لماذا نحتاج إلى ضريبة حد أدنى على الشركات العالمية؟

12 يونيو 2021
12 يونيو 2021

مقال مشترك بقلم وزراء المالية المكسيكي ارتورو هيرارا جوتيريز والإندونيسي سري مولياني اندراواتي والجنوب افريقي تيتو موبويني والألماني أولاف شولتز والأمريكية جانيت يلين

ترجمة : قاسم مكي

يواجه كل بلدٍ أوضاع عدم مساواة جلبتها التحولاتُ التقنيَّة المثيرة وتعاظمُ القوة السوقية للشركات الكبيرة والضغوطاتُ التنافسية الشرسة الناتجة عن حركة رأس المال.

كما شكلت أسوأ أزمة صحة عالمية تحديا لاقتصادات العالم - خصوصا مالياتها العامة- بطرائق غير معهودة.

لقد شرعت بعض البلدان في الخروج من أزمة كوفيد-19 فيما لاتزال بلدان أخرى غارقة في أعماقها. ويرى كل واحد منا، بوصفنا وزراء مالية، مصدَرين ضاغطين للقلق من الممكن أن يهددا كل اقتصاداتنا رغم اختلافاتها.

أولا، الأثرياء والشركات الغنية أفضل وضعا من أولئك الذين يقبعون في قاع السلم الاقتصادي. فالعاملون أصحاب الأجور الضعيفة والآباء مجبرون على الاختيار بين الحفاظ على صحتهم وسلامة أبنائهم من جهة وبين سبل كسب عيشهم من جهة أخرى. نتيجة لذلك، كان هؤلاء الأكثر تضررا من الآثار الاقتصادية للجائحة. فمنشآت الأعمال الصغيرة تعاني من الإغلاقات التي تستهدف حماية مجتمعاتها. هذا وفي الأثناء، تعاظمت إيرادات حملة الأسهم. وخرج العاملون أصحاب الدخول المرتفعة وحملة أسهم الشركات من الأزمة دون ضرر، مقارنة بسواهم.

المشكلة الثانية نتيجة للأولى. فالحكومات تحتاج بشدة إلى إعادة بناء اقتصاداتها وتدبير الاستثمارات اللازمة لدعم احتياجات المنشآت الصغيرة والعاملين والعائلات. وستحتاج هذه الحكومات إلى المزيد مع انحسار الجائحة لمواجهة التغير المناخي والقضايا الهيكلية المتطاولة.

لكن يجب الحصول على إيرادات من جهة ما. لقد ظل تحصيل الإيرادات يتركز بقدر أكبر مما ينبغي ولفترة أطول مما يلزم على العاملين الذين يسهل رصد دخولهم وتقدير ضرائبها. أما استقطاع الضريبة على دخل رأس المال فأكثر صعوبة لأن رأس المال متحرك ويسهل إخضاع دخله للألاعيب المحاسبية المعقدة. باستخدام هذه الحيل، كثيرا ما يتخذ دخلُ رؤوس أموال الشركات طريقَه إلى البلدان التي تنخفض فيها الضرائب حيث تقلل شركات العالم الأوفر أرباحا، في حذق وبراعة، أعباءها الضريبية.

إلى جانب فقدان الإيرادات، تخشى الحكومات من الإفراط في فرض الضريبة على الشركات ودفعها، بذلك، إلى نقل عملياتها (والوظائف) إلى الخارج. والدينامية التي تشكلت خلال نصف القرن المنصرم، هي بالمعنى الاقتصادي الكلاسيكي، سباق نحو القاع فيما يخص معدلات ضريبة الشركات. (التنافس بين الحكومات في خفض ضريبة الشركات لإغرائها على الاستقرار في بلدانها- المترجم).

نحن نقف معا لتصحيح هذه المسائل من خلال حل جماعي يتمثل في فرض حد أدنى لضريبة عالمية على الشركات. لكل حكومة من حكوماتنا الحق في صياغة سياستها الضريبية الخاصة بها. لكن بممارسة هذه الحقوق السيادية معا، يمكننا وضع اقتصاداتنا على مسار تعافٍ مستدام وشامل بفعالية أكبر مما لو فعل كل منا ذلك على انفراد. وسنشرع لتحسين اقتصاد العالم الذي استبعد الكثيرين من ازدهاره.

في هذا العام لدى البلدان فرصة تاريخية لإنهاء السباق نحو القاع فيما يتعلق بضريبة الشركات واستعادة موارد الحكومة في وقت هي أحوج ما تكون إليها.

من خلال رعاية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وإطار العمل الشامل لمجموعة العشرين، يعمل 139 بلدا على توزيع أكثر إنصافا فيما يتعلق بتحديد البلدان التي تحصل على إيرادات ضريبة الشركات، وتأسيس حد أدنى متفق عليه لهذه الضريبة.

هذا الحد الأدنى للضريبة يقيِّد تنافس الحكومات على خفض الضرائب على الشركات ويضمن سداد هذه الشركات لنصيبها العادل من الضريبة.

نحن الذين نمثل خَمسَ اقتصادات شديدة الاختلاف في 4 قارات نؤيد هذه الجهود الساعية لتحديث نظامنا الضريبي العالمي للقرن الحادي والعشرين.

ونحن بالتحديد نوافق على تخصيص أكثر عدالة لحقوق فرض الضريبة على الشركات الأكبر حجما وأرباحا بدلا عن الإجراءات الأحادية غير المنسَّقة والتي قوضت النظام الضرائبي العالمي في السنوات الأخيرة. كما نوافق أيضا على إيجاد ضريبة حد أدنى متفق عليها عالميا وتؤمِّن للبلدان دخلا من ضريبة الشركات في مستوى قاعدي على الأقل.

نحن نؤمن بشدة أن ضريبة الحد الأدنى العالمية الراسخة ستسهم بتمويل الاستثمارات في البنية التحتية والرعاية الصحية ورعاية الطفولة والتعليم والابتكار والأولويات الحكومية الأخرى. يمكن باستعادة العمل الجماعي (تعددية الأطراف) على هذا النحو إيجاد مناخ مستقر للشركات والمساعدة على بناء الازدهار لكل مواطنينا.

نحن نحقق تقدما غير مسبوق باتجاه هذه الأهداف وعلى استعداد للالتزام بضريبة الحد الأدنى العالمية التي تُنهي فعليا التنافسَ على خفض ضرائب الشركات والخطط الضرائبية الاستفزازية بواسطة الشركات العالمية الكبرى. لتمهيد الطريق لذلك الهدف، نحن نوافق على تفاهم أولى بوجوب فرض ضريبة حد أدنى عالمية بنسبة 15% على الأقل، حسب اتفاق بلدان مجموعة السبع هذا الشهر.

واليوم في غياب ضريبة حد أدنى متفق عليها دوليا فإن ضريبة الحد الأدنى العالمية تساوي، عمليا، صفر.

وبالنظر إلى الطموحات التي تتطلع إليها المحادثات حتى الآن، نحن على ثقة بأن هذه النسبة يمكن أن ترفع في نهاية المطاف إلى أعلى من 15%.

مع ضريبة الحد الأدنى العالمية، ستكون المنافسة متكافئة (بين البلدان على جذب الشركات العالمية) بدلا عن التنافس على فرض معدلات ضريبية بالغة التدني على الشركات. وسترتكز (المنافسة) على عوامل اقتصادية حقيقية مثل الابتكار والفعالية، وتساعد بذلك مواطني العالم. وبدلا من أن تظل الحكومات خائفة من التنافس على خفض الضرائب، ستركز على تحسين الإنتاجية وعلى نتائج النمو وإيجاد منافع غير مباشرة للابتكار بصرف النظر عن مكان هذا الابتكار.

النظام الضرائبي العالمي الحالي أدى إلى تآكل السيادة الوطنية بطرائق لها آثار قابلة للقياس على الطبقتين الوسطى والعاملة حول العالم. ويمكننا معا ضمان توافق الرأسمالية العالمية مع الأنظمة الضرائبية العادلة وإمكانية فرض الحكومات ضريبة على الشركات متعددة الجنسية.

سقف التطلعات عالٍ ونفهم أن مواطنينا يستعجلوننا. نحن ندعو كل البلدان المشاركة في المفاوضات الدولية إلى التوحد في اتفاق دولي طبقا للجدول الزمني المتفق عليه وقبل اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين الشهر القادم.

ستشجع هذه الخطوات على إيجاد اقتصاد عالمي مزدهر ونمو اقتصادي يشمل الجميع.

عن واشنطن بوست