No Image
إشراقات

الأمن في كتاب الله

27 أبريل 2023
تأملات قرآنية
27 أبريل 2023

المتأمل في كتاب الله يجد أنه عني بموضوع الأمن، واستخدمه في سياقات مختلفة من آيات الذكر الحكيم، وذلك لما يمثله هذا الموضوع من أهمية بالغة بها يطمئن الإنسان إلى العيش في كرامة وسلام، آمنا على نفسه وأهله وماله، لا يكدر عيشه خوف، ولا يزعزع طمأنينته إجرام أو بطش، بل ويمارس الإنسان بعد حصوله على هذا الأمان شعائره الدينية كما بينت الآيات الكريمات، فالله جعل بيته الحرام أمنا للناس، لكي يستطيع الناس تأدية المناسك التي تكون فيه في سلام وطمأنينة فقال تعالى في سورة البقرة: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»، ولو نظرنا إلى آيات التمتع في الحج، لوجدنا أن الله تعالى أورد فيه موضوع الأمن فقال تعالى: «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» أي إذا كنتم في أمن وصحة فلكم أن تتمتعوا وتحلوا من الإحرام إلى وقت الحج.

وكذلك في فريضة الصلاة فقد سمح الله تبارك وتعالى أن يصلي الخائف وهو يمشي على رجليه أو وهو راكب على دابته على غير اتجاه القبلة، ولكن مع توفر الأمن فليصلي صلاة الآمن فقال تعالى «فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ».

ويحدثنا الله تبارك وتعالى عن أهل الكتاب ويحذر المسلمين من الاغترار بهم، فمنهم من تأمنه على المال العظيم ولكنه أمين فيؤديه إليك، ومنهم من تأمنه على دينار ولكنه لا يؤديه إليك إلى بعد مطالبته ومقاضاته فقال تعالى في سورة آل عمران: «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ».

ولننظر إلى التكاتب في الدين فقال تعالى في كتابه العزيز: «وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» فأي أنكم إذا لم تجدوا كاتبا أو أدوات كتابة الدين، فليأخذ الدائن من المدين رهنا يرجعه إليه بعد تأدية الدين، وإذا وجد شرط الأمانة وأمن بعضكم بعضا في تأدية الأمانة، فليؤدي الذي اؤتمن أمانته.

وقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض، وتمكين الدين الذي اختاره وارتضاه لهم، وينعم عليهم بنعمة الأمن بعد الخوف فهذه النعمة ذكرها الله مباشرة بعد الاستخلاف في الأرض والتمكين في الدين، وذلك لأهميتها كركن أساسي من أركان الحياة الكريمة المطمئنة الوادعة التي يستطيع فيها الإنسان ممارسة حياته اليومية، وممارسة عبادته، من غير أن ينغص عليه خوف أو فزع، فقال تعالى في سورة النور: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».

حتى في مواقف الحرب، يمد الله بعنايته ورعايته للمؤمنين أسباب الأمن، فقال تعالى في حكايته عن يوم بدر في سورة الأنفال: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ» فقد أنزل الله على المؤمنين النعاس لكي يرتاحوا ويطمئنوا وتسكن أنفسهم، كما أنه أنزل عليهم المطر ليطهرهم، ويذهب عنهم وسوسة الشيطان ويقوي العزائم ويثبت الأرض.

وإذا أتينا إلى غزوة أحد نجد أيضا أن الله تعالى أرسل على المؤمنين النعاس الذي وصفه الله بـ«أمنة نعاسا» من بعد الغم، فقال تعالى في سورة آل عمران: «ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ».

كما حكى الله عن المنافقين أنهم إذا سمعوا أخبارا عن سرايا المسلمين من أخبار الأمن وهو نصر المؤمنين على أعدائهم، أو الخوف، ونيل الأعداء من المؤمنين أذاعوه ونشروه وبثوه بين المسلمين من قبل أن يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قبل أن يبثه أولي الأمر، فقال تعالى في سورة النساء: «وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً».

وكذلك تحدث الله عن المنافقين في المدينة الذين يريدون أن يأمنوا على أنفسهم وعلى قومهم ولكنهم في الوقت نفسه يثيرون الفتن بين المسلمين، فإن لم يعتزلوا المسلمين ويكفوا أيديهم وشرورهم، فاقتلوهم، وذلك لأنهم مصدر زعزعة لأمن المجتمع المسلم فقال تعالى في سورة النساء: «سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً».

ومن ناحية أخرى نجد أنه لو استجار أحد من المشركين بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فأمر بأن يجيره، ويسمع كلام الله ثم يبلغه إلى مأمنه حيث يكون آمنا فقال تعالى في سورة التوبة: «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ».

ونجد القرآن يخاطب المشركين كيف أنهم يخوفون المسلمين من الأوثان بينما هم أشركوا بالله، فمن من الفريقين أحق بالأمن فقال في سورة الأنعام: «وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ». ويبين الله في هذه السورة أن المؤمنين الذين لم يرتكبوا ظلما فأولئك لهم الأمن فقال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ».

ويخاطب أهل القرى كيف أنهم أمنوا بأس الله ولا يأمن بأس الله ومكره إلا القوم الخاسرون فقال في سورة الأعراف:» «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ»، «أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ»، «أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ». وقال تعالى في سورة يوسف: «أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ»، وقال في سورة النحل: «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ» وقال في سورة الإسراء: «أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً* أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعا»، وقال تعالى في سورة الملك: «أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ ﴿أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ».

وحكى الله في قصة يوسف -عليه السلام- وإخوته وأبيه فقال ربنا في سورة يوسف: «قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ» فأجابهم يعقوب -عليه السلام- بقوله: «قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».