No Image
إشراقات

اليمين في كتاب الله

15 يونيو 2023
تأملات قرآنية
15 يونيو 2023

المتأمل في كتاب الله يحاول تبيان دلالات المصطلحات والألفاظ، ويتتبع مقاصدها، ويستشف معانيها، ويربط سياقاتها، ليتلمس مواطن الجمال، ويستكشف روح المعاني، ومن تلك المصطلحات القرآنية كلمة «اليمين» التي وردت في مواضع مختلفة من كتاب الله، ونضحت بالمعاني المتنوعة، منها ما هو على سبيل الحقيقة ومنها ما كان على سبيل المجاز، ومنها استخدامات ذات دلالات في الحياة الدنيا، ومنها ذات دلالات في الآخرة.

ولو جئنا إلى المعنى القريب لهذا المصطلح لوجدنا أن اليمين هي دلالة على جهة أو مكان عكس كلمة الشمال، وهذا المعنى القريب الواضح ورد في مواضع مختلفة من كتاب الله عز وجل، فنجد في سورة النحل قوله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ» فقد أنكر المولى عز وجل في خطابه على الذين يعملون السيئات وهم يرون أن كل المخلوقات القائمة سواء كانت شجرا أو حجرا أو جبلا مما له ظل، تتحرك ظلالها عن اليمين والشمال وهي ساجدة لله بمعنى الخضوع والطاعة والانقياد، فكيف بكم وأنتم أضعف حالا وأصغر حجما؛ تعملون السيئات وتعرضون عن عبادة الله؟!

وفي آية أخرى يصف لنا المولى عز وجل مشهدا من مشاهد جريان الشمس عن يمين أهل الكهف وشمالهم، فقال تعالى في سورة الكهف: «وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا» فربنا عز وجل يصف الشمس أنها إذا أشرقت يدخل ضوؤها من جهة اليمين وقبل وقت غروبها يدخل ضوؤها من جهة اليسار.

كما وصف ربنا في السورة نفسها جهة اليمين من خلال تقليبهم لأجساد أصحاب الكهف، فقال ربنا جل وعلا: «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا».

وفي موضع آخر عبر القرآن الكريم عن جهة اليمين عند حديثه عن أهل سبأ في السورة التي سميت باسمهم فقال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ» فقد كانوا يسكنون في موضع وتحيط بهم حدائق غناء عن يمينهم وعن شمالهم، ولكنهم كفروا بأنعم الله فأبدلهم الله بعد النعمة نقمة.

وذكر الله عز وجل في خطاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في سورة المعارج كلمة اليمين فقال تعالى: «فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ» أي أن الذين كفروا مادين أعناقهم ينظرون إليك وهم جلوس جماعات عن يمينك وشمالك ولكنهم لا يؤمنون على الرغم من الآيات البينات الواضحات التي أتيتهم بها.

وأخبرنا الله عز وجل أن الملكين الموكلين بإحصاء أعمال بني آدم هما رقيب على جهة اليمين وهو الذي يحصي الحسنات، وعتيد على جهة الشمال وهو الذي يحصي السيئات فقال تعالى في سورة ق: «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ».

وهنالك دلالة يطرحها القرآن الكريم وهي دلالة تأخذ معنى إيجابيا لجهة اليمين ودلالة سلبية لجهة الشمال، وذلك في يوم القيامة فقال تعالى في سورة الإسراء: «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا» أي أن الذين يعطون كتابهم بيمينهم يوم القيامة فهم أصحاب الجنة» فهو يفاخر بأنه أعطي له كتابه بيمينه فيطلب من الناس أن يقرأوا كتابه، ويعبر الله عز وجل عن ذلك المشهد في سورة الحاقة بقوله: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ» وقال في سورة الواقعة: «وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ».

وفي سورة الانشقاق يتحدث المولى عن حال من يعطى كتابه بيمينه فقال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ»

وبين الله عز وجل النعيم المقيم الذي أعد لأصحاب اليمين فقال في سورة الواقعة: «وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين* في سِدْرٍ مخضُودٍ* وطَلْحٍ منضودٍ* وظِلٍ ممدود* وماءٍ مسْكُوبٍ* وفاكهةٍ كثيرةٍ* لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ* وفُرُشٍ مرفوعةٍ* إنا أنشأناهنّ إنشاءً* فجعلناهنّ أبكاراً* عُرُبًا أترابًا* لأصحابِ اليمين».

وهنالك آيات أخرى تتحدث عن اليد اليمنى، منها قوله تعالى في سورة طه: «وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى» فأجابه موسى -عليه السلام- بأنه يمسك عصاه في يمينه يتوكأ عليها وله فيها منافع أخرى، فطلب منه ربنا عز وجل أن يلقيها فقال تعالى: «وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى».

وفي سورة الصافات يتحدث ربنا جل وعلا عن إبراهيم عليه السلام عندما قام بتحطيم الأصنام فقال تعالى: «فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ» وقد أخبرنا ربنا أن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ما كان يعرف القراءة ولا الكتابة بيمينه فقال في سورة العنكبوت: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ».

وعبر الله عن الجواري أو التي تكون ملكا لسيدها وفي خدمته بملك اليمين فقال تعالى في سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» وفي موضع آخر من هذه السورة قال ربنا عز وجل: «لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا».

وقد جاءت لفظة اليمين بمعنى الحق فقال تعالى: «قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ» فقال الطبري في تفسيره لهذه الآية: «قالت الإنس للجن: إنكم أيها الجن كنتم تأتوننا من قِبَل الدين والحق فتخدعوننا بأقوى الوجوه، واليمين: القوة والقدرة في كلام العرب».

وموضع آخر جاءت فيه كلمة اليمين بمعنى الحق قوله تعالى في سورة الحاقة : «لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ» قال الطبري في تفسيرها: «لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة».

ومن المواضع التي جاءت بهذا المعنى قوله تعالى في سورة الزمر: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» أي أن السماوات يطويها الله بقدرته.