No Image
إشراقات

الحج المبرور.. رحلة الروح والجسد وثوابها الجنة

08 يونيو 2023
استظهار دلالات المناسك وما ينبغي على الحاج
08 يونيو 2023

شمسة الرحبية: ربط الشعيرة بالجوانب الروحية له أثر بالغ في تزكية النفس ومحاسبتها -

عدوية الحبسية : يستطيع الإنسان أن يحج بقلبه وهو في بيته -

مروة السيابية :رحلة عظيمة اجتمع فيها شرف الزمان والمكان والأعمال -

الحج.. هذه العبادة البدنية الروحية التي أمر الله تعالى المسلم أن يؤديها مرة في حياته لمن استطاع إلى تأدية هذه الفريضة سبيلا، وكانت لديه القدرة البدنية والمالية، وهي عبادة تمزج بين الجهد البدني وذلك في تأدية المناسك، وبين المعاني الروحية التي يستشعرها الحاج وهو ينتقل من منسك إلى آخر في تأديته لهذه الشعيرة العظيمة، فإن لم يكتب لأحدنا الذهاب إلى الحج في هذا العام، فهل نستطيع أن نستشعر ونغوص في المعاني الروحية لهذه الشعيرة، ونحن في بيوتنا، وما أهمية فعالية «نسك» التي نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للراغبين في الحج، وما هي التوجيهات والمعاني التي ينبغي أن يستشعرها الحاج، ويحرص عليها أثناء تأديته لهذه الفريضة.

ترى شمسة بنت هلال الرحبية مديرة دائرة التعليم والإرشاد النسوي في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن: «مواسم الخيرات الحكم فيها بليغة، أجلُّها أن يبقيَ العبد حبل الصلة مع ربه قويا، ويكون لنفسه رقيبا وحسيبا، ولعمله مخلصا ولقبوله داعيا، هذه المواسم تزيد الإيمان، وتنمي التقوى وتزكي الروح، وتهذب النفس، وتقوي الهمة، وتسد النقص والخلل في العبادة ومن هذه المواسم «موسم الحج»

حج بقلبك

أما المرشدة الدينية عدوية بنت علي الحبسية فترى أن بإمكان الناس أن يستشعروا معاني الحج وهم في بيوتهم فتقول: «قرن الحج بالاستطاعة المادية والمعنوية والصحية والنفسية قال الله تعالى «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، لذلك قد يصعب على البعض أداء هذه العبادة؛ لذلك من رحمة الله على عباده أن فتح لهم المدارك لاستشعار هذه العبادة وهم في منازلهم. فيستطيع الإنسان أن يحج بقلبه وهو في بيته».

وتوضح هذا الأمر من خلال سردها لأعمال الحج، وكيف يكون غير الحاج في رحلة روحية عقلية تطوف بالمناسك وهو في بيته فتقول: «يستعد لاستقبال أيام الحج بالتوبة الصادقة عن كل ما أذنبه أو قصر فيه من سنوات العام المنصرم وحياته كلها، فيرد الأمانات لأصحابها، ويستسمح ممن أخطأ بحقهم أو قصر، وأن يكتب وصيته لأن الموت قد يأتي في أي لحظة وتغادر الروح الجسد، وفي يوم التروية يروي قلبه بالذكر العظيم ويكبر الله هو وعائلته ومن يحب، تكبيرا صادقا وتعظيما تصل به إلى الطمأنينة والسكينة. ويقف في يوم عرفة وقفة مسلم غيور على أهله ودينه سائلا الله الكريم من عظيم كرمه أن يعينه على الدنيا فيكون صابرا على الطاعة؛ حتى يؤديها وثابتا أمام مغريات الحياة وشهواتها فلا يقع فيها. وليكمل حج قلبه بالمبيت بمزدلفة فيستشعر تلك الليلة كيف ينام في فراشه المريح والدافئ وكيف ينام الحجاج بالتساوي تتوسد رؤوسهم وأجسادهم الحجارة والتراب، فلا يتذمر من حال ولا يشتكي من فقر فقد ساوى الله في ليلة بين عباده الغني والفقير والحاكم والمحكوم والأبيض والأسود، فتهدأ روحه ويحمد الله على نعم الله التي قد ينساها العبد في لحظة ما.

وتكمل الحبسية استعراضها لهذه الرحلة الروحية فتقول: «ليكمل حجه وهو في بيته استشعارا برمي الجمرات فيرمي حزنه وانكساره، ويرمي ذنبه وتقصيره، ويرمي كل عيب أو طبع أو مرض من أمراض القلوب، فيتخلص مما يتعبه، ويعقد النية الصادقة والعزم الأكيد على أن تكون أيام حجه وهو في بيته فرصة تغيير في حياته للأفضل، فلا يعود بعدها لما رمى وتخلى. ليكمل كل شعيرة من شعائر الحج بما يراه مناسبا له ولقلبه، ويشارك أهل بيته وأحبابه. فيكون في كل بيت من بيوت المسلمين حج صادق ونية طيبة».

مؤكدة على أنه: «يجب على الإنسان أن يصدق النية ويلح على الله بالدعاء أن يعينه على استغلال مواسم الخير والطاعات، كما يستغل وجوده بين أبنائه أن يعلمهم خير هذه الأيام وأن يشاركهم كل ما يقوم به، فهم قادة المستقبل وبهم تقوى الأمة الإسلامية، فيملأ قلبهم باستشعار عظمة فريضة الحج والقصص التي تصاحبها، ومن وفقه الله بالقرب منه والفوز بخيره فقد فاز بالدنيا وأحسن عيشها، فلا يستصغر المسلم أي عمل يدخله الجنة، ويسعى إلى نشر ثقافة أن يحج الإنسان في بيته بقلبه؛ فلا ييأس إذا لم يوفق لأداء المناسك في مكة المكرمة، بل نجعل كل بيت من بيوت المسلمين في بقاع الأرض مكة تعج بالذكر والتهليل والتكبير والتسبيح ودعوات صادقة نسأل الله أن يجعلها مستجابة محققة».

شرف الزمان والمكان

وتؤكد المرشدة الدينية مروة بنت مرهون السيابية على أن: «الحج رحلة عظيمة، اجتمع فيها شرف الزمان والمكان والأعمال، فما أعظمها من شعيرة! تهوي إليها أفئدة المسلمين كل عام، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: «وَأَذّنْ فِي النّاسِ بِالحَجّ يَأتوكَ رِجالًا وَعَلى كُلّ ضامِرٍ يَأتينَ مِنْ كُلّ فَجّ عَميقٍ»،

مبينة أن: «الحج ركن من أركان الإسلام، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»، الحج من العبادات العظيمة التي يعد ثوابها ثوابًا جزيلًا، فبه يمحو الله جل وعلا السيئات، ويرفع مقام الحاج والحاجة إلى أعلى الدرجات، الفوز هنا والفلاح هو لمن أخلص النية لله تعالى وحده لا شريك له، فكان الحج حجًا مبرورًا، وكان السعي سعيًا مشكورًا، أما الخسران فسيكون لمن أفسد حجه بشيء من المفسدات.

دروس وعبر من «نسك»

وعن فعالية نسك التي نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فترى شمسة الرحبية أنها كانت مثرية ببرامجها ودوراتها ومعرضها، وقد خرجت الرحبية من خلال هذه الدورات بمجموعة من الدروس والعبر منها: حمل هم تعليم الناس أمور دينهم وتبصيرهم بفقه عباداتهم؛ حتى يعبدوا الله عز وجل على هدى وبصيرة، وهذا دور من فتح الله عليه في هذا الجانب «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فالحاج يحتاج إلى من يأخذ بيده لأداء هذه الشعيرة على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.

كما أنه من خلال شرح مناسك الحج تم تعريف الناس بعظمته وأهميته بشكل عام، وكل منسك بشكل خاص فجعلنا نتأمل في القاعدة (أنك لن تعطي الشيء حقه إلا بعد أن تعرف قدره)، فقد ظهر التأثر من الحضور ووضح بالغ اهتمامهم وحرصهم الشديد على الاستفادة وهذا هو المطلوب وقد تحقق بفضل من الله.

وأضافت الرحبية: كذلك ربط شعيرة الحج بالجوانب الروحية له أثر بالغ في تزكية النفس ومحاسبتها والتخلص من أي تبعات، فرحلة الحج رحلة طويلة وشاقة، وقد يلاقي فيها الحاج صنوفا من المتاعب والمشاق فينبغي له أن يتجرد من الدنيا وزخرفها ويتوجه بكليته إلى الله، فاستجابة الحاج لأمر الله وانصياعه له وتركه لأهله وعدم مشاركة أحبابه فرحة العيد يشعره بتذلـله وانكساره وفقره لمولاه عز وجل ونلاحظ أن رحلة الحج من أولها إلى آخرها هي خروج من مشاهد الدنيا إلى مشاهد الآخرة.

