قيـاس وتـقيـيـم الهـويـات التـسـويـقيـة للدول

02 نوفمبر 2021
02 نوفمبر 2021

بدر بن عبدالله الهنائي

سبق وأن تناولت هذه المساحة مفهوم الهوية المؤسسية - أو التجارية أو التسويقية - وتاريخ تطورها وما وصلت إليه في الوقت الحالي من ممارسات وتوجهات، إضافة إلى محاولة التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل المنظور. كما تم التركيز في هذه المساحة الأسبوع الماضي على الهوية التسويقية للدول وكيف تؤثر الارتباطات التي تنشأ في دواخلنا تجاه دول معينة من أفكار ومشاعر على تصوراتنا ومن ثم قراراتنا تجاه تلك الدول. غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال بناء خطط وتوجهات على مستوى الدول وفقا لكلام مرسل قد لا يعدو كونه انطباعات شخصية للمهتمين بهذا المجال؛ لذا فإنه من المهم أن تستند خطط الدول وتوجهاتها في سياق الهوية التسويقية على مؤشرات أداء ومستهدفات ونتائج ملموسة قابلة للقياس يمكن أن تبرر بدورها المستويات المرتفعة المطلوبة من الاستثمار البشري والمادي والتقني من أجل تأسيس وإدارة الهوية التسويقية للدولة، أو عموما قرار الدولة في اتباع ذلك التوجه من عدمه.

يستحضر الكثير من المهتمين بمتابعة الأداء المؤسسي بشكل عام القاعدة التي أطلقها العالم والمفكر في مجال الإدارة بيتر دراكر والتي تقول بأنه «لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه». وقد ينطبق ذلك إلى حد كبير على ممارسات إدارة الهوية عموما؛ حيث يواظب عدد من كبريات وكالات الهوية المؤسسية عالميا على إصدار تقارير سنوية تعنى بتقييم الهويات المؤسسية عالميا وبالمعنى الحرفي لكلمة «تقييم». حيث تقوم تلك الوكالات بإعطاء قيم مالية على أساس منهجيات علمية - في الغالب - للهويات المؤسسية تكرس كنتيجة نهائية الفكرة التي تعتبر الهوية المؤسسية أحد الأصول غير الملموسة للمؤسسة Intangible Assets، والتي تشمل إلى جانب الهوية المؤسسية حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع والإجراءات الموثقة والبرمجيات والرخص وحصص الاستيراد والتصدير وغيرها. وقد حدث أن تربع عدد من اللاعبين التقليديين - كشركات المنتجات الاستهلاكية مثل كوكاكولا وشركات السيارات مثل تويوتا وفورد وشركات الأطعمة السريعة مثل مكدونالدز - المراتب الأولى في قائمة أعلى الهويات المؤسسية قيمة في العالم لفترة من الزمن جراء تأثيرات العولمة والثقافة الاستهلاكية والتطورات في مجالات التصنيع وخطوط الإنتاج وسلاسل التوريد وتزايد دور الإعلام والترويج. غير أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت تغيرا في ذلك الترتيب لتحتل شركات التقنية المراكز الأولى؛ فعلى سبيل المثال يبين تقرير وكالة إنتربراند Interbrand العالمية للعام 2021 حلول شركات التقنية المتمثلة في كل من آبل وأمازون ومايكروسوفت وجوجل وسامسونج على التوالي كأعلى الهويات المؤسسية قيمة على مستوى العالم، وهو ما يتوافق مع تنبؤ المدير العالمي لتقييم الهوية في وكالة إنتربراند مايك روتشا في لقاء عابر مع كاتب المقال منذ سبع سنوات، ذكر فيه بأن التقنية ستكون أكبر العوامل المزعزعة لتقييم الهويات المؤسسية عالميا.

إذن وبتطبيق ذات المفهوم على الهويات التسويقية للدول يمكن اعتبار تقارير وكالات تقييم الهوية السنوية كمؤشرات لقياس أداء الدولة في ذلك الجانب، وأيضا تقدير مدى تنافسية هويتها التسويقية مقارنة بدول أخرى سواء على المستوى العالمي عموما أو مع دول تتشابه معها في الخصائص أو تتشارك معها الحيز الجغرافي أو حتى تتكامل معها في جوانب سياسية أو اقتصادية. ومن أجل التأكيد على ذلك فإنه يمكن الاستدلال بالمبدأ الذي تتطرق إليه وكالة فيوتشربراند العالمية FutureBrand في تقاريرها السنوية حول تقييم الهويات التسويقية للدول والذي يقول بأن «الدول يمكن فهمها بناء على مجموع التصورات المتشكلة تجاهها» بحيث يقوم الناس بتفضيل منتجات أو خدمات قادمة من دولة ما بناء على تصوراتهم تجاه تلك الدولة، وأنهم باستهلاكهم لتلك المنتجات أو الخدمات إنما يستهلكون من خلال ذلك التصورات التي ترتبط في أذهانهم بتلك الدولة، وبأن الدول التي لا تستفيد من ربط التصورات حولها بكونها «بلد المنشأ Country of Origin» للمنتجات والخدمات التي تصدرها فهي تخسر بذلك ميزة هامة مقارنة بالدول الأخرى.

أما بالنسبة لمؤسسة براند فاينانس العالمية Brand Finance المختصة في تقييم الهوية - والتي أصدرت تقريرها السنوي لتقييم الهويات التسويقية للدول على مستوى العالم قبل قرابة أسبوعين - فهي تعتبر أن قوة الهوية التسويقية للدولة تعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية هي الاستثمار والسمعة والأداء الاقتصادي، وتشمل تلك المرتكزات عناصر عديدة تتمثل في بيئة التجارة والأعمال مثل مدى توفر البنى الأساسية ورأس المال الجريء والضرائب، وأطر الحوكمة والنظام القضائي، والعلاقات الدولية والانفتاح على العالم، ووسائل التواصل والإعلام، والتعليم والعلوم، والقيم المجتمعية وجودة الحياة، ومدى التأثير الدولي، ومؤشرات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشرات الاستثمار الأجنبي والباحثين عن عمل، والرفاه المجتمعي. كما تقوم وكالة براند فاينانس بربط مخرجات تقريرها السنوي لمؤشر أعلى الهويات التسويقية للدول قيمة بمؤشر القوة الناعمة للدول وذلك لارتباط التصورات المتشكلة تجاه الدول بقوتها الناعمة وحضورها العالمي.

وبالحديث عن ذات المؤشر - خصوصا لكونه قد نشر حديثا - فإنه تجدر الإشارة إلى أن سلطنة عمان قد تقدمت مرتبة واحدة بحلولها في المركز السادس والسبعين هذا العام، كما أنها حلت في المرتبة التاسعة بين أربعة عشر هوية تسويقية لدول عربية. بينما حلت سلطنة عمان في المركز الحادي والخمسين عالميا بين مائة دولة والمركز الثامن بين ثلاث عشرة دولة عربية في مؤشر القوة الناعمة للعام 2021 الذي تصدره ذات المؤسسة.

إن وجود ممكنات عديدة لزيادة الاهتمام بجانب الهوية التسويقية لسلطنة عمان مثل مؤشرات أداء رؤية عمان 2040 وخطة التنويع الاقتصادي ووضوح أدوار المؤسسات التي يمكنها الاستفادة بشكل مباشر من تلك الممارسة في ضوء إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة - وخصوصا وزارة التراث والسياحة ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار - إضافة إلى وجود جهات يمكنها الاستناد إلى التقارير العالمية حول تقييم الهويات التسويقية للدول مثل وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040 والمكتب الوطني للتنافسية بوزارة الاقتصاد، كلها عوامل تعطي مزيدا من الأمل بإمكانية تقدم السلطنة في هذا المجال خصوصا إذا ما وضعنا بعين الاعتبار المزايا التنافسية والمزايا النسبية التي تتمتع بها السلطنة إقليميا ودوليا.