قانون العمل.. بوابة للاستقرار الاجتماعي

31 يوليو 2023
31 يوليو 2023

لسنا مبالغين إن قلنا أن تعديل المنظومة التشريعية لقطاع العمل والتشغيل تتطور بوتيرة متسارعة منذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في سلطنة عُمان منذ عام 2020، وحقيقة وبكل ارتياح سُعدت فئات المجتمع كافة خلال الأسبوعين الماضيين بصدور المرسومين السلطانيين الساميين رقم (51، و53/ 2023) بشأن إصدار قانوني الحماية الاجتماعية والعمل لدورهما في تأطير العمل في القطاعين العام والخاص وأوجدت قانونا للحماية الاجتماعية لأول مرة ليس على مستوى سلطنة عُمان بل على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط عموما، ومن خلال اطلاعنا المستمر لما يتداول في مختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بعد إصدار القانونين، تابعنا الأصداء الإيجابية في شبكات التواصل الاجتماعي ورصدنا الارتياح والإشادة من مختلف شرائح أفراد المجتمع العُماني من مواطنين ومقيمين، وإن كانت هناك وجهات نظر وردود أفعال تباينت حول القانونين بين الترقب لإصدار اللوائح التنفيذية لتوضيح بعض مواد القانونين وآلية تنفيذهما والعمل بهما وبين المتسائل بشأن انعكاسات مواد القانونين على بيئة العمل والإنتاجية بعد استمرار اعتماد عدد (8) ساعات عمل في القطاع الخاص وزيادة المبلغ المستقطع من رواتب موظفي الدولة للمساهمة في أنظمة التقاعد بدءًا من الأول من يناير 2024 إلا أن الانطباع العام كان إيجابيا، خاصة أن قانوني الحماية الاجتماعية والعمل يحظيان باهتمام واسع ويترقبهما الجميع منذ الإعلان عن بدء الدورة التشريعية لهما؛ فكل ما يطرح ويناقش حول القانونين هو بلا شك محل تقدير واهتمام الحكومة عموما والجهات المشرفة على القانونين إلا أن التفاعل تركّز على الترحيب والإشادة بإصدار القانونين مع الترقب لإصدار اللوائح التنفيذية حتى تتضح الصورة كثيرا لدى القطاعين العام والخاص.

وبالنظر إلى مميزات القانون الجديد للعمل؛ فإنه أعطى طرفي الإنتاج (العامل وصاحب العمل) مزايا تمثّلت في التزام صاحب العمل بتوفير بيئة عمل جاذبة ومنظّمة، وإلزامه بوضع نظام تقييم للأداء في منشآته مع تحديد عدد (8) ساعات وساعة راحة بينما كانت مدة العمل في القانون السابق للعمل لا تزيد على 9 ساعات عمل في اليوم و45 ساعة عمل في الأسبوع، أيضا أجاