لماذا كلمة الإرهاب تستعاد دون تمييز وفرز؟

24 أبريل 2024
24 أبريل 2024

لا شك أن مصطلح الإرهاب الذي يتداول باطراد في وقتنا الراهن، لم يطرح طرحًا صادقًا وعادلًا في الأفعال والممارسات المرفوضة كالأعمال الإرهابية التي حُددت فكريًا وسياسيًا ، متفق عليه، لكن الإشكالية أن هذا المصطلح لم يحدد بالشكل الذي يجعله ثابتًا وناجزًا في الأفعال السياسية أو الإجرامية، أو التي هي من أساليب الصراع السياسي الذي يستخدم من كل الدول التي بينها وبين الدول الأخرى خلافات سياسية أو اقتصادية أو فكرية، وحدث هذا في الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الشيوعي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حتى سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الذي يجمعه حلف «وارسو» عام 1991. وقد وقع الكثير من الصراعات المشوبة بعضها بالإرهاب الممنهج، وفيها ضحايا بصورة جزافية كبيرة، الذي لم يتوقف حتى الآن، كهدف من أهداف التوترات والحروب، وتهدف إلى إرهاب الآخر وتخويفه وإضعافه وكسر قوته، لكنها تسمى بـ(الحروب الاستباقية)! وفي بعض هذه الأهداف مقصود به لذاته بسبب الخلاف السياسي أو الفكري في أحايين كثيرة.

لكن الإشكالية التي تسهم في غموض هذا المصطلح وجعله أكثر المصطلحات التباسًا، هو عدم التفريق الدقيق بين الإرهاب كظاهرة عالمية عند الجميع في دول العالم، غير محدد بدولة أو بشعب أو بعقيدة، وبين كفاح الشعوب ونضالها لنيل حقوقها المشروعة في التحرير ومحاربة المحتل والمستعمر.

وهذه بلا شك قضية محورية يجب أن توضع في مكانها الصحيح، وتنضبط وفق مقاييس دقيقة وثابتة بعيدًا،عن الأهواء والميول والاتجاهات الأيديولوجية واختلافها، فمصطلح الإرهاب يستخدم أحيانًا بطريقة انتقائية وتلصق أحيانًا على أعمال لا تندرج ضمن مفهوم التعريف المشار إليه، وهذه مسألة تثير الارتياب في تعريفات بعض الدول للإرهاب، ومنها الولايات المتحدة على وجه التحديد، وعدم الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب نابع بالدرجة الأولى من تسييسه، ووضع الاعتبارات القانونية خارج الحسبان، رغم هويته القانونية في الأساس. وقد أدى ذلك بدوره إلى اختلاط الأوراق وتباعد المواقف، فلم يعد مستغربًا أن نشاهد حكومات، أو جماعات ترتكب حماقات، وتقوم بأعمال الإبادة البشعة بحق الإنسان، باسم مكافحة الإرهاب، ولم يعد خافيًا أن يستخدم الإرهاب -جسرًا- لتحقيق يافطات ومكاسب شخصية أو حزبية أو قومية أو إسلامية.

فعلى سبيل المثال الإرهاب الصهيوني في احتلاله وجرائمه التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني منذ تأسيس الحركة الصهيونية واتفاقات سايك/بيكو -وما يجري في غزة الآن من قتل ممنهج وتهجير وإبادة جماعية للسكان- يعد أفظع أساليب الإرهاب في عصرنا الراهن، فهذا الإرهاب الإسرائيلي ربما يفوق الإرهاب القديم بما يملكه من وسائل حديثة ووحشية منذ منتصف القرن الماضي إلى الآن، وإذا ما أردنا أن نحصي الجرائم الإرهابية الإسرائيلية، فإن عشرات الآلاف من المقالات لا تستطيع سرد كل الجرائم منذ إنشاء هذا الكيان الغاصب. فإسرائيل منذ احتلالها لأراضي فلسطين، مارست حكوماتها المتعاقبة ضد أهل فلسطين الأصليين، شتى أنواع الرعب والإرهاب والقمع، وما زال حتى الآن، التي لا يختلف عليها منصف وعادل لما جرى ويجري في فلسطين منذ عقود، وقد أشرت في كتابات سابقة إلى هذه الفظائع، عندما قامت إسرائيل بطرد الفلسطينيين من منازلهم ودمرتها على رؤوسهم وطاردتهم، ونفذت فيهم عمليات القتل والاغتيال داخل وخارج وطنهم، وصادرت الأراضي أمام مرأى ومسمع عيون وآذان العالم، ولم يتوقف الإرهاب الإسرائيلي عند هذا الحد، بل تعداه إلى الأضرار بالمقدسات وطمس معالمها؛ لكي تسوغ لهم من طمس الهوية العربية والإسلامية.

كما حصل للمسجد الأقصى الشريف أكثر من مرة يتم اقتحام المسجد وضرب المصلين وإرهابهم، ناهيك عن أعمال القتل والتدمير التي طالت أراضي عربية أخرى في لبنان والجولان السوري المحتل، تلك الأعمال الإرهابية مورست بأمر وتوجيه من أعلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بحجة الأمن الإسرائيلي أو الدفاع عن النفس مع أنه كيان محتل وغاصب، لكن مع ذلك فإن الولايات المتحدة أدارت ظهرها للقرارات الدولية الداعمة للحق العربي الفلسطيني، وصمّت آذانها عن سماع ومشاهدة الإرهاب الصهيوني اليومي، بل ودافعت عن عنصريته الصارخة وتستخدم حق النقض (الفيتو) ضد قرارات الإدانة في مجلس الأمن، إلى جانب الدعم غير المحدود عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، ما أوجد مسوغات الإرهاب عند أطراف كثيرة ومنها الطرف الإسرائيلي، وزاد من مسألة الاحتقان السياسي والتطرف من جماعات عديدة، منها الديني وغير الديني، والذي هو محصلة نهائية للإرهاب والإرهابيين في العالم، وكل طرف يتهم الآخر بالإرهاب والتطرف والعنف غير المسوغ، في غياب التعريف القاطع الجازم في هذا الأمر.

لذلك أصبح شعار الإرهاب سيفًا مسلطًا بلا معايير دقيقة لتقييده، وهذه إشكالية تساعد في ازدهاره لا في استئصاله، وهي بلا شك قضية محورية يجب أن توضع في مكانها الصحيح، وتضبط وفق مقاييس دقيقة وثابتة بعيدًا عن الأهواء والميول والاتجاهات الأيديولوجية واختلافها.

فمصطلح الإرهاب يستخدم أحيانًا بطريقة انتقائية وتلصق أحيانًا على أعمال لا تندرج ضمن مفهوم التعريف المشار إليه آنفًا، وهذه مسألة تثير الارتياب في تعريفات بعض الدول للإرهاب ومنها بعض الدول الكبرى، وليس أقوى داعم للإرهاب وثقافة العنف مثل تجاهل أسبابه الكامنة والموضوعية لقيامه وانتشاره في المجتمعات الحديثة، وخاصة في عصر الثورة المعلوماتية والعولمة في جانبها السلبي، فإن التطرف والإرهاب سوف ينمو ويقتات من هذه السلبيات التي تزداد بازدياد أنظمته العالمية الجائزة والمجحفة في تعاملها الاقتصادي وفق النظرية الداروينية (البقاء للأقوى) بدل البقاء للأصلح!

أيضًا من السلبيات التي تسهم في انتعاش ثقافة ما يسمى بالإرهاب ازدواجية المعايير في السياسة الدولية، والكيل بمكيالين عند التعاطي معها، والتي أصبحت ظاهرة تؤرق العالم، والشعور بالظلم إزاء بعض القضايا التي باتت تستعصي على الهضم والتقبل، والكوارث الإنسانية التي يلاقيها الشعب الفلسطيني، من جراء الاحتلال وتوابعهما. لذلك فإن أفضل الخطوات لوقف هذا الإرهاب واستئصاله، هو مواجهته بالأساليب نفسها التي يستخدمها ضد الآخرين. وفي الوقت نفسه، من المهم البحث الجاد عن أسبابه وإيجاد المخارج المنطقية والعقلانية لتجفيف منابعه بالحكمة أولًا، ثم بالتعاطي العادل مع مسببات هذا الإرهاب. فالتعاطي من خلال الازدواجية في الكثير من القضايا والقرارات، أصبح يزيد من التوترات والشعور بالظلم البيّن في هذا التعاطي غير الدقيق في مسألة الإتهام بالإرهاب في قضايا حق من حقوق الإنسان بمكافحة المحتل والغاصب، مما زاد من الصراع والكراهية والأعمال المبررة، عندما يستولي طرف على حقوق الآخرين. فالإرهاب المرفوض الذي تعاني منه الإنسانية في عصرنا الراهن، هو الإرهاب الذي يظلم الآخرين ويسلب حقوقهم ويطردهم ويدعي هو أنه صاحب الحق بدلا من صاحب الحق الأصلي، كما حصل في فلسطين منذ 76 عاما، ومازال جاثمًا على الأرض الفلسطينية، بدعم من دول أخرى تعينه على هذا الاحتلال.

لذلك فإن أفضل الخطوات لوقف هذا الإرهاب واستئصاله وهو الإرهاب الخالي من المعايير الضيقة، مواجهته بالأساليب نفسها التي يستخدمها ضد الآخرين. وفي الوقت نفسه من المهم البحث الجاد عن أسبابه وإيجاد المخارج المنطقية والعقلانية لتجفيف منابعه بالحكمة أولًا، ثم بالتعاطي العادل والمنصف مع القضايا العالقة والخافتة، بعيدًا عن المعيارية الظالمة التي أكثر ما برزت في القضية الفلسطينية على وجه الخصوص.