(كوابيس) ثورة الديجتال!

05 مايو 2021
05 مايو 2021

مع ظهور الثورة المعلوماتية والاتصال تغير العالم، ولم يكن تغييره ذاك من شاكلة حدود التغييرات التي عرفها العالم منذ فجر الحداثة في القرن السادس عشر.

فالتغييرات التي أحدثتها الثورة الرقمية؛ تغييرات كبيرة، ويمكن رصد مؤشراتها وظواهرها في أطوار ومستويات مختلفة ومتشابكة على نحو معقد في حياة البشر.

ذلك أن التسريع الذي عجَّلت به الصور الرقمية عبر ثورة الديجتال وقربت به أطراف العالم لم تكن مطلق تأثيراته في إحداث محض المتعة التي تنقلها صور الديجتال عبر أفلام ومسلسلات شاشات التلفزة ومباهج التواصل السريع بين أطراف العالم فحسب، بل كان ثمة جزء سلبي نتج عبر تأثيرات العوالم الواقعية لحياة كانت محجوبة التفاصيل في مجتمعات العالم الأول؛ حياة مفتوحة ومبهجة؛ حياة تحجب عبر سطوة الصورة فيها أطوارا خفيةً وقاسية لنشأة عالمها الأوروبي ومراحله التاريخية قبل صيرورته الأخيرة التي تجسدت فيما يغري كل من يراها بالعيش فيها أو بحلم الوصول إليها.

وفي الوقت ذاته؛ كانت ثورة الديجتال، فيما هي تنقل صور الحياة الخلابة لعالم الواقع في العالم الأول، (بدلاً من عالم الأفلام الذي كان يراه الناس منذ ما قبل التسعينات - عبر الفن – عاما قادما من وراء بحار بعيدة) تذَّكر عالم مجتمعات أفريقيا والدول النامية بحقيقة ما هم فيه إزاء أي مقارنة مع العالم الساحر الذي انفتح عليهم منذ انفجار الثورة الرقمية في تسعينيات القرن الماضي.

وهكذا فجأةً بدا لكثيرين أن الحياة الممكنة في تلك الجنة الدنيوية للعالم الحديث (أوروبا الغربية - أمريكا) لا يحتاج سوى لمغامرة عبر البحار، لأن الإحساس بأن مجرد الدخول إلى تلك الدول سيعني أن يكون الفرد الآتي من العالم الثالث، في يوم ما، أحد مواطني تلك الدول بسهولة ويسر.

هكذا أصبح تقارب العالم عبر ثورة الديجتال حافزا لدى كثيرين من الشباب في بلدان أفريقيا والدول النامية لترك ونسيان الحيوات البائسة التي شكلتها حروب العجز عن تدبير الاجتماع السياسي في بلدانهم؛ كما لو أن فكرة الدولة التي اختزلت أطوارُها بإرادة كولونيالية، كانت غطاءً رثا لتفاعل نزعات بدائية سائبة في تلك المجتمعات. حتى لقد بدت الإجابة عن سؤال اليوم حيال توصيف كيفية ما يجري في أفريقيا والشرق الأوسط من جنون سياسي؛ إجابةً شبه مستحيلة، فيما فقط بدت أحلام الوصول إلى حياة الرفاهية عبر البحار في قلوب شباب بعمر الورود هي الرد الصامت على فشل مشروعات الدولة الأمة في ذلك الجزء من العالم.

ففيما كان انفجار ثورة الديجتال تيسيرا ماديا ومعلوماتيا من جهة، بدا، من جهة ثانية اختبارا قاسيا تعجز معه أي مقارنة في وراد التفكير وراء الصور التي يعكسها عالمان مختلفان تماما.

فالانكشاف الذي أحدثته الثورة الرقمية لأطراف العالم المتزامن، كانت له أكثر من طريقة في ردود الفعل السائبة للبشر في أكثر من منطقة من العالم، وهي ردود طالت حتى أذهان بعض القادة في منطقة الشرق الأوسط وأغرتهم كي يقفزوا بتصوراتهم إلى وعي مضلل تحت ضغط لحظة الحضارة اللامعة لأوروبا وأمريكا؛ فتفاصيل تلك الحياة التي كشفت عنها ثورة الديجتال (ملغيةً حدود المسافات الطويلة والمستحقة للوصول إليها) جعل سحرها وضغطها في نفوس أولئك القادة قائما على وهم إعادة اكتشاف العجلة!

وإذا ما ظل حتى اليوم؛ أن بعض أهم العقول الفلسفية العربية من أمثال الفيلسوف المغربي الكبير عبد الله العروي حائرين حيال أي تنبؤ بالمستقبل في ظل تسارع ثورة المعلوماتية والاتصال وتفاعلاتها الرقمية، خصوصا عبر شبكة الأنترنت ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي؛ فإن شعورا سيئا يراود عقول أولئك الفلاسفة وهم ينظرون إلى مستقبل قد تأتي منه الظلمة، لا النور، كما كان الأمر سائداً مع فكرة التقدم من قبل!

ففي عالم ثورة الديجتال؛ فيما لا يكاد يدرك مليادير كبير مثل الأمريكي مارك زوكربيرغ (مخترع وصاحب موقع فيسبوك) ماذا يعني فيسبوك تحديداً؛ لنا أن نتصور ماهي حدود ونهايات أفعال الفوضى التي يمكن أن يرتكبها بعض نجوم فضاء فيبسوك الأزرق مثلاً ؟

إن العالم اللامتناهي لتأثيرات فيسبوك في أفعال الفوضى المحتملة من بعض رواده (مع العجز عن تكييف معنى منضبط لفكرة الحرية فيه)؛ كان بصورة من الصور، قياسا فاسدا توهم صاحبه: أن العالم فقط؛ صورة كبيرة لأمريكا!