مركز للدراسات المعاصرة

21 يونيو 2021
21 يونيو 2021

إنشاء مراكز متخصصة للبحوث والدراسات في بلادنا كان وما يزال موضوع تمنٍ و نقاش وبحث بين عدد كبير من الناس، خاصة من المثقفين والمهتمين بقضايا المجتمع والدولة. وتتعدد الأفكار حول تلك المراكز وأهدافها بتعدد اهتمامات الأشخاص الداعين لإنشائها، فبعضهم يرى إعطاء أولوية للجوانب الاقتصادية وآخر يركز على القضايا السياسية والأمنية وآخرون يركزون على القضايا الاجتماعية والقانونية، وهناك أيضا المهتمون بقضايا العلوم والتقانة بجوانبها المختلفة.

وقد أثمرت تلك الدعوات بعض المراكز، وربما كان المهتمون ببعض المجالات أكثر حظًا من آخرين في تحقيق أمانيهم، وذلك بفضل ما أُنشئ من بعض المراكز والبرامج البحثية، وعلى رأسها مجلس البحث العلمي.

قبل أيام ورد في الأخبار أنه أنشئ مركز دراسات باسم «مركز الدراسات الحضارية»، وذلك ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة الثقافة والرياضة والشباب. وبالإعلان عن هذا المركز تحققت فكرة طرحها سابقا بعض المهتمين بالموضوع، رغم أن طرحهم لها كان من زوايا واهتمامات مختلفة.

وبالإعلان عن هذا المركز بدأت تلك الفكرة تمشي على الأرض، وهي خطوة تستحق الإشادة والتقدير.

يبدو من اسم المركز وموقعه في وزارة الثقافة والرياضة والشباب أنه سيكون مختصًا بالدراسات التي يغلب عليها الطابع التاريخي بأبعاده المختلفة، وفي ذلك خير؛ لأن التخصص مطلوب، وفي عمان كنوز حضارية يجب نفض الغبار عنها وتقديمها إلى الناس كافة، وعسى أن يتبع هذا المركز المتخصص مراكز أخرى تتخصص في مجلات أخرى.

إن مراكز أو معاهد الدراسات ليست ترفًا ولا هي من مشروعات الترفيه التي يمكن تأجيلها، وإنما هي مؤسسات لا غنى عنها لكل دولة. وقد أدركت كثير من الدول أهميتها منذ عقود أو قرون من الزمن فعملت على تأسيسها ووضع السياسات اللازمة لاستمرارها و تطويرها، ذلك أنه لا يمكن اتخاذ سياسة ولا وضع خطة ولا التواصل والتعاون مع الدول والشعوب والأمم الأخرى إلا بناء على دراسات علمية وموضوعية، تحدد الهدف من تلك السياسات والخطط، وترسم مسار الطريق المؤدي إلى تحقيقه.

ولما كانت قضايا العصر متعددة وتزداد تعقيدا، فإنه من المهم إنشاء مركز يختص بالدراسات المعاصرة يتولى دراسة ما يستجد أو يُتوقع حدوثه من أمور سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وحيث إن مراكز الدراسات والبحوث هي في غالبها مؤسسات غير ربحية وتكاليف إدارتها وتشغيلها مرتفعة، فقد عملت الدول على تقديم أو توفير مصادر تمويل لها بما لا يؤثر على استقلاليتها في تقديم المشورة وإبداء الرأي في القضايا المطروحة أو المتوقعة.

إن المؤسسات الصحفية هي من أهم المؤسسات الغنية بالمعلومات والمعطيات data عن القضايا المعاصرة، وذلك بما يتوفر في أراشيفها من معلومات خام لم يجرِ تحليلها، مصدرها الأخبار التي تنقلها، وكذلك بما تحويه نشراتها من آراء أو تحليلات أولية أو استقصاءات صحفية حول بعض القضايا المطروحة. وإذا استعانت تلك المؤسسات بدارسين وخبراء ومحللين فإن بإمكانها إنتاج دراسات مهمة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها بما يفيد الحكومة في اتخاذ السياسات والخطط والإجراءات المناسبة، وربما تفيد أيضا المستثمرين وأصحاب الأعمال والمهتمين عامة. ومن أجل تأطير وتنظيم عمل الدارسين والخبراء، الذين يستعان بهم فإنه من المهم إنشاء مركز أو معهد مختص ليعملوا في إطاره المؤسسي.

وكمثال على أهمية ذلك الإطار المؤسسي، من المناسب هنا الإشارة إلى الدور الهام الذي تؤديه مؤسسة الأهرام في مصر، وهي مؤسسة عريقة أنشأت قبل حوالي مائة وخمسين عاما، ولها عدد من المراكز في تخصصات مختلفة ويعمل بها أو لحسابها عدد من كبار الباحثين والخبراء في مختلف التخصصات. مما تتميز به مؤسسة الأهرام أنها مؤسسة حكومية، لكنها تتمتع بمرونة كبيرة في ما تنشره أو ما يعبر عنه العاملون بها من مواقف؛ لذلك فكثيرا ما نقرأ أو نسمع من أولئك الخبراء آراء حول بعض القضايا قد تبدو غير منسجمة مع الموقف الرسمي المعلن، لكنها في الواقع هي في إطار سياسة مقصودة وموجهة تسمح للدولة بتوجيه رسائل معينة إلى الداخل والخارج.

نسوق هنا نموذج مؤسسة الأهرام لندعو إلى إنشاء مركز ضمن وزارة الإعلام وتحديدا «جريدة عمان»، يستفيد مما يتوفر لدى المؤسسة من كم هائل من المعلومات تراكم على مدى سنين طويلة، سواء عن الشؤون المحلية أو الإقليمية والعالمية. ونقترح أن يكون اسم المركز هو «مركز عمان للدراسات المعاصرة». ونرى أن يستفاد في إنشاء هذا المركز من خبرات وتجارب مؤسسة الأهرام و كذلك من مؤسسات عالمية عريقة أخرى مثل المعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا Chatham House الذي أنشئ في عام ١٩١٩ ومجلس العلاقات الخارجية Council on International Relations في أمريكا الذي أنشئ في عام ١٩٢١. كلا المركزين البريطاني والأمريكي مؤسستان للبحث وتقديم الرأي والمشورة، وهما من المؤسسات غير الربحية، والعضوية فيهما مفتوحة بشروط معينة، ويصل عدد المسجلين فيهما كأعضاء إلى الآلاف، معظمهم من ذوي الخبرة و الاختصاص. كما يعمل بالمؤسستين عدد من الموظفين في وظائف ومسؤوليات متعددة، ويحقق المركزان إيرادات تزيد على مصاريفهما.

الجدير بالذكر هنا أن الإيرادات التي يحققها المركزان لا تأتي فقط من بيع الخدمات والبحوث التي يقدمانها، ولا من رسوم العضوية التي يدفعها أعضاؤهما، ولكن الأهم يأتي مما تقدمه لهما الحكومتان البريطانية والأمريكية ومن التبرعات التي يتلقاها المركزان من الحكومات والشركات والأفراد حول العالم.

وعودة إلى المركز الذي اقترح إنشاؤه ضمن جريدة عمان، فإن هناك أكثر من موضوع بحاجة إلى دراسة ويمكن تكليف المركز القيام بها فور إنشائه. ومن ذلك دراسات في مجال العلاقات والتعاون الدولي، مثل علاقة عمان المستقبلية بدول المحيط الهندي، ودور عمان في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية. كذلك يمكن للمركز المقترح القيام بدراسات تتعلق بالتنويع الاقتصادي وأولوياته وفي أي اتجاه يكون، ودراسات تتعلق بالتنمية، مثل دراسة عن برامج إلغاء الفقر وتقليل الفوارق في الدخول والثروات، ودراسة عن التطوير الإداري والإدارة المحلية. وهناك أيضًا الدراسات المتعلقة بالظواهر الاجتماعية والمشاكل الأسرية، والدراسات المتعلقة بالتوسع الحضري والتطوير العمراني، وتلك المتعلقة بالآداب والفنون والتراث الشعبي، أو المتعلقة بالرياضة وتطورها، إلى غير ذلك من موضوعات معاصرة أو متجددة، تتصل بما لدى الوزارة من معلومات ومعطيات يمكن أن يستفيد منها المركز المقترح.

** باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية.