قمة شرم الشيخ وما هو أبعد من التمويل!!

31 أكتوبر 2022
31 أكتوبر 2022

ليس من المبالغة في شيء القول بأن قضية التغيرات المناخية قد فرضت نفسها بقوة على مختلف دول العالم، متقدمة ونامية، ليس فقط بسبب الآثار المدمرة لهذه التغيرات في السنوات والأشهر الماضية، حيث كانت هناك السيول المدمرة، جنبا إلى جنب مع حرائق الغابات، وحالات التصحر، والتغيرات الحادة في معدلات سقوط الأمطار ودرجات الحرارة والرطوبة والأعاصير المتكررة، ولكن أيضا بسبب التوقعات والنتائج المتشائمة لما يمكن أن تكون عليه أحوال المناخ في السنوات القادمة، وهو ما دفع الكثيرين إلى العودة للاهتمام بقضية التغيرات المناخية، بعد أن كانت قد تعرضت لنوع من الإهمال بعد تولي الرئيس الأمريكي السابق ترامب لمهماته، وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 وإعلانه عدم قناعته بأن هناك مشكلة تغيرات مناخية تقتضي التعاون الدولي الجاد وواسع النطاق للتصدي لها ومحاولة الحد من تأثيراتها.

وفي الوقت الذي استكملت فيه مصر جهودها وترتيباتها لاستضافة وإنجاح «القمة العالمية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي - كوب 27» في شرم الشيخ الأسبوع القادم، برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومشاركة عدد كبير من قادة العالم منهم الرئيس الأمريكي بايدن والرئيس الفرنسي ماكرون وعدد من القادة العرب والأفارقة، فإن قمة شرم الشيخ للمناخ تكتسب الكثير من الأهمية في الحاضر والمستقبل، بالنسبة للدول النامية والمتقدمة أيضا، وهو ما يمكن الإشارة إلى بعض جوانبه فيما يلي: أولا، إن من المظاهر المميزة لقمة المناخ في شرم الشيخ أن القاهرة حرصت على أن تكون مدينة شرم الشيخ خلال القمة وبعدها مدينة لا تنبعث منها أية غازات أو عوادم ملوثة للبيئة، فكل السيارات والحافلات ووسائل النقل في المدينة ستعمل بالكهرباء أو بالغاز الطبيعي، وبالتالي تنسجم القمة مع الوضع في المدينة ومع هدف الحد من الانبعاثات الملوثة للبيئة. أما الجانب الثاني الذي يحسب للقاهرة هو أن استضافتها للقمة قد سبقته عمليات إعداد مكثفة ومدروسة وبالتعاون مع الأمم المتحدة واللجان الإقليمية لها في أقاليم العالم المختلفة، وهو ما وفر في الواقع إطارا تعاونيا على المستويات الإقليمية والدولية يشكل أحد مداخل نجاح القمة والإسهام في تحقيق أهدافها. وفي مقدمتها أن قمة المناخ -كوب 27- هي قمة تعبّر عن الاهتمام الدولي واسع النطاق عربيا وأفريقيا ودوليا للتعامل الجاد والفعال مع مشكلة التغيرات المناخية، وفي هذا الإطار قال جون كيري مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون المناخ قبل أيام إنه «يتعين على الموقعين على اتفاق باريس بذل جهود أكبر للتعامل مع الخسائر والأضرار وأن علينا الانتقال إلى المستوى التالي والدخول في حوار جاد حول كيفية تعامل العالم مع هذه القضية وآمل في هذا العام أن يكون الجميع على الموجة نفسها».

ثانيا، إنه إذا كانت قمة المناخ في شرم الشيخ تعيد قضية التغيرات المناخية إلى واجهة الاهتمام والتعاون الدولي، فإنها بما سبقها من عمليات إعداد شاركت فيه مجموعة كبيرة من دول العالم، عبر مؤتمرات إقليمية لبحث سبل التعاون العملي بين المجموعات الإقليمية والاتفاق على مشروعات مشتركة يمكن تنفيذها بالتعاون معا، فإن هذه القمة تؤكد في جانب منها زيادة القناعة على الصعيد الدولي بأهمية وضرورة التعاون بين دول العالم للتصدي لمشكلات وقضايا تمس العالم ككل، ومن شأن ذلك إنعاش سبل التعاون بين الدول في المجالات والقضايا غير السياسية ولصالحها جميعا. ومما يؤكد ذلك أنه تم عقد اجتماع لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفارقة حول تغير المناخ يوم 21 سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الرئيس الكيني وليام روتو. جدير بالذكر أن أزمة التغيرات المناخية التي يعاني منها كوكبنا بشكل متزايد تحمل درجة عالية من التفات الدول المسببة، أو على الأقل التي تتسبب في أكبر نسبة من الانبعاثات لغازات الدفيئة مثل الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا وأوروبا على سبيل المثال، وبين الدول الفقيرة، خاصة في أفريقيا، حيث لا تسهم القارة السمراء بنسبة 3% فقط من الملوثات والانبعاثات، في حين توجد هناك 17 دولة أفريقية من بين الدول الأكثر عرضة لخطر التغير المناخي، سواء على صعيد التصحر أو الفيضانات أو المجاعات أو السيول أو غيرها. والمفارقة أن هذه الدول الأفريقية لا تمتلك الموارد المالية للإنفاق على متطلبات إصلاح المناخ ولا الموارد المالية والاقتصادية الكافية لتنميتها، ومن هنا انبثقت فكرة التعاون الأقاليمي، أي على مستوى اللجان الفرعية التابعة للأمم المتحدة، وهي خمس لجان على مستوى العالم من أجل أن تبحث كل منها سبل ومجالات التعاون فيما بينها للحد من سلبيات التغيرات المناخية، وقد تم بالفعل التوصل خلال الأشهر الأخيرة إلى مبادرات ومشروعات متفق عليها في داخل كل لجنة إقليمية وهو ما سيصب ويتبلور خلال قمة شرم الشيخ الأسبوع القادم. وقد أشار وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال اجتماع نيويورك المشار إليه برئاسة الرئيس الكيني إلى ما يتصل بالشواغل والاهتمامات الأفريقية في قمة شرم الشيخ بقوله إن المؤتمر يتعين عليه «معالجة الشواغل الأفريقية في مجال المناخ وتنفيذ تعهدات المناخ والتحول العادل نحو الاقتصاد الأخضر ومعالجة الخسائر والأضرار الناجمة، فضلا عن توفير التمويل المناسب للدول النامية وخاصة أفريقيا في مجال المناخ، وأن المؤتمر سيتبنّى نهجا شاملا يضمن الانخراط الفعال من جانب كافة الأطراف المعنية بعمل المناخ الدولي بما في ذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني».

ثالثا: إنه إلى جانب القضايا الفنية المتعلقة بالتغيرات المناخية واحتمالاتها، وتلك المتعلقة بالإرادة السياسية للدول الصناعية الكبرى والدول الأخرى التي تشكل المصدر الأكبر لتلوث المناخ ومدى رغبتها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها السابقة واللاحقة، فإنه من المؤكد أن قضية تمويل إصلاحات الأضرار المناخية والحد من الأضرار المحتملة القادمة تشكل عبئا ضخما، ليس فقط من حيث حجمها، حيث تقدر بنحو 400 مليار دولار على الأقل في المنطقة العربية وحدها حتى عام 2030، وهي على المستوى العالمي أضعاف ذلك بكثير، ولكن أيضا من حيث مصادر تلك الأموال التي تسعى الأمم المتحدة وعدة مؤسسات دولية وأطراف مختلفة إلى حشد أكبر مصادر ممكنة للوفاء ولو بجزء منها. ومما له دلالة بالغة أن الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة عبّر عن أزمة التمويل بشكل دقيق بقوله إن تمويل العمل المناخي «غير كاف وغير كفؤ وغير عادل»، فهو غير كاف لعدم كفاية التمويل المتاح مقارنة بالاحتياجات، وهو غير كفؤ لأنه يستغرق وقتا طويلا من التفاوض حتى يتاح التمويل لصالح العمل الفعال، كما أن التمويل غير عادل لأن الدول الأكثر تضررا من ظاهرة التغير المناخي مطالبة بسداد فاتورة أزمة ليست سببا فيها كما أنها تحصل على النصيب الأقل من التمويل اللازم لتحقيق أهداف المناخ فيها، وذلك وفق تعبيره. ومن أجل الاستفادة الأفضل من مبادرات التمويل التي يجري العمل على تدبيرها وتجنب أساليب سابقة في تمويل الإصلاح المناخي تم الأخذ بأسلوب التعاون والعمل الأقاليمي المشترك وإيجاد مشروعات مشتركة لخدمة الإصلاحات المناخية والحد من الأضرار وتمويلها والاستفادة منها بشكل مشترك في مناطق العالم المختلفة للتغلب على معوقات العمل المناخي. وإذا كانت مبادرة «جفانز» تصل إلى نحو 130 تريليون دولار وصولا إلى جعل الانبعاثات صفرية -فإن مؤتمر شرم الشيخ سيكون على الأرجح مرحلة جديدة في العمل المشترك الإقليمي والدولي لإصلاح الأضرار المناخية وبالإسهام المشترك في تمويلها وفي تخفيف أضرار الدول المتضررة خاصة في أفريقيا وبأسلوب مختلف عما كان يتَّبع من قبل في هذا المجال.

د. عبدالحميد الموافي - كاتب وصحفي مصري