No Image
إشراقات

المتاع في كتاب الله

03 أغسطس 2023
تأملات قرآنية
03 أغسطس 2023

من الألفاظ التي ورد ذكرها في كتاب الله، وأعطت دلالات ومعاني مختلفة كلمة «المتاع» وهذه الكلمة لو تتبعنا معناها اللغوي لوجدنا أن المقصود بها هو ما يتبلغ به من الزاد أو السلع أو الأثاث أو اللباس أواللوازم الضرورية، إلا أن القرآن الكريم ألبس هذه المعاني دلالات إضافية من خلال السياقات الواردة فيه، ولكن تشترك في أنها مرتبطة بالفترة الزمنية القصيرة نسبيا، عندما نجد أن القرآن يقارنها مع الآخرة ونعيمها، وهذه المقارنة واردة وبكثرة عن معرض الدنيا وملذاتها والآخرة ونعيمها الخالد وما أعده الله فيها للمتقين.

ويتجلى هذا الأمر في آيات متعددة منها قوله تعالى في سورة غافر: «يا قَومِ إِنَّما هذِهِ الحَياةُ الدُّنيا مَتاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دارُ القَرارِ»، فالله تعالى بيّن أن هذه الحياة الدنيا وملذاتها إنما هي متاع تستمتعون به إلى أجل معلوم ثم يصير كل ذلك إلى الفناء ولكن الدار الآخرة هي دار البقاء والخلود والقرار، ولأن الحياة الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فجعل حتى لمن يكفر بالله قصورا مزخرفة في الدنيا، يستمتعون فيها، ولكن ليس لهم في الآخرة إلا العذاب، بينما المؤمنون يرزقهم الله في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ولذلك سيفوز المتقون في اليوم الآخر، فقال تعالى في سورة الزخرف: «وَزُخرُفًا وَإِن كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلمُتَّقينَ»، ويؤكد الله هذه الحقيقة في سورة الرعد بقوله: «اللَّهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ وَفَرِحوا بِالحَياةِ الدُّنيا وَمَا الحَياةُ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا مَتاعٌ»، فالله يبيّن أنه يبسط الرزق لمن يشاء سواء، كان كافرا أو مسلما، فهي ليست دار جزاء وزمنها محدود، ولكن إذا أتينا إلى الحياة الدنيا فهي مجرد متاع زائل مقارنة بالآخرة، فالحياة يشقى فيها المؤمن والكافر، ولكن الدار الآخرة هي دار عذاب مقيم للكافرين، ودار نعيم دائم للمؤمنين.

وفي قصة أبينا آدم بعد أن استزله الشيطان وأكل هو وحواء من الشجرة المحرمة، فقد أنزلهم الله إلى الأرض وجعلهم يستقرون فيها استقرارا مؤقتا وجعل لهم فيها متاعا من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، فقال تعالى في سورة البقرة: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطانُ عَنها فَأَخرَجَهُما مِمّا كانا فيهِ وَقُلنَا اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ»، وذكر الله هذا الأمر في سورة الأعراف فقال تعالى: «قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ».

ورغب الله في القتال وحض عليه من منطلق أن من يموت في هذه الحياة الدنيا القصيرة الفانية يجازيه الله بالجنة في الدار الآخرة دار الإقامة الدائمة، ولذلك يعاتبهم الله في أنهم لا تتشوق نفوسهم إلى دار النعيم، وإنما هم راضون بما آتاهم الله في الدنيا، ومتقاعسون عن نيل ما وعدهم الله به، فقال تعالى في سورة التوبة: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُمُ انفِروا في سَبيلِ اللَّهِ اثّاقَلتُم إِلَى الأَرضِ أَرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَليلٌ»، مؤكدا على الحقيقة السابقة من أن ما يملكونه في هذه الدنيا هو قليل لا يقارن بما ينتظرهم في الآخرة، ويؤكد الله هذه الحقيقة في سورة النساء بقوله: «أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ قيلَ لَهُم كُفّوا أَيدِيَكُم وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتالُ إِذا فَريقٌ مِنهُم يَخشَونَ النّاسَ كَخَشيَةِ اللَّهِ أَو أَشَدَّ خَشيَةً وَقالوا رَبَّنا لِمَ كَتَبتَ عَلَينَا القِتالَ لَولا أَخَّرتَنا إِلى أَجَلٍ قَريبٍ قُل مَتاعُ الدُّنيا قَليلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظلَمونَ فَتيلًا».

ووردة كلمة المتاع في سورة البقرة عند ذكر المطلقات أو الأرامل فقال تعالى: «لا جُناحَ عَلَيكُم إِن طَلَّقتُمُ النِّساءَ ما لَم تَمَسّوهُنَّ أَو تَفرِضوا لَهُنَّ فَريضَةً وَمَتِّعوهُنَّ عَلَى الموسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقتِرِ قَدَرُهُ مَتاعًا بِالمَعروفِ حَقًّا عَلَى المُحسِنينَ»، وقد وردت كلمة المتاع أي ما يستمتع به من المال، على حسب حال المطلق من الغنى والمقدرة والمنزلة، وأكد الله هذا الأمر بقوله: «وَلِلمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالمَعروفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقينَ».

وقال الله تعالى في الأرملة التي يتوفى عنها زوجها: «وَالَّذينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم وَيَذَرونَ أَزواجًا وَصِيَّةً لِأَزواجِهِم مَتاعًا إِلَى الحَولِ غَيرَ إِخراجٍ فَإِن خَرَجنَ فَلا جُناحَ عَلَيكُم في ما فَعَلنَ في أَنفُسِهِنَّ مِن مَعروفٍ وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ»، وقد ذكر الطبري في تفسيره عن متاع الحول، «أنه كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها، ما لم تخرج. ثم نسخ ذلك بعد في سورة النساء» فجعل لها فريضة معلومة: الثمن إن كان له ولد، والربع إن لم يكن له ولد، وعدتها أربعة أشهر وعشرا، فقال تعالى جل ذكره: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول».

وشبه الله الحياة الدنيا وزينتها بمثل حينما قال عز وجل: «اعلَموا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُم وَتَكاثُرٌ فِي الأَموالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكونُ حُطامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ»، فالدنيا في زوالها وسرعة انتقال نعيمها مثل غيث أنبت عشبا فما يلبث أن يصبح مصفرا ويتحطم وتطير به الرياح، فهذا حال الدنيا أنها متاع زائل يغتر بها الناس. وورد لفظ المتاع في مثل آخر ضربه الله في بيان زوال الباطل وبقاء الحق الذي ينفع الناس، فالله عندما ينزل من السماء ماء وتسيل الأرض به، فإن ذلك الماء سيعلوه زبد، وكذلك الزبد الذي يكون فوق السائل المصهور سواء كان لتشكيل الحلي أو أي صناعة معدنية وقد عبر عنها القرآن بالمتاع، فأما الزبد فيتبدد ويختفي وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، فقال تعالى في سورة الرعد: «أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَت أَودِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحتَمَلَ السَّيلُ زَبَدًا رابِيًا وَمِمّا يوقِدونَ عَلَيهِ فِي النّارِ ابتِغاءَ حِليَةٍ أَو مَتاعٍ زَبَدٌ مِثلُهُ كَذلِكَ يَضرِبُ اللَّهُ الحَقَّ وَالباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنفَعُ النّاسَ فَيَمكُثُ فِي الأَرضِ كَذلِكَ يَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ».

وإذا أتينا إلى قصة سيدنا يوسف لوجدنا أن للمتاع فيها شأنا، فعندما تم إلقاء يوسف في البئر من قبل إخوته، ورجعوا يبكون في وقت العشاء، ويقولون، بأنهم ذهبوا ليتسابقوا وتركوا يوسف عند متاعهم، فهجم عليه الذئب، وأكله فقالوا في سورة يوسف: «قالوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبنا نَستَبِقُ وَتَرَكنا يوسُفَ عِندَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئبُ وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ»، وكذلك عندما منع عنهم الكيل من قبل العزيز ورجعوا إلى أبيهم فعندما فتحوا متاعهم وهو عبارة عن السلع والأغراض والبضاعة التي ذهبوا ليقايضوا بها، وجدوا أن بضاعتهم رُدت إليهم، فقال تعالى: «وَلَمّا فَتَحوا مَتاعَهُم وَجَدوا بِضاعَتَهُم رُدَّت إِلَيهِم قالوا يا أَبانا ما نَبغي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّت إِلَينا وَنَميرُ أَهلَنا وَنَحفَظُ أَخانا وَنَزدادُ كَيلَ بَعيرٍ ذلِكَ كَيلٌ يَسيرٌ»، وكان كذلك للمتاع في الحيلة التي احتال بها يوسف ليستبقي أخاه معه دور، فعندما أراد إخوة يوسف أن يرحلوا بعد أن اكتالوا من مصر وأرادوا أن يرجعوا قام أتباع يوسف عليه السلام بدس صواع الملك وهو إناء يستخدم في كيل الطعام في متاع أخيه الصغير، وبعد أن تم اتهام إخوة يوسف بأنهم سارقون وتم تفتيش المتاع وُجد في راحلة أخيه فأخذه إليه، فقال تعالى: «قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَن نَأخُذَ إِلّا مَن وَجَدنا مَتاعَنا عِندَهُ إِنّا إِذًا لَظالِمونَ».

وقد استعرض الله أمتعة الحياة الدنيا، فقال في سورة آل عمران: «زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالبَنينَ وَالقَناطيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعامِ وَالحَرثِ ذلِكَ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ»، فبين الله أصناف متاع الحياة الدنيا من حب النساء والبنين والذهب والفضة والخيل والأنعام من الحيوانات والحدائق الغناء من المزارع والأشجار فذلك هو متاع الحياة الدنيا.