في ضيافة الرحمن

وأوضحت مروة السيابية «أن على كل حاج وهو ذاهب لتلك البقاع الطاهرة وقد ترك الأهل والوطن وأنفق ماله لأداء الحج، أن يتوجه بقلبه وبدنه وماله إلى الله تعالى وحده لا شريك له، وما كل ذلك إلا لنيل الفوز برضوان الله تعالى، ولنيل شرف دخول الجنة التي أعدها الله تعالى لعباده المتقين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». مشيرة إلى أن «الحج نعمة عظيمة فلا بد للحاج أن يستشعر نعمة الله عليه، بأن يكون من ضمن ضيوف الرحمن الذين أنعم الله عليهم بالوفود إليه بعبادة الحج، فهناك من لم يوفقه الله تعالى لذلك، فقد سئل الرسول -صلى الله عليه وسلـم-: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور»، إذن الحج من أفضل الأعمال وأحبَّها إلى الله تعالى؛ فهنيئًا لمن كان له شرف الحج.

مؤكدة على أن: «من نوى الحج عليه أن يسارع إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى قبل سفره، وأن يتعلم ويتحرى ويسأل ويتفقه في أمور الحج، بتعلم أركان الحج وشروطه، وواجبات الحج وسننه، وأن يتعلم أعمال الحج من بداية المناسك إلى نهايتها، فقد قال المصطفى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه: «خذوا عني مناسككم»، بهذا يتذوق الحاج لذة الالتزام والتأسي والاقتداء بالسنة النبوية الشريفة، وعليه أن يتخير الرفقة الصالحة في هذه الرحلة العظيمة، ويعفو ويسامح أهله وجيرانه ومن يعرفهم، ويتخلص من جميع الحقوق التي عليه لله تعالى وللناس، ليقبل على الله تعالى خاليًا من التبعات والحقوق».

الحج المبرور

ومن التعليمات التي ذكرتها السيابية أنه: «على الحاج أن يترك نفقة لأهله قبل ذهابه للحج، حتى لا يحتاجوا للآخرين في قضاء حوائجهم، ومن المهم كذلك أن يتحلى بالأخلاق الحسنة في الحج، كالصبر وسعة الصدر والتسامح، ويبتعد عن الفسوق واللمم؛ لأجل تعظيم الله تعالى، وخوفًا من فوات الأجر، وقال صلى الله عليه وسـلم: من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه»، فلا يرجع إلى وطنه وأهله إلا وقد طهُرت نفسه، وتهذبت أخلاقه وصلُحت. وحين الوصول إلى الديار المقدسة أحمد الله تعالى أيها الحاج على عظيم امتنان الله تعالى بتبليغك الديار المقدسة».

منبهة إلى أنه حتى يتحقق للحاج الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة، عليه باتباع مناسك الحج منسكا تلو الآخر، وأن يحرص على ذكر الله تعالى في كل لحظة وحين، فيستغل أيام الحج في الذكر والعبادة، ويبتعد عن اللغو والنميمة والغيبة؛ فقد قال الله تعالى: «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسوقَ وَلا جِدالَ في الحَجّ»، ما أجمل تربية الحج للحاج على الذكر والدعاء والتضرع والمناجاة!

ومن المعاني البليغة للحج التي ذكرتها السيابية أنه: «من جميل ما في الحج أنك ترى التطبيق العملي للمساواة بين الناس، فالناس على الرغم من اختلاف أجناسهم وألوانهم، واختلاف لغاتهم وأوطانهم، فهم أخوة في الدين متساوون، فلا فرق بينهم إلا بالتقوى، كما قال الله تبارك وتعالى: «إنَّ أكرَمَكُم عِندَ اللهِ أتْقاكُم»، كما أنه فرصة للتعارف وتقوية العلاقات بين المسلمين، فتتصافح الأيدي، وتتآلف القلوب، ويسود التعاون والتسامح بينهم. وتقول مروة السيابية: «الحج رحلة عظيمة مملوءة بذكر الله تعالى، ففي التلبية ذكر لله تعالى، وفي الطواف ذكر لله عز وجل، وفي السعي ذكر لله العظيم، وفي عرفات ذكر ودعاء ورجاء وافتقار لله تعالى، في مزدلفة توحيد وتسبيح وتنزيه لله تعالى، يقول الله تعالى: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ». كذلك أيام الحج واليوم العاشر من ذي الحجة، وأيام التشريق، وذبح الهدي، كلها أيام ذكر لله تعالى، يقول الله تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِين».