لم نعرف بعد كيف نتغلب على داعش

01 أبريل 2024
ترجمة: أحمد شافعي
01 أبريل 2024

كريستوفر كوستا -

كولين كلارك -

برغم كل انتصارات مكافحة الإرهاب التي حققتها الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم داعش ـ وهي انتصارات كثيرة ـ فإننا لا نعرف بعد كيف نهزمها.

لقد أدى هجوم إرهابي استهدف قاعة للحفلات الموسيقية في العاصمة الروسية موسكو في الثاني والعشرين من مارس إلى مقتل أكثر من مائة وثلاثين شخصا وإصابة كثيرين آخرين بجروح خطيرة. فكانت تلك الهجمة أحدث تذكرة دموية بأن تنظيم داعش - وخاصة فرعه في خراسان، المعروف بداعش خراسان النشط في أفغانستان وإيران وباكستان ـ لا يزال يمثل تهديدًا قويًا. وذلك درس مؤلم تعلمه الأفغان والأمريكيون على السواء في أغسطس 2021، عندما نفذ تنظيم داعش خراسان عملية انتحارية معقدة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن مائة وسبعين مدنيًا أفغانيًا وثلاثة عشر جنديًا أمريكيًا في كابول، وسط انسحاب أمريكي فوضوي من أفغانستان.

منذ بداية العام الجديد، شن تنظيم داعش خراسان هجمات مميتة في إيران وتركيا. وتم إحباط العديد من مؤامرات داعش خراسان في أوروبا، مع اعتقالات في النمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا. وفي يوم الثلاثاء، بعد أربعة أيام من هجوم موسكو، نشرت وكالة البتار الإعلامية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية رسالة تهدد فيها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا تحت عنوان «من التالية؟». ومنذ ذلك الحين، رفعت كل من فرنسا وإيطاليا مستويات التهديد الإرهابي.

تشير كل هذه الأحداث إلى ما بتنا نعرفه الآن، وهو أن تجريد تنظيم الدولة من دولة الخلافة التي أعلنها، لا يعني إلحاق الهزيمة به. لقد كانت الخلافة في ذروتها، في مثل مساحة بريطانيا، بامتدادها من الشام إلى جنوب شرق آسيا، وكانت تباهي بتبعية أكثر من أربعين ألف مقاتل أجنبي لها ينتمون إلى أكثر من ثمانين دولة. وبعد إكراه داعش على الخروج من هذا المعقل، أعاد التنظيم تشكيل نفسه في بلاد أخرى، وعمل تحت الأرض بأشكال أقل قابلية للاكتشاف - ولكنها أكثر خطورة.

ولمنع هذا التهديد من الوصول إلى أمريكا وحلفائها، لا بد أن تمنع الولايات المتحدة خبرتها في مكافحة الإرهاب على مدى عقدين من الضمور. وبرغم وجود تهديدات خطيرة أخرى جديرة باهتمام واشنطن، ومنها نزعة الصين المغامرة وتحدي الذكاء الاصطناعي، فمن أجل الحفاظ على سلامة الأمريكيين، لا بد أن تظل مكافحة الإرهاب أولوية استراتيجية - وهذا يشمل إيجاد طريقة لمراقبة تنظيم داعش في أجزاء من العالم لم يعد لنا فيها موطئ قدم.

لقد طولب الرأي العام الأمريكي -بعد الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر- بأن يكون على أهبة الاستعداد؛ لأن الحرب على الإرهاب سوف تستمر لأجيال عديدة. وارتكبت الولايات المتحدة بعض الأخطاء الفادحة في القتال الذي امتد لعقود، وفي نهاية المطاف، حولت واشنطن تركيزها في ما يتعلق بالأمن القومي إلى تهديدات جيوسياسية مختلفة. ولكن أيا من هاتين الحقيقتين لم تنف الحاجة إلى الاستمرار في الالتزام بمكافحة الإرهاب العابر للحدود الوطنية. لكن الولايات المتحدة بسحبها قواتها وأصولها الاستخباراتية من مناطق صراع نشطة، سمحت لمجموعات مثل داعش خراسان بالارتداد. وليس هذا هو الوقت المناسب للاستسلام، وإلا فإننا سوف نجد أنفسنا -كما هو متوقع- في مواجهة خصم متجدد.

والمرونة هي أهم سمات تنظيم الدولة. لقد ساعدت الحملات العسكرية الغربية الهجومية في تفكيك الخلافة، وفي تقليص عمليات مقاتلي داعش خلال السنوات الأخيرة تقليصا شديدا في بلاد أخرى من قبيل الفلبين وسوريا. فإذا بهم -بدلا من الاختفاء- يواصلون تغيير مظهرهم ويجندون مقاتلين جددا تحت الراية نفسها ويخططون لهجمات جديدة. وقد عاد بعضهم للظهور مرة أخرى في بلاد أخرى، بعد أن حصلوا على تدريب أفضل وبات العثور عليهم والوقاية منهم أشد صعوبة. وبعضهم عازم على ارتكاب أعمال إرهابية كالتي نشهدها الآن، بالسفر عبر الحدود للتسلل إلى البلاد المستهدفة.

كيف تمكنت مجموعة جهادية تعمل من منطقة نائية في أفغانستان من توسيع شبكاتها والبدء في التخطيط لعمليات خارجية بهذا النطاق العالمي ؟

إن جزءًا من إجابة هذا السؤال هو أننا غادرنا. فقبل انسحاب الولايات المتحدة، كان تنظيم داعش خراسان أكثر انحصارا، وبخاصة في ما يتعلق بقدرته على شن هجمات خارجية. وفي اتفاقية عام 2020 بين الولايات المتحدة وطالبان الموقعة في الدوحة بقطر، وافقت طالبان على منع الجماعات الإرهابية من استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها. وفي المقابل وافقت واشنطن على سحب قواتها بالكامل من البلد. وكان شرط منع الجماعات الإرهابية من استخدام أفغانستان كقاعدة عمليات مرتبطا في المقام الأول بالعلاقة الدافئة القديمة بين طالبان وتنظيم القاعدة. لكن في المقابل، حركة طالبان وتنظيم داعش خراسان عدوان لدودان يقاتلان بعضهما البعض منذ أن بدأ تنظيم داعش خراسان العمل في البلد في عام 2015، في ذروة ما عرف بخلافة داعش.

لذلك، ففي حين أن طالبان، بمجرد وصولها إلى السلطة، ربما كانت تنوي محاربة داعش خراسان والسيطرة على مسلحيها، فإن نجاحها كان متراوحا في أحسن الأحوال. كان مقاتلو طالبان متمردين فعالين للغاية، لكن ثبت أنهم أقل فعالية بكثير في دورهم الجديد في مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب. فقد أحرزوا تقدمًا بسيطًا في القضاء على قادة داعش خراسان واستعادة بعض الأراضي منها، فلا يزال مقاتلو داعش يعملون على طول حدود أفغانستان – ولا يزالون يحتفظون بالقدرة على شن هجمات مذهلة.

ولقد كان تحقيق حركة طالبان لبعض النجاح في الحد من هجمات تنظيم الدولة في ولاية خراسان داخل أفغانستان هو على وجه التحديد الذي جعل المجموعة تركز طاقتها عمدا على أجندة «التدويل»، بما في ذلك من تحويل للموارد من أجل بناء شبكة هجوم خارجية قوية. ولدى تنظيم داعش خراسان الآن شبكة واسعة من المتطرفين الذين يمكنه العمل بهم، ونشرهم في المناطق المضطربة من قبيل القوقاز وآسيا الوسطى. إذ انضم الآلاف من أبناء آسيا الوسطى إلى تنظيم الدولة، ويشغل العديد من الأوزبك والطاجيك مناصب قيادية، وبخاصة في تنظيم داعش خراسان. ويشكل المسلحون من أبناء آسيا الوسطى الآن العمود الفقري لكادر العمليات الخارجية لداعش خراسان. ويشير تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى أن «الفرع الأفغاني للجماعة قد خطط، في العام الماضي، لإحدى وعشرين مؤامرة أو هجمة خارجية في تسعة بلاد، مقارنة بثماني مؤامرات أو هجمات في العام السابق وثلاث فقط بين عامي 2018 ومارس 2022».

وببساطة: طالبان وحدها غير قادرة على احتواء تهديد داعش خراسان. ولعل الوقت قد فات لمحاولة الإطاحة بطالبان من خلال تقديم الدعم الخفي لجماعات المعارضة الأفغانية مثل البنجشيريين المنتمين إلى جبهة المقاومة الوطنية، الذين يعارضون تنظيم القاعدة وحركة طالبان. ولكن الوقت حان للدبلوماسية. فيمكن لواشنطن وحلفائها إشراك القطريين أو السعوديين لتقديم حوافز لطالبان لتكثيف ضغوطها على تنظيم داعش خراسان، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وربما في الوقت المناسب، العدول عن تعهدهم السابق بدعم القاعدة دون قيد أو شرط وتوفير الدعم والملاذ الآمن للجماعة. ولعل حركة طالبان قد تعلمت من رفض الملا عمر المشؤوم تسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولعلها لم تتعلم.

في كلتا الحالتين، ليس من الواقعية أن نتوقع من طالبان أن تكون شريكًا موثوقًا به في مكافحة الإرهاب ضمن جهد دولي لهزيمة داعش خراسان. ولكن هناك حاجة إلى مستوى معين من التعاون، مهما كان غير جذاب. فالمعلومات الاستخباراتية البشرية بالغة الأهمية في مكافحة الإرهاب هي التي لا يمكن جمعها إلا على الأرض. وفي ظل افتقار الولايات المتحدة إلى أي موطئ قدم في البلد، فمن الخير لمصالحنا في مكافحة الإرهاب أن نحصل على معلومات استخباراتية من العمليات الأمنية والاستخباراتية لطالبان ضد داعش خراسان – وهي العدو المشترك لهم ولنا. وينبغي أن يظل التعاون مقصورا على تبادل المعلومات، ولا ينبغي أن يمتد إلى التدريب أو توفير المعدات.

ويحفل تاريخ الاستخبارات بأمثلة على زواج المصلحة بين أجهزة الاستخبارات لتبادل معلومات التهديد، حتى بين البلاد المتخاصمة. فبرغم اندلاع «حرب خفية» بين إيران والولايات المتحدة لعقود من الزمن، تردد أن الولايات المتحدة أنذرت الإيرانيين بشأن هجوم إرهابي وشيك في يناير. وفعلت واشنطن مثل ذلك مع موسكو قبل أسبوعين من هجوم داعش خراسان على قاعة الحفلات الموسيقية.

وبطبيعة الحال، فإن التوصل إلى أي اتفاق مع طالبان هو مسعى معقد للغاية ومثير للجدل. بل إن محض علاقة مقيدة للغاية مع طالبان ستكون مقيتة ومحفوفة بالمعضلات الأخلاقية، في ضوء سجل النظام في مجال حقوق الإنسان.

ولكننا تعرضنا لذلك في مقال سابق. والبديل أسوأ، فهو هجوم مدمر موجه إلى الأمريكيين في الخارج أو في الداخل.

كريستوفر كوستا عمل ضابط مخابرات محترفًا وكان المساعد الخاص للرئيس والمدير الأول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي من عام 2017 إلى عام 2018.

كولن كلارك هو مدير الأبحاث في مجموعة سوفان، وهي شركة استشارية في مجال المخابرات والأمن مقرها نيويورك.

خدمة نيويورك تايمز