ما الذي يكشفه إحراق المصحف عن تحالف تركيا مع الغرب؟
ترجمة أحمد شافعي -
ثمة مثل سائر في تركيا يقول إنه: حينما يلقي سفيه حجرا في بئر، فما لأربعين رجلا من الحكماء أن يخرجوه منه. حسن، هذا ما جرى من ناشط معاد للمسلمين يوم السبت [قبل] الماضي إذ أحرق القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم.
أفاد الجاني، ويدعى راسموس بالودان، وهو زعيم حزب دنماركي هامشي اسمه شترام كورس [أي الخط المتشدد] أنه توصل إلى الفكرة من خلال مستشار لجناح (الديمقراطيين السويديين) اليميني هو الذي دفع ثلاثين دولارا لاستخراج تصريح له بالتظاهر. و(الديمقراطيون السويديون) يقدمون الدعم البرلماني للحكومة السويدية، لكن رؤيتهم لعضوية السويد في حلف الشمال الأطلسي مناقضة لرؤية الحكومة. ومهما يكن السبب الكامن وراء تلك الخطوة الاستفزازية فقد أدت إلى مأزق.
ومما زاد الطين بلة أن مجموعة مناصرة للأكراد قامت قبل عشرة أيام من ذلك الحدث بتعليق دمية تمثل الرئيس التركي رأسا على عقب في عمود إنارة أمام قاعة بلدية ستوكهولم.
وفي أفضل الأوقات يفقد الرئيس التركي صبره بسرعة، أما إحراق المصحف فأمر آخر. ففي ظل دعم شعبي، أدان صراحة هذه الخطوة الاستفزازية وأعلن أن السويد لا ينبغي أن تتوقع دعما تركيا لطلبها الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو). كما تم إلغاء زيارة كانت مقررة من وزير الدفاع السويدي، وأرجأت تركيا محادثات انضمام كل من السويد وفنلندا إلى الناتو.
انتشرت المظاهرات أيضا إلى الشرق الأوسط وباكستان وإندونسيا التي تحتوي أضحم عدد من المسلمين في العالم. لكن استفزاز بالودان لا يمثل الواقعة الأولى التي تجري في البلاد الاسكندنافية.
إذ حدث في عام 2005 أن نشرت صحيفة جيلاندس بوستن اليومية الدنماركية اثني عشر رسما كاريكاتيريا للنبي محمد [ص] احتجاجا على عدم قدرة كاتب دنماركي على العثور على رسام يرسم له كتابا للأطفال عن النبي. دعا أحد عشر سفيرا مسلما رئيس الوزراء الدنماركي أندريس فوج راموسين إلى "توجيه إدانة شديدة لجميع المسؤولين بموجب قانون البلد" ورد راموسين بأن "حرية التعبير لها نطاق واسع وأن الحكومة الدنماركية لا تملك من السبل ما يجعلها تؤثر على الصحافة".
اندلعت مظاهرات واسعة، منها ما كان عنيفا، في عدد من البلاد الإسلامية وقوطعت البضائع الدنماركية. وآنذاك، حققت تركيا من الوضع ـ كما تعتزم بالفعل أن تحقق من الوضع الراهن ـ رأسمال سياسيا، وعارضت بشدة تعيين راموسين أمينا عاما جديدا لحلف الناتو.
أمريكا أيضا لديها حارقو إنجيلها، لكن أنشطتهم لا تلقي إلا الاستهانة. غير أنه ما من شك في أن خطوة بالودين تمثل إساءة لا مبرر لها، وقد قوبلت بإدانة دولية.
في قضية إريكا لوبيز براتر ضد أمناء جامعة هاملين في مينيسوتا، تواجه أمريكا صراعا مماثلا لذلك الصراع الخاص بأزمة الرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك. فقد عرضت إريكا لوبيز ـ الأستاذ المساعد بجامعة هاملاين، رسما عمره أربعة عشر قرنا للنبي محمد [ص] في صف مخصص للفن الإسلامي، وتم فصلها إذ اعتبرت الجامعة أن سلوكها ينم "بلا شك عن رهاب للإسلام".
اعترفت هاملاين أن تصرفها كان "خطأ" لكن لوبيز براتر رفع دعوى قضائية بالتمييز الديني والتشهير.
وإجمالا، يبدو أن ثمة خلطا بين ما يمثل رهابا للإسلام وين ما يمثل نقدا للإسلام السياسي. والدستور التركي ينص في ديباجته على أن المشاعر الدينية المقدسة لا بد ألا تختلط نهائيا بشؤون الدولة والسياسة بحسب ما يقضي مبدأ العلمانية.
ثم إنه يمضي إلى أبعد من ذلك في المادة الرابعة والعشرين فينص على أنه "لا ينبغي السماح لأحد باستغلال أو إساءة استعمال الدين أو المشاعر الدينية، أو ما يمثل مقدسات في دين، بأي طريقة مهما تكن، بغرض تحقيق منفعة أو نفوذ على المستوى الشخصي أو السياسي، أو حتى لإقامة قواعد جزئية للنظام الأساسي الاجتماعي الاقتصادي السياسي القانوني للدولة على معتقدات دينية".
ومع ذلك، مثلما أوضحت في مقالة سابقة، يفرض إردوجان عقليته الإسلامية لا على سياسة تركيا الداخلية (والاقتصادية ضمنا) وحدها، وإنما على السياسة الخارجية أيضا.
وفي ما يتعلق بحرية التعبير، ثمة أيضا تضارب مصالح بين الرؤى الإسلامية والرؤى الغربية. فالتعريف الإسلامي، مثلما حدده إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام (سنة 1990)، يقتصر على التعبير عن الرأي بحيث لا يخالف الشريعة ـ أي القانون الإسلامي القائم على القرآن ـ وذلك لا يتسق مع إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
لكن تركيا إحدى الدول الموقعة على إعلان القاهرة والعهد الدولي. وهي فضلا عن ذلك، وبوصفها عضوا في مجلس أوروبا، فإنها أيضا من البلاد الموقعة على العهد الأوربي لحقوق الإنسان.
ولقد ذكر ابراهيم خان، كبير مستشاري إردوجان والمتحدث باسمه، في الكلمة الرئيسية لمنتدى اسطنبول سنة 2012 أن ثمة فجوة متنامية بين الأفكار الإسلامية والأفكار الغربية حيال ما يمثل الحقوق الدينية المقدسة وحرية التعبير.
في اجتماع يوم الأربعاء بمجلس الأمن الوطني التركي، تم التأكيد على أن الدول الراغبة في الانضمام إلى الناتو يجب أن تعمل أيضا بما يتسق مع قانون التحالف وروحه.
ولقد حان الوقت لإيضاح أن الناتو ينص في ديباجته على أن المنظمة تأسست على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون.
* روبرت إيليس مستشار دولي في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية في أثينا.
** عن ناشونال إنتريست
