No Image
إشراقات

البشارة في القرآن الكريم

09 مارس 2023
تأملات قرآنية
09 مارس 2023

نجد القرآن الكريم يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم ثوابا عظيما عند ربهم، فتجده في خاتمة مجموعة من الآيات يقول: «وبشر المؤمنين» و«بشر المحسنين» وهذه بشارة لهم في الدنيا لما ينالهم من الأجر والعناية الإلهية والتوفيق وفي الآخرة جنات النعيم جزاء لأعمالهم، والبشارات في كتاب الله متنوعة ومتعددة، منها ما يستخدمها القرآن على سبيل الحقيقة ومنها ما يطلقها مجازا، فتجده يبشر المؤمنين بالجنة، وفي المقابل يبشر المشركين والمنافقين بأن لهم النار، و أكد القرآن على أنه يرسل المرسلين مبشرين ومنذرين، كما نجد في القرآن الكريم بشارات بالأولاد، وبشارات بالمطر.

ومن أعظم البشارات على هذه البشرية هي البشارة التي ساقها سيدنا عيسى عليه السلام إلى قومه من بني إسرائيل وهي بشارته بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن رغم هذه البشارة الموجودة في كتبهم السماوية إلا أنهم أعرضوا عن اتباع الحق فقال تعالى في سورة الصف: «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)».

ويؤكد القرآن الكريم في الكثير من آياته أن الله تعالى أرسل المرسلين مبشرين ومنذرين، لتقوم عليهم الحجة في وصول الحق إليهم فقال تعالى في سورة النساء «رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)»، ويخاطب الله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن هذا القرآن الكريم أنزل عليه ليبشر به المتقين، وينذر به القوم الجاحدين، فقال في سورة مريم: «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97)» ويؤكد الكتاب العزيز هذا المعنى في سورة الإسراء بقوله: «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)» وقال في سورة الكهف: «قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا» (2) وهذا شأن كل المرسلين في تبليغ دعوة ربهم إلى قومهم فقال في سورة الكهف: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا» (56).

والمؤمنون الصادقون يزف الله لهم البشارة بالرحمة والرضوان والجنة، فقال تعالى في سورة التوبة: «يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ» ويمعن القرآن في وصف الجنة التي يبشرهم بها فقال في سورة البقرة: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (25) بل لا يكتفي القرآن بأن يبشرهم في الدنيا بالجنة، وإنما يبشرهم في حياة البرزخ بإخوانهم المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم أن لا خوف عليهم فقال تعالى في سورة آل عمران: «فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (170).

وقد بشر الله الأنبياء والصالحين بالذرية فنجد أن الله بشر مريم بنت عمران عن طريق الملائكة بالنبي عيسى المسيح عليه السلام فقال تعالى في سورة آل عمران: «إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» (45) وبشر الله زوجة إبراهيم عليه السلام بابنيها إسحاق ويعقوب، فقال في سورة هود: «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ» وهي البشارة نفسها التي بشر بها إبراهيم عليه السلام في سورة الحجر في قوله تعالى: « قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ» (53) وكذلك بشر الله زكريا عليه السلام بابنه يحيى بعد أن ألح على الله في طلب الذرية كما حكى ذلك القران الكريم في سورة مريم: «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا» (7).

ويحكي القرآن حال المشركين الذين يبشرون بالأنثى من اسودادِ وجوههم وكيف انه يختبئ عن الناس من فساد فطرته، لأنه بشر بالأنثى فقال تعالى يحكي حال هؤلاء بقوله في سورة النحل: « وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)» ويريد القرآن أن يبين تناقض هؤلاء القوم الذين كانوا على الجاهلية فهم ينسبون للرحمن البنات تعالى الله عن الذرية علوا كبيرا، بينما يسود وجوههم إذا رزقهم الله الأنثى فقال في سورة الزخرف: « وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ» (17).

ومن الأمور التي ذكرها الله على سبيل البشارة هو إرسال الرياح من رحمته تعالى فهي تسوق السحاب وتجري السفن في البحر وتسوق المطر، فقال تعالى في سورة النمل: « أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (63)، وقال في سورة الفرقان: «وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا(48)»، وقال في سورة الروم: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ويؤكد الله هذا المعنى في السورة نفسها بقوله: «اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)»

وأما بشارة القرآن للمشركين فهي على سبيل التهكم والسخرية منهم ففي العادة البشارة تطلق على الأخبار الطيبة الجميلة، ومن باب التهكم عليهم والسخرية منهم، أنه زف لهم بشارة العذاب الأليم، فقال في سورة آل عمران: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)» وهذا الأسلوب استخدمه القرآن الكريم مع المنافقين في سورة النساء بقوله:«بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» وبشر بالعذاب الأليم أيضا من يكنزون الذهب والفضة فقال في سورة التوبة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ » وبشر بالعذاب الأليم أهل الكبر والغطرسة الذين يسمعون آيات الله فيصرون على كفرهم وطغيانهم فقال في سورة الجاثية: «يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»، ويؤكد الله هذا المعنى في سورة لقمان بقوله: «وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ».