وسائل التواصل والإعلام: المصب والمكب

15 فبراير 2022
15 فبراير 2022

في الثامن من فبراير الجاري غرد إيلون ماسك - أثرى شخص في العالم - عبر حسابه في تويتر بالآتي: «سؤال حقيقي: لماذا تكرس وسائل الإعلام نفسها كقنوات للكراهية؟» ثم أتبعها بالتوسع فيما يود الوصول إليه قائلا: «إن من الواضح أن معظم القنوات الإخبارية تحاول الإجابة على السؤال الآتي: ما أسوأ شيء يحدث حول العالم اليوم؟ إننا نعيش في كوكب كبير! وبالتأكيد فإن هنالك عددا من الأمور السيئة التي تحدث بشكل يومي في مكان ما وفي وقت معين. ولكن التركيز دون كلل أو ملل على تلك الأمور السلبية لا يعكس أبدا صورة دقيقة عن الواقع». انتهت تغريدات إيلون ماسك.

بالنسبة لشخص مثل إيلون ماسك كونه صاحب أكبر ثروة شخصية في العالم، فإن من السهولة أن يقوم بامتلاك أو شراء أو تأسيس قنوات إعلامية أو منصات تواصل خاصة به من أجل تمرير أجنداته أو على الأقل إبداء محاولة منه من أجل تعديل الوضع الإعلامي عالميا الذي لا يبدو أنه مرتاح تماما تجاهه في صورته الحالية. وعموما ألا يفعل ذلك كثير من أصحاب الثروات حولنا؟ لكن بالتمعن في رسالة تغريدة إيلون ماسك فإن ما يمكن استخلاصه يتمحور حول عنصرين؛ أولهما أن ليس كل ما يتم إبرازه في وسائل التواصل والإعلام يعكس الصورة الواقعية في العالم ككل، وثانيهما أن هذا الوضع وما ينتج عنه من تبعات على مستوى تشكيل تصورات الجمهور لا يمكن أن يكون صحيا أبدا.

وقد تقود وجهة نظر إيلون ماسك تلك إلى إعادة النقاش حول مدى حضور السلبية في المحتوى الإعلامي عبر مختلف وسائل الإعلام، وكذلك عبر الأطروحات ووجهات النظر والحوارات التي تشهدها منصات التواصل الاجتماعي. لا يجد الخبراء البريطانيون في مجال التواصل والإعلام حرجا في مشاركة وجهات نظرهم تجاه منصات التواصل الاجتماعي في أكثر من مناسبة علنية، فقد أشاروا في غير مرة - على سبيل المثال - أن منصة تويتر لا تعدو بالنسبة لشرائح واسعة من المجتمع البريطاني «ساحة مظاهرات افتراضية» يتوجه إليها الأفراد بقضاياهم الشخصية، أو المجموعات التي تتشكل وفق عوامل مشتركة بينها، من أجل التعبير عن رفض سياسة ما أو المطالبة بشيء ما أو انتقاد جهة أو مسؤول أو مؤسسة. ولعل ما يفسر تلك النظرة البيانات والتحليلات التي تفرزها أنظمة تحليل الشبكات الاجتماعية، والتي تبين في معظم الحالات انتشارا أوسع للعاطفة السلبية Negative Sentiment تجاه المؤسسات والقضايا بالنسبة إلى العاطفة الإيجابية Positive Sentiment إلا فيما ندر، إضافة إلى ما يمكن ملامسته من تصاعد للأخبار والموضوعات ذات الطابع السلبي واحتلالها الصدراة في قوائم الموضوعات الأكثر رواجا، مقارنة بالأخبار والموضوعات ذات الطابع الإيجابي. وقد يكون مؤشرا جيدا مقارنة مدى تفاعل وسائل التواصل والإعلام مع خبر إغلاق جزء من عمليات أحد المصانع في دولة ما على سبيل المثال مع خبر افتتاح مصنع جديد في ذات الدولة، أو خبر استقالة شخص من مسؤوليته مقابل خبر تعيين شخص في مسؤولية مشابهة.

إلا أنه وفي المقابل تتحتم أهمية طرح التساؤل حول الغاية من وجود وسائل التواصل والإعلام إذا لم يتم توجيهها من أجل السعي إلى الأفضل عبر نقد الواقع وتسليط الضوء على ما يمكن أن يعيق أو يبطئ من جهود الدول وسعيها نحو تحقيق طموحات مجتمعاتها. لذا فإن توسيع النظرة تجاه وسائل التواصل والإعلام من أجل فهم كامل لدورها سواء في إبراز الجهود والجوانب الإيجابية والمنجزات بل والترويج عنها، أو في لفت الانتباه إلى ما يستدعي الوقوف عليه ولا يكون بالضرورة ضمن نطاق انتباه الجهات المعنية بالقدر الكافي أو في الوقت المناسب. إن من أبرز الأمثلة التي قد تكون مألوفة لدى بعض المهتمين هو أنه ومع تصاعد وتيرة انتشار منصات التواصل الاجتماعي في بداية العقد الثاني من هذه الألفية، بدأت بعض المشكلات في أحد القطاعات الخدمية بالطفو على السطح رغم تكريس المؤسسات العاملة في ذلك القطاع جهودا وموارد كبيرة من أجل تلقي وإدارة وحل الشكاوى والبلاغات، ما دفع إحدى تلك المؤسسات إلى إجراء تغييرات إدارية طالت بعض القائمين على إدارة منظومة الشكاوى والبلاغات فيها، ذلك أن العديد من المستفيدين من تلك الخدمة بدأوا في اللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي - العامة بطبيعتها - عوضا عن قنوات الشكاوى والبلاغات التقليدية - المغلقة - وبذلك تتمكن الإدارات القائمة على المؤسسات من معرفة مدى كفاءة منظومة خدمة المستفيدين بأبسط ممارسات الرصد عبر تلك المنصات.

إن من أبرز دوافع السلبية عند العديد من المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي هو أنهم اعتادوا النظر إليها من تلك الزاوية أصلا، وخصوصا أن ما يثار عبر تلك المنصات من انتقادات عادة ما يقابل بتجاوب أسرع وأكثر كفاءة من التجاوب الذي قد تلاقيه شكاوى أو بلاغات أو ملاحظات موجهة بشكل شخصي عبر مراكز الاتصال أو منافذ الخدمة. إلى جانب ذلك قد تكون هنالك فئة من بعض من يتصور إليهم أنهم على قدر كاف من المعرفة بموضوع ما لدرجة تؤهلهم لتوجيه الملاحظات والانتقادات حولها، في حين أن ذلك القدر في الواقع غالبا ما يكون ضحلا بحيث تكون الانتقادات الموجهة حوله غير مكتملة. ولا يمكن في هذا السياق توجيه اللوم إلى أولئك الأشخاص فحسب رغم مسؤوليتهم تجاه أنفسهم في الاستزادة من المعرفة ومسؤوليتهم تجاه المجتمع في طرح المعلومات والحقائق الصحيحة، بل إن هنالك مسؤولية تقع على عاتق المؤسسات تتلخص في مدى سعيها لتوعية الجمهور بطبيعة عملها والعوامل المؤثرة فيها ومدى التقدم في مشروعاتها وخططها المستقبلية، وذلك من أجل تجسير الفجوة بينها وبين جمهورها، وهو ما من شأنه تحويل الطاقة الموجهة في النقد المصحوب بالسلبية والتهكم وعدم الثقة إلى النقد البناء الذي يسير بالمؤسسة نحو الأمام.

بدر الهنائي مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية