قمة الجزائر..هل تكون خطوة على الطريق ؟!

07 نوفمبر 2022
07 نوفمبر 2022

إذا كانت الجزائر الشقيقة قد استضافت، على امتداد مسيرة العمل العربي المشترك، عددا من القمم العربية التي كان لها تأثير إيجابي على العمل العربي والتضامن بين الأشقاء، وذلك منذ قمة الجزائر في أعقاب حرب عام 1973، فإنه ليس مصادفة أبدا أن تحرص الجزائر على العمل بكل السبل من أجل أن تكون القمة الحادية والثلاثون، قمة ذات تأثير في مسيرة العمل العربي المشترك، وهو ما اقتضى بفعل عوامل متعددة تأجيل القمة، التي حملت شعار «لم الشمل العربي» لتعقد في الأول من الشهر الجاري، ولتتزامن مع ذكرى استقلال الجزائر في مثل ذلك اليوم عام 1962، وليشارك القادة العرب وممثلوهم في القمة في احتفالات الجزائر الشقيقة بهذه المناسبة المهمة التي تحمل رمزية ومعاني كثيرة تبعث الأمل في نفوس العرب برغم أية إحباطات يفرضها الواقع العربي والإقليمي والدولي علينا وعلى قضايانا. وفي ظل الملابسات التي أحاطت بانعقاد القمة الحادية والثلاثين للقادة العرب في الجزائر، وما حاولت القيادة الجزائرية القيام به من أجل توفير كل سبل النجاح الممكنة لهذه القمة، ولتكون قمة فارقة، بالقدر الذي يتمناه الكثيرون من الأشقاء على امتداد المنطقة وخارجها أيضا، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

أولا: إن الجزائر، وبتأييد من بعض الأشقاء، كانت تتوق إلى أن يلتئم الشمل العربي، وأن تعود سوريا الشقيقة لتشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، بعد أن ظلت عقدا كاملا - منذ 2011 - بعيدا عن مكانها الطبيعي في الجامعة العربية، وهى – أي سوريا – كانت من أكثر الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية حماسا للعمل العربي المشترك، منذ مشاورات التأسيس لإنشاء الجامعة. وبرغم كل ما قام به الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون والدبلوماسية الجزائرية بقيادة رمطان لعمامرة، إلا أنه لم تتهيأ للأسف كل متطلبات عودة سوريا إلى شغل مقعدها مع انعقاد القمة وتنوعت الأسباب والضغوط التي حالت دون ذلك، وهو ما دفع القيادة السورية إلى الإعلان من جانبها عن تقديرها وتفهمها للجهود الجزائرية، وأنها لا تتمسك بالمشاركة في قمة الجزائر حرصا منها على إنجاح الجهود الجزائرية وإنجاح القمة لصالح كل الأشقاء، وحتى لا تكون الخلافات حول عودة سوريا لمقعدها سببا لخلافات أخرى في وقت تحرص سوريا فيه على إنجاح القمة والسير نحو تحقيقها للأهداف المنشودة منها. ومع إدراك حقيقة أن عرقلة عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية يعود في بعض جوانبه إلى أسباب سورية داخلية، وإلى أسباب عربية وإقليمية وتحفظات من جانب بعض الأطراف الدولية، خاصة في ظل موقف دمشق من الحرب في أوكرانيا، إلا أنه يمكن القول بأن جهود ومساعي القيادة الجزائرية لم تذهب سدى، ولكنها على الأقل عبرت نحو نصف الطريق في اتجاه عودة دمشق لمقعدها الطبيعي، وأصبح الجميع تقريبا يتوقع ذلك، عندما تزال بعض العراقيل المعروفة أسبابها. خاصة أن عواصم عربية أعادت فتح سفاراتها في العاصمة السورية، إلى جانب سلطنة عمان التي لم تغلق سفارتها في دمشق على امتداد السنوات العشر الماضية. وعلى أية حال فإن الظروف المحيطة بسوريا والمتصلة بها ستتغير على الأرجح خلال العام القادم، وربما قبل القمة العربية القادمة في الرياض. من جانب آخر فإن الجزائر الشقيقة ومن منطلق مواقفها السياسية المعروفة، وإخلاصها الشديد والثابت للحقوق العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، نجحت مشكورة في التوصل قبيل القمة إلى وثيقة الجزائر للمصالحة بين فتح وحمس وفصائل فلسطينية أخرى، وبما يوفر إطارا – في حالة نجاحها – لاستعادة الوحدة الفلسطينية والإعداد لإجراء انتخابات رئاسية وشعبية وللمجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج والانتقال بالتالي إلى مرحلة جديدة لمواجهة الخطط الإسرائيلية الهمجية المتواصلة والتي ستتواصل بسعار أشد بعد نجاح نتنياهو في الانتخابات الأخيرة حيث سيشكل أكثر الحكومات يمينية في إسرائيل في الأسابيع القادمة.

ثانيا: إنه مع إدراك حقيقة أن نجاح القمة العربية، أو أية قمة أخرى، وإن كان يعتمد بدرجة غير قليلة على جهود التحضير لها والقدرة على بناء أكبر توافق ممكن من جانب قيادة الدولة المنظمة لها، إلا أن الأمر في النهاية لا تنحصر مسؤوليته في الدولة المنظمة فقط، لأن هناك العديد من القضايا والعوامل المؤثرة، والرغبات المعلنة وغير المعلنة والتي تؤثر بشكل أو بآخر في محصلة نتائج القمة. وهو ما قد تتضح آثاره بعد نهاية الاجتماعات ومغادرة الوفود. جدير بالذكر أن القيادة الجزائرية، وفي إطار حرصها على تهيئة المزيد من فرص النجاح والتوافق أمام القادة، فإنها اقترحت على القادة عقد جلسة مشاورات غير رسمية وغير مقيدة بجدول أعمال لتبادل الرأي والأفكار فيما بينهم وعلى النحو الذي يريدون تمهيدا للاجتماعات الرسمية وتيسيرا للوصول إلى توافقات حول الموضوعات المطروحة، وهذا الأسلوب في المشاورات غير الرسمية على مستوى القادة تأخذ به القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي تعقد في مايو من كل عام في الرياض، ولكن القيادة الجزائرية دمجت بين الجانب التشاوري الذي يمهد للقمة وبين الجلسات الرسمية، حفاظا على وقت القادة وإتاحة لفرصة أكبر أمامهم. يضاف إلى ذلك أن القيادة الجزائرية اقترحت إدخال إصلاحات على آليات العمل العربي في إطار جامعة الدول العربية ومن ذلك إتاحة الفرصة لمشاركة ما من جانب الشباب العربي في التعامل مع بعض القضايا العربية وإيجاد آلية لتحقيق ذلك بشكل عملي، خاصة أنه كانت هناك مقترحات في هذا الاتجاه من جانب عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية.

ثالثا: إنه مع التقدير لجهود القادة وممثليهم في المشاركة في اجتماعات القمة العربية الحادية والثلاثين، فإنه من غير الصحيح ولا الملائم التقليل من أهمية عقد القمة العربية، وما استغرقته من إعداد وعمل كثير، سواء من جانب الدولة المضيفة، أو من جانب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ليس فقط لأن عمل المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، وحتى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة لا تخضع في عملها وأدائها لرغبات الجماهير، ولا لما تراه دولة واحدة من أعضائها، ولا لأية رغبات لسبب أو لآخر، لأن هذه المنظمات محكومة بمواثيق تعمل في إطارها أمانتها العامة والدول الأعضاء، ولكن أيضا لأن هناك خطوات وآليات وقواعد محددة ومعروفة للعمل، بدءا من إعداد جدول الأعمال وحتى إقراره ومناقشته واتخاذ القرارات وفق أسس وكيفية اتخاذ القرارات، وهذا جانب بالغ التعقيد وبعيد تماما عن معرفة ومتابعة الجماهير، ولذا كثيرا ما نسمع انتقادات تطلق على عواهنها، وأحيانا لأسباب وغايات محددة في ظروف معينة.

وإذا كان من المؤكد أن مسيرة العمل المشترك من خلال الجامعة العربية تحتاج إلى تعديل بعض جوانبها، وإلى زيادة فعاليتها وإكساب قراراتها مزيدا من الثقل والاعتبار لتصبح أكثر تأثيرا على الصعيد العملي وحتى يشعر بها المواطن العربي بشكل أكبر، فإن الجهود في هذا المجال تعود إلى سنوات طويلة، واجتهدت بشأنها كثير من الدول الشقيقة في ظروف ولأغراض مختلفة، ولكن الأمر في حقيقته يعود إلى الإرادة السياسية للدول العربية الأعضاء في الجامعة ولرؤيتها للعمل المشترك وحاجتها إلى تفعيله ولدور الجامعة أيضا على الصعيد العربي، والمؤكد أن تعديل أو تغيير ذلك لم يعد مرهونا برغبة دولة عربية واحدة، ولكنه يحتاج إلى أكبر توافق عربي ممكن. ومن خلال بيان الجزائر ومحتواه نتمنى أن تكون القمة الأخيرة خطوة على طريق طويل نتطلع إليه جميعنا من أجل حل القضايا العربية بشكل حقيقي ولصالح الشعوب العربية الآن وفي المستقبل وألا يقتصر الأمر على مجرد « إطفاء المشكلات العربية «، فالشعوب تحتاج إلى الحل الحقيقي، الذي يتطلب أكثر من رجل إطفاء.