاب الله وإنما جزاء ذلك المعلم لي هو أن أعلمه القرآن الكريم ((هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ)).

ما الآية التي تتردد في ذهنك دائما؟ تجد نفسك تتلفظ بها دون أن تشعر؟

الآية (١٥) في سورة الحج ((مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ))

أمام هذا الكم الهائل من الملهيات ووسائل الترفيه واللعب.. ما الطرق والأساليب الحديثة التي تتبعها في ربط الناشئة بالقرآن الكريم؟

الدعوة الحسنة دائما تحبب الشخص سواء أكان كبيرا أم صغيرا لحفظ الكتاب العزيز أو للصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة، هناك عدة طرق منها المسابقات القرآنية والدينية وكذلك من الطرق التي تجذب الناشئة من وجهة نظري ودائما أطبقها هو طرح أسئلة بسيطة جدا عليهم في القرآن الكريم آية أو آيتين من قصار السور مثلا وبعد أن يجيب على السؤال حتى إذا أخطأ أصحح له وأثني عليه وأبتسم في وجهه وأبارك له، هذا في جذبهم للقرآن وكذا الحال في بقية العبادات، كذلك دعوة والديهم إلى تشجيع أبنائهم لحفظ كتاب الله وحثهم على ذلك وإعطائهم الهدايا والجوائز في المنزل.

ما المسابقات القرآنية التي شاركت فيها؟ وهل تجد أن هذه المسابقات حافز للحفظ ولتجويد الحفظ؟

هناك عدة مسابقات شاركت بها خصوصا بعد أن أتممت حفظ القرآن الكريم كاملا في عام ٢٠٠٩ منها مسابقات في ولاية صحم التي أقطنها مثل: مسابقة الشيخ ناصر الزعابي -رحمه الله- ومسابقة صحم للقرآن الكريم، ومسابقة نادي صحم للقرآن الكريم، ومسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم في دورتها العشرين ٢٠١٠ المستوى الأول وحصلت فيها على المركز الثاني، ومسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم في دورتها السادسة والعشرين في عام ٢٠١٦ المستوى الأول وحصلت على جائزة تشجيعية، ومسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم في هذه الدورة الثلاثين وحصلت على المركز الأول في المستوى الأول ولله الحمد.

ما القراءات القرآنية التي تجيدها؟ وكيف تعلمتها؟

أقرأ برواية حفص عن عاصم وشعبة عن عاصم ورواية ورش عن نافع وقالون عن نافع، تعلمتها على يد الشيخ محمد حسن البهنساوي الذي كان إماما معنا في جامع رويلة البدو الغربي بولاية صحم.

ما المشاريع المستقبلية التي تطمحون إلى تحقيقها والتي تخص كتاب الله؟

استكمال تعلم القراءات بالسند المتصل وتسجيل القرآن الكريم كاملا، وهذا كله ليكون دافعا لمعاهدة القرآن الكريم وتدبره والعمل بأحكامه.