مساعي جنوب إفريقيا لتتحقق العدالة في غزة

06 يناير 2024
06 يناير 2024

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

طالبت الحكومة في جنوب إفريقيا محكمة العدل الدولية بإصدار بيان عاجل يعلن أن حكومة إسرائيل تنتهك اتفاقيات جنيف بعد أن التزمت بها -منذ عام 1949 بما يعرف باتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية المدنيين في أوقات الحروب- وذلك بسبب المجازر الجماعية التي ترتكبها بحق الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة.

وأشادت «الحركة الدولية من أجل عالم عادل» والتي يرمز لها بـ «JUST» - وهي منظمة دولية تأسست عام 1992 بهدف حفظ كرامة الإنسان وضمان وصول حقه العادل ومقرها كوالالمبور- بالخطوة التي قامت بها حكومة جنوب إفريقيا.

ومن الواضح أن إسرائيل تسعى من خلال قصفها العنيف على الأرواح والعمران في قطاع غزة إلى تدمير المجتمع الفلسطيني، بل ومسح هويته «بشكل كليٍّ أو جزئي»، وهذا ما يعد انتهاكا صريحا لاتفاقيات جنيف.

وإلى غاية يوم الثلاثاء الماضي، واستنادا إلى العديد من المصادر، بلغ إجمالي عدد الشهداء في قطاع غزة أكثر من 22000 فلسطيني، قتلوا على يد قوات الجيش الإسرائيلي، وكذلك على يد المستوطنين الإسرائيليين الذين يحملون السلاح، ويشمل هذا العدد من الشهداء 9000 طفل و 6500 امرأة بشكل تقريبي.

وإلى جانب ذلك تفرض الحكومة الإسرائيلية إجراءات مشددة ومعقدة تحول دون وصول المساعدات الغذائية لأهالي غزة، وكذلك وصول الماء والتيار الكهربائي وحتى الأدوية، وذلك منذ اندلاع الأعمال العدوانية قبل 3 أشهر، ردا على أعمال المقاومة التي قادتها حماس في السابع من أكتوبر الماضي، والآن تواجه مجموعات كبيرة من الفلسطينيين في قطاع غزة العديد من المشكلات، الأمر الذي يرجح بشكل كبير حدوث مجاعة حادة.

إضافة إلى ذلك ما تم من تدمير للمستشفيات، والمدارس، والعديد من المرافق العامة الأخرى، وأجزاء كبيرة من البنى الأساسية في غزة، وبالحقيقة، لقد تم فعلا تدمير غزة بما في ذلك أراضيها الزراعية، وأصبحت هذه البقعة الجغرافية الشريطية ذات المساحة 363 كيلومترا مربعا بقعةً غير صالحة للعيش على الأغلب.

واقتنع الناس حول العالم بأن ما تقوم به إسرائيل من قتل وتدمير في غزة هو مثال صارخ لشكلٍ من أشكال التطهير العرقي، وهذا العمل يبدو أنه ضمن خطة إسرائيل ومرحلة من مراحل الاحتلال الذي بدأ منذ نشأة الكيان عام 1948.

عقاب جماعي

الأمر لا يتعلق بما قامت به حماس في السابع من أكتوبر، بل حتى قبل ذلك كان قطاع غزة واقعًا تحت الحصار الإسرائيلي، برًا، وبحرًا، وجوًا، وفي عام 2006 زاد هذا الحصار والخناق، وهو أسلوب اتبعته إسرائيل كنوع من العقاب الجماعي لأهالي غزة، وخاصة الذين انتخبوا حركة حماس لتكون هي الحاكمة للقطاع.

وفي ذلك العام شهد المراقبون الدوليون على عملية الانتخاب الذين تكونوا من «الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي» شهدوا أن الانتخابات كانت نزيهة وشرعية، إلا أن إسرائيل لم تكن تريد هذه النتيجة.

واليوم تكشف إسرائيل من خلال ما تقوم به منذ انتخاب حماس في غزة عن حقيقتها الواضحة، وحقيقة نظامها الموصوف من قبل الغرب بأنه النظام الديمقراطي الوحيد بالمنطقة، تكشف أنها مجردة من الالتزام بأدنى مبادئ الديمقراطية.

انتخابات غزة لم تكشف عن حقيقة إسرائيل فحسب، بل هي كذلك تخلع قناع الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وتكشف عن وجهه القبيح، فبعد فوز حماس قرر هذان الكيانان الديمقراطيان المزعومان فرضَ عقوبات على غزة، بعدما أكدا أن الانتخابات شرعية ونزيهة.

ما حدث في 2006 ليس نهاية الحكاية، فبداية من عام 2008 و 2009 تعرض قطاع غزة لعمليات عدوانية متسلسلة من قبل الحكومة الإسرائيلية، والهجوم الحالي هو الهجوم السادس، وأيةُّ محاولات فلسطينية تؤكد على حقوق شعبها الأساسية تواجهه إسرائيل بقمع حاد.

وعلى مر تاريخ غزة، لم يسمح لها بتاتا بتعزيز قوتها الاقتصادية، وهذا ما يفسر وجود الفقر في غزة على نطاق كبير، حتى أن نسبة البطالة بين شباب غزة وصلت إلى حوالي 60 %، ويعيش في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة حوالي 2.3 مليون إنسان، وهذا ما يجعل غزة واحدة من أكثر المناطق ازدحاما على وجه الأرض.

وما يعمق المشاعر المؤلمة في غزة أن أغلب سكانها ينتمون إلى العائلات اللاجئة التي فرت من الاحتلال الإسرائيلي الأولي عام 1948.

واليوم، انتشرت قصة غزة، وأصبح الناس بشكل متزايد يعرفون حكايتها، وأصبح العالم متعاطفا بشكل متزايد مع سكان غزة المحاصرين، وما يؤكد ذلك أن 153 دولة رفعت مطالباتها بالوقف الفوري لإطلاق النار على غزة، وذلك في تصويت تم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر الماضي، وهو أمر يؤكد كذلك أن هناك قلقا عالميا لما يحدث من مأساة في حق الشعب الفلسطيني.

وتعد جنوب إفريقيا من طليعة الدول التي تبنت هذا الموقف، ليس الآن فحسب، بل لعقود من الزمن، وكانت أصوات زعماء جنوب إفريقيا -ما بعد الفصل العنصري- من أكثر الأصوات التي ارتفعت مطالبة بإدانة تعامل إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

وقد أدرك كل من «نيلسون مانديلا» الذي حكم جنوب إفريقيا ما بين 1994 و 1999، والقس «ديزموند توتو» الحائز على نوبل للسلام عام 1984، أدركا أن ما تقوم به إسرائيل من تمييز عنصري وتهميش السكان الأصليين الفلسطينيين هو أقرب إلى «الفصل العنصري»، ويرجع هذا الموقف إلى تجربتهما الشخصية مع ما عانت به إفريقيا من «فصل عنصري» ومساعيهما للقضاء عليه، واليوم يرى قادة وشعب جنوب إفريقيا أن ما تعانيه فلسطين أشبه بحالهم، وهذا ما يجب على الدول الأخرى من الجنوب العالمي القيام به أيضا من مناصرة الحق الفلسطيني.

شاندرا مظفر رئيس الحركة الدولية من أجل عالم عادل «JUST»

نقلا عن آسيا تايمز