لا يزال العالم بحاجة إلى شرطي

28 مارس 2023
28 مارس 2023

ترجمة: أحمد شافعي -

تعرضت القيادة الأمريكية لركلة غير هينة الأسبوع الماضي. إذ اصطف ساسة ومنظرون من كلا جانبي الأطلنطي لإدانة الغزو الكارثي للعراق الذي قام به جورج دبليو بوش وتوني بلير ويمر عليه هذا الشهر عشرون عاما. في الوقت نفسه، تحرك الكونجرس لإبطال قانون سلطات الحرب الذي يمكّن الرئيس الأمريكي من القيام بتدخلات عسكرية خارجية.

في ثنايا ذلك، في موسكو، كان شي جينبنج يقترح نظاما عالميا جديدا ليحل محل النموذج ذي القيادة الأمريكية القائم منذ ما بعد 1945. والحق أن الرئيس الصيني يعرض في سخاء أن «يحرس» الكوكب. وفي عالم شي الجديد الشجاع تحل التبعية والمراقبة محل الصدمة والرعب. وتحتل الديمقراطية أحد المقاعد الخلفية.

لقد كانت حرب العراق كارثية، وكان يمكن اجتنابها، ولم يعد في ذلك نزاع منطقي. إذ مضت التحذيرات السابقة العديدة دون أن تصادف آذانا مصغية. ولكن قصر نظر مماثل يعتري مساعي راهنة، من أقصى اليمين واليسار، لاستغلال تلك الكارثة في النيل من تدخل القيادة الأمريكية بصفة عامة والاحتفاء بالانحدار التالي للنفوذ الأمريكي.

والشرق الأوسط دليل على ما يحدث حينما تنسحب الولايات المتحدة أو توقف حراستها. فالانسحاب من العراق في 2011 كان نذيرا بعقد من الإرهاب والحرب الأهلية في سوريا، وشغب المتشددين، وبدء حفلة قتل في اليمن، وغرق أفغانستان في الخيانة والشقاء وإسرائيل وفلسطين في فوضى بلا دفة.

وأخيرا تساءل المحلل المخضرم بيل شنيدر «ما الذي كان يمكن أن يجري لو لم تتحرك الولايات المتحدة بعد غزو صدام حسين للكويت سنة 1990؟ على الأرجح، لا شيء». فبعد أن تجمدت أوروبا رعبا، وقع على عاتق الولايات المتحدة أن تقود تحالفا لإنهاء حرب البوسنة.

ومضى شنيدر يقول: إنه «حينما وقعت أعمال وحشية في كمبوديا ورواندا والكونجو ودارفور، التفت العالم كله ـ بما فيه الولايات المتحدة ـ بعيدا. ولم يجر القيام بشيء. وكانت النتيجة إبادة جماعية».

وقد يضاف إلى تلك القائمة سوريا حيث عجز باراك أوباما ـ وقد أحرقه العراق ـ عن التدخل سنة 2013 لإيقاف استعمال أسلحة الدمار الشامل في سوريا. فكم كانت المفارقة صارخة!

من الواضح أن الولايات المتحدة كثيرا ما تخطئ. ولكن هل يعتقد حقا منتقدو «الهيمنة» الأمريكية، المعيبة بعمق، والخادمة لمصالح أمريكا، والمتغطرسة بلا أدنى شك، أن المتنمرين الاستبداديين سوف يكونون أفضل أداء لوظيفة الشرطي العالمي؟ معذرة لا بد أنكم تمزحون.

المثالي بطبيعة الحال ألا نكون بحاجة إلى شرطي أصلا. ولكن من أسف أن هذا ليس حال العالم. فليس بوسع مجلس الأمن الأممي أبدي الانقسام أن يفعِّل قواعده ومعاهداته. والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي والآسيان تفتقر إلى القوة الصلبة في لحظات التفكك والانهيار.

لقد كان أداء أوربا أفضل من المتوقع في ما يتعلق بأوكرانيا. ولكن دونما تدخل من رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ومساعدات أمريكية تقدر بـ77 مليار دولار، كان يمكن أن تنتهي الحرب بالهزيمة الآن. وبرغم كل الحديث عن الاستقلال الذاتي الاستراتيجي، فقد نظرت بروكسل كدأبها إلى واشنطن حتى تتولى القيادة. وأبت ألمانيا أن تمد كييف بدبابات إلى أن يفعل بايدن أيضا.

من الألغاز الكبيرة لغز عن السبب الذي جعل بوتين وقد احتل أجزاء من أوكرانيا في 2014 لا يشن غزوه الشامل عندما كان ترامب رئيسا. في ضوء تذلل ترامب لمثاله في الكريملين، وما كان لديه من رهاب أوربا والناتو ومن أيديولوجيا «أمريكا أولا» المعاد تدويرها، كان يمكن تماما أن يفلت بوتين بذلك.

وقد تكون الفرصة باقية إذا أعيد انتخاب ترامب. فالشكوك المحيطة بدور أمريكا العالمي تتضاعف مع تجدد ظهور انعزالية حركة إعادة عظمة أمريكا، وذلك قلق كبير يعتري أوكرانيا وبلاد أوربا الديمقراطية. يرغب كل من ترامب ورون ديسانتس حاكم فلوريدا، وهما المرشحان المشتركان لانتخابات الحزب الجمهوري للرئاسة في 2024 أن يقللا الدعم لكييف مثلما يرغب قرابة 40 في المائة من الناخبين الجمهوريين.

ليس من الرجلين من يشترك مع بايدن في رؤيته للصراع باعتباره جزءا من نضال أكبر من أجل الديمقراطية. وليس بينهما من يرى مصلحة أمريكية حيوية فيه. والعبثي أن ترامب يزعم أنه سوف ينهي الحرب في «يوم واحد» بإرغامه أوكرانيا على التنازل عن الأرض.

بالنسبة لديسانتس، الأمر لا يعدو نزاعا على أرض، أو هو استشهادا بنيفيل شامبرلين «شجار في بلد بعيد بين أقوام لا نعرف عنهم شيئا». ولكن ديسانتس تراجع قليلا مع نيران الانتقادات.

غير أن المشاعر الانعزالية تتصاعد وسط الجمهوريين الذين يؤيد ثلاثة أرباعهم إما ترامب (40%) أو ديسانتس (36%) بحسب استطلاع أجرته قناة سي إن إن. 9% فقط هم الذين قالوا إن السياسة الخارجية تمثل لهم أولوية عليا.

ثمة انقسام واضح ينشأ بين المرحشين المتصدرين والطامحين المتشددين من أمثال نائب الرئيس السابق مايك بينس وسفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هالي ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو. والجميع يدعمون الرؤية الريجانية الموسعة لـ»المدينة اللامعة أعلى التل» في القيادة العالمية الأمريكية. كلهم عالقون في أرقام فردية في الاستطلاعات.

كتب المحلل بين جاكويس محللا خطبة ترامب الأخيرة قائلا «إن دونالد ترامب يمثل أشياء كثيرة، لكنه لا يمثل جمهوريا ريجانيا. ولقد كانت خطبته تمثل ردة إلى الحزب الجمهوري في ما قبل الحرب العالمية الثانية، مع جرعات من الشعبوية والمحافظة القديمة». ويبقى السؤال الكبير فيما رأى جاكوبس هو عن مدى حسم انعزالية أمريكا أولا في انتخابات 2024.

تمثل الانقسامات الجمهورية مع اقتراب الانتخابات فرصة لبايدن ـ وفرصة لشي وبوتين أيضا. يرجو التوأم الرهيب أن تسود الانعزالية على الطريقة الترامبية، وسوف يستعملان الأكاذيب والمعلومات المضللة لمساعدتهما، كما حدث في 2016 وسوف يأمل الديمقراطيون، من خلال دعم قيادة الولايات المتحدة العالمية التقليدية في فترة ما بعد الحرب، في الاستيلاء على الوسط السياسي.

غير أن تقسيم بايدن للعالم إلى ديمقراطيات محبة للحرية وأنظمة استبدادية قمعية أشد تبسيطا من أن يواجه التحديات القادمة. يجب أن يكون للقرن الحادي والعشرين هدف يتمثل في عالم متعدد الأقطاب ذي ميزان قوى أكثر إنصافا - عالم لا تهيمن عليه وتشوهه القوى العظمى والطغاة. ذلك عالم لن يكون فقط أكثر عدلا، بل وأكثر أمنا.

ولا أقول بهذا إنه يجب التخلي عن التدخل الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وبموجب «مسؤولية الحماية» في الأمم المتحدة، باعتباره سياسة الملاذ الأخير. فهذا العالم دائم الاضطراب سوف يحتاج دائما إلى راصدي أخطاء وصانعي سلام.

وأمريكا خير من شي وبوتين وأمثالهما لأداء هذا الدور.

سيمون تيسدال كاتب ومعلق سياسي في الشؤون الخارجية في صحيفة الجارديان البريطانية.

عن ذي جارديان البريطانية