No Image
إشراقات

العلم في كتاب الله

11 مايو 2023
تأملات قرآنية
11 مايو 2023

المتأمل في كتاب الله يجد أنه أطلق لفظة العلم في كثير من الأحيان على الدراية والمعرفة بالكتب السماوية، لأنها تأتي في مقدمة العلوم التي يجب معرفتها، فالله عز وجل خاطب نبيه محمد صلى الله عليه وسلـم بهذا المعنى في أكثر من موضع، ولكن أطلق القرآن الكريم أيضا هذا المصطلح على بقية العلوم وذلك حسب السياق الذي ورد فيه.

فالله سبحانه وتعالى يحذر نبيه محمد صلى الله عليه وسلـم من أن يتبع أهواء اليهود والنصارى، في ما يتعلق بالقبلة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلـم يتجه سابقا أثناء الصلاة جهة بيت المقدس، فبحسب رواية ابن عباس رضي الله عنه فقد أخبر أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يأملون أن يستميلوا الرسول صلى الله عليه وسلـم، بما أنه كان يتجه سابقا إلى بيت المقدس في الصلاة، ولكن بعد ما أمره الله بأن تكون قبلته الكعبة قبلة أبينا إبراهيم عليه السلام يئسوا منه، فقال تعالى في سورة البقرة: «وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ».

ولذلك فإن اليهود والنصارى لن يرضوا من الرسول صلى الله عليه وسلـم، حتى ولو كانت قبلته بيت المقدس، فإنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع دينهم وملتهم، ولذلك حذره الله من مسايرتهم بعد ما جاءه من علم القرآن الكريم ومن تحديد قبلة المسلمين وهي الكعبة المشرفة في البيت الحرام فقال تعالى: «وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ».

وكذلك حاج بنو إسرائيل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلـم وجادلوه في الحق، وهو أن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، فقال تعالى في سورة آل عمران: «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ».

فالعلم في هذه الآية هو علم تبيان أن عيسى عليه السلام هو عبد الله ورسوله وهذا ما ذكره الكتاب العزيز، فأمره بأن يباهلهم.

ومن الآيات التي حذرت الرسول صلى الله عليه وسلـم من اتباع أهواء المخالفين، من المشركين بعد ما أنزل عليه هذا القرآن العربي الذي هو كلام الله أودع فيه حكمه وعلمه للرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى في سورة الرعد: «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ».

ونجد في الكتاب العزيز أن الله اختار طالوت أن يكون ملكا وذلك لمقومات جعلته جديرا بهذا الاختيار والاصطفاء من الله عز وجل وهو الزيادة في العلم والجسم، فقال المفسرون إنه كان أعلم بني إسرائيل وكذلك كان عالما بالحرب، فقال تعالى في سورة البقرة: «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»

وذكر ربنا تبارك وتعالى أن الراسخين في العلم المتبحرين فيه هم من يعلمون تأويل المتشابه من كتاب الله فقال تعالى في سورة آل عمران: «هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ»، في حين ذهب بعض المفسرين إلى أن الراسخين في العلم يؤمنون بالآيات المحكمات والمتشابهات ويقولون كل من عند ربنا، فقد جمع الله لهم صفتي العلم والإيمان لارتباطهما ببعضهما، وهذا الأمر مصداقا لقوله تعالى في سورة فاطر: «وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ» فبين أن العلماء هم أشد خشية لله، لعلمهم بعظمته المتمثلة في عظيم ما خلق، وكذلك قوله تعالى في سورة النساء: «لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً»، كما قرن ربنا سبحانه وتعالى شهادته بشهادة الملائكة وأولو العلم بأنه لا إله إلا هو قائم بالعدل فقال تعالى في آل عمران: «شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».

وبين المولى عز وجل أن اختلاف الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى وقع بعد أن جاءهم العلم بغيا بينهم فقال تعالى في سورة آل عمران: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ»، واختلف العلماء في تفسير العلم، فقال بعضهم التوراة، وقال بعضهم العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلـم، المذكور في كتبهم، وقال بعضهم أنها نزلت في النصارى، ولكنهم اختلفوا وتنافروا بغيا بينهم. وفي آية أخرى يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة يونس، «وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» أي أنزلناهم منزل صدق، فقيل مصر، وقيل فلسطين، ولكنهم اختلفوا وأعرضوا بعد ما جاءهم العلم، فقيل العلم بنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلـم الموجود في كتبهم. وقال ربنا تبارك وتعالى في سورة الشورى: «وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ»، وقال في سورة الجاثية: «وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ». ونجد اليهود أرادوا اختبار الرسول صلى الله عليه وسلـم فسألوه عن ثلاثة أمور ومن ضمنها السؤال عن الروح فقال تعالى في سورة الإسراء: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» فبين لهم الله عز وجل أن الإنسان لم يُؤتَ من العلم إلا قليلا، وعن سبب نزول هذه الآية فقد «روي عن ابن عباس أنه قال: إن قريشا قد اجتمعوا وقالوا: إن محمدا نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب وقد ادعى ما ادعى فابعثوا نفرا إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب فبعثوا جماعة إليهم فقالت اليهود: سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي وإن أجاب عن اثنين ولم يجب عن واحد فهو نبي فسلوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خبره وعن الروح؟ فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلـم: أخبركم بما سألتم غدا ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي - قال مجاهد: اثني عشرة ليلة وقيل: خمسة عشر يوما وقال عكرمة: أربعين يوما - وأهل مكة يقولون: وعدنا محمد غدا وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلـم من مكث الوحي وشق عليه ما يقوله أهل مكة ثم نزل جبريل بقوله: «ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله» ونزل في قصة الفتية «أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا» ونزل فيمن بلغ الشرق والغرب «ويسألونك عن ذي القرنين» ونزل في الروح «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي».