ملامح مستقبل التحالفات الأمريكية

24 أبريل 2024
ترجمة: أحمد شافعي
24 أبريل 2024

لم تكن القمة الثنائية للتحالف الأمريكي الياباني بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء كيشيدا فوميو محض انطلاق لأكثر من سبعين عنصرا مستهدفا تشمل التعاون بين الوكالات، والدفاع، والفضاء والتعليم والتكنولوجيا، ولكنها أطلقت أيضا تعاونا ثلاثيا جديدا مع الفلبين (على مستوى القمة على الأقل)، مضيفة المزيد من الشراكات متعددة الأطراف إلى المعجم الذي يضم حاليا اختصارات من قبيل أوكوس (أي أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) و«الحوار الاستراتيجي الثلاثي» الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، و«الحوار الأمني الرباعي» المعروف بـكواد.

يثير احتمال ضم اليابان إلى المرحلة الثانية من أوكوس (المعروفة بالعمود الثاني Pillar 2) احتمالية أن يشهد الأفق قرب ظهور «كواد» ثان. وتلقى ثلاثية (الولايات المتحدة-اليابان-الفلبين) ترحيبا خاصا في وقت تحاول فيه السفن الصينية تنفيذ استراتيجية خانقة في المنطقة التابعة لمانيلا ببحر الصين الجنوبي.

تأتي إضافة تجمع جديد إلى وفرة قائمة حقا من التجمعات الصغيرة سؤالا حول مستقبل بنيان الأمن في المنطقة. يتمثل النهج الحالي في وضع تجمعات صغيرة قبالة نظام سان فرانسيسكو التقليدي المعروف بـ«المحور والأطراف» (أي النظام القائم على التحالفات الثنائية الذي اتبعته الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي بعد الحرب العالمية الثانية)، بما يضيف باطراد شركاء وقدرات ومناطق تعاون. وبرغم النجاح المتزايد لهذا النهج، ففيه على الأقل ثلاث قضايا شائكة طويلة الأمد.

أولا: هذا التعاون الثلاثي الجديد سوف يضيف أعباء على مسؤولي الدبلوماسية والدفاع في الولايات المتحدة واليابان المثقلين أصلا بالتزامات تجمعات أخرى. صحيح أن الوزارات يمكن في الوقت الراهن أن تتولى الأمر ولكن ما مدى قابلية نهج الإنهاك القائم للدوام؟ إذ يقال إننا بلغنا الحد الأقصى لعدد الشراكات الثلاثية التي يمكن أن نديمها بقوة العمل الحالية، وبالموارد والمدى الزمني المتاح لنا.

ثانيا: تغير شكل التهديد في المنطقة تغيرا كبيرا منذ قامت أولى التجمعات الصغيرة في حقبة ما بعد الحرب الباردة. وكان أول تجمع ثلاثي قد تأسس بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية سنة 1994 للتعامل مع أزمة كوريا الشمالية النووية (بجانب السلطة الجماعية لمنتدى الهادئ).

والآن لدينا الصين بما لها من مطامح إقليمية وعالمية، والتي دأبت على استعراض القوة العسكرية باطراد لتتمكن من تأمين هذه المطامح. وجاء إنشاء قوة حربية شاملة قوامها ثلاثمائة وخمسون سفينة، بجانب تحديث التكنولوجيا والعقيدة، ليكتمل بجزر عسكرية في أرجاء بحر الصين الجنوبي، بما يعزز استراتيجية محاولة تأمين السيادة على مسار شحن عالمي أساسي -في بحر الصين الجنوبي- عبر التهديد باستعمال القوة القسرية.

فيهدد هذا سيادة بروناي وماليزيا وفيتنام وإندونيسيا والفلبين، هذا ولم نصل بعد إلى التهديد الحقيقي للغاية لديمقراطية تايوان. ولقد كان موقف الصين من الأمن الإقليمي هو انتقاد نظام التحالفات التقليدي ونشر المعلومات المضللة والدعاية المضادة للتجمعات التي نشأت عنه.

ثالثا، لا بد من القبول بأنه في حين أن ترتيبات التجمعات الصغيرة يعزز الأمن لأعضائها، فإنه لا يوفر الأمن الجماعي، إذ تفتقر هذه التجمعات إلى توقعات الدفاع والضمانات الرسمية وغير الرسمية. وبرغم أن الولايات المتحدة كثيرا ما تشكل عقدة حرجة، بكونها حليفا لشريكين آخرين في التجمعات الصغيرة، فإن عامل الردع المضمون في التجمعات الصغيرة لا تعززه نفس قوة التحالفات عديدة الأطراف.

صحيح أن هناك تأثيرات طويلة الأمد قادرة على تعزيز الردع -من قبيل التطوير المشترك لتكنولوجيات الدفاع بالغة الأهمية، أو تعزيز القتال الحربي المشترك- ولكن هذه التأثيرات بطيئة التشكُّل وتتم في الخفاء، إن جاز التعبير. إذن فبالرغم من كل جلبة التجمعات الصغيرة فإنها لا تتمتع بقدرة حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف واحد متعدد الأطراف يتمتع بمصداقية المادة الخامسة.

في الوقت الذي خططت فيه الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والفلبين لأول مناورات بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي للدفاع عن «سيادة القانون أساسا للسلمية والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ»، كان على مشغلي السفن أن يضعوا خططا للالتفاف على هذا الواقع.

ثمة شيء من التناقض في حقيقة تتفق عليها أغلب دول المنطقة وهي أن الأمن الإقليمي تدهور تدهورا ملحوظا، حيث يزعم أربعة من كل خمسة في جنوب شرق آسيا أن رابطة دول جنوب شرق آسيا غير فعالة في التعامل مع تحديات اليوم. وفي هذا السياق، ثمة وقع تاريخي للقاء بايدن وكيشيدا والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس.

ففي نهاية المطاف، لعبت هذه البلدان الثلاث دورا فعالا في محاولة ناشئة لتأسيس حلف المحيط الهادئ فيما بين 1949 و1950، وقد بدأ ذلك الحلف باقتراح من الرئيس الفلبيني آنذاك إلبيديو كويرينو، وروّج له جون فوستر دالاس في المنطقة ولكنه لم يجد في نهاية المطاف استحسانا كبيرا، من رئيس وزراء اليابان بعد الحرب يوشيدا شيجيرو. وبحلول فبراير 1950، كانت الفكرة قد ماتت، وباستثناء منطقة سياتو، كانت التجمعات قد ماتت في المنطقة.

غير أن نجاح حلف شمال الأطلسي التاريخي في الحفاظ على السلام في القارة الأوروبية أثمر مناهج عديدة صغيرة تجاه الأمن متعدد الأطراف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقد ازدهرت هذه خاصة بعد نهاية الحرب الباردة.

في عام 2002، بدأ تجمع ثلاثي آخر بين الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، بمبادرة من كانبيرا فأثمرت تلك الخطوة إنشاء تجمع التكنولوجيا والأمن والدفاع ومنتدى التعاون الأمني والدفاعي (SDCF) بعد ذلك بوقت قصير.

وتطور إنشاء (المجموعة الأساسية) في عام 2005 -وقد نشأت في البداية للتعامل مع تسونامي المحيط الهندي- إلى المجموعة الرباعية الحالية، التي أدخلت الهند في مخيم التجمعات الصغيرة المتنامي.

بدا أن أنشئ أوكوس في عام 2021 قد طغى على كل مجموعات «القدرة الموحدة» هذه من حيث النية الاستراتيجية، ومن حيث العناوين الرئيسية، ومن حيث الموارد بعيدة المدى. وفي حين أنه من البديهي أن هذه الجماعات «ناجحة»، فإن الأسباب الثلاثة تشير إلى أنها قد تكون ضرورية ولكنها ليست كافية للحفاظ على السلام والأمن في المنطقة.

ودفاعا عن النهج الحالي، فمن الواضح أنه سمح لواشنطن وطوكيو بناء ترتيبات أمنية شبكية بطريقة تدرُّجية، والتغلب على العداء السياسي والجمود البيروقراطي الذي لا يزال يطارد مناقشات أي ترتيبات دفاعية جماعية في المنطقة.

ويحسب لآلة الدعاية الرائعة التي تستخدمها الصين أن الدول الأكثر عرضة للخطر من افتراسها الإقليمي هي الأكثر عداء لأي حل على طريقة «حلف شمال الأطلسي في آسيا».

وبهذا المعنى، توفر التجمعات الصغيرة حلا مؤقتا، أو حلا بديلا يسمح لجيوش تلك الدول الأكثر اهتماما بإضفاء الطابع المؤسسي على علاقات العمل، وزيادة لقابلية العمل المشترك، والقدرات المتكاملة. وتساعد إضافة الفلبين إلى حد ما في أن تظهر لدول الأخرى حلا محتملا لمشكلتهم المشتركة.

وبرغم هذا كله، فإن من يتخوفون من إمكانية استخدام الصين للقوة في تغيير الحدود -سواء البحرية أو غيرها- يجب أن يبدأوا بفتح عقولهم لترتيبات الدفاع الجماعي. ولعل الوقت ينفد لإقامة آلية ردع حقيقي في المنطقة تتسم بالاستدامة والقابلية للحياة.

وفي هذا كله، وبرغم أن الولايات المتحدة ظلت المهندس الرئيسي لنظام سان فرانسيسكو، فمن الواضح أيضا أن آخرين -من قبيل أستراليا وكوريا الجنوبية والفلبين واليابان- بحاجة إلى التفكير في نوع الترتيب الجماعي الذي يناسب بلادهم خلال العقود القادمة على العالم.

من بعض النواحي، كانت اليابان عامل تمكين رئيسي للتغييرات التي حدثت حتى الآن. وقال كيشيدا في تصريحاته أمام مجلسي الكونجرس: إن «شراكتنا تتجاوز العلاقات الثنائية...فمن هذه المساعي المختلفة ينشأ إطار إقليمي متعدد الطبقات يمثل تحالفنا فيه قوة مضاعفة».

قد يبدأ خبراء الأمن اليابانيون في طرح مفاهيم الأمن الجماعي على حلفائهم بطريقة تؤدي إلى بدء العمل. ولعل مستقبل المنطقة كلها يعتمد على ذلك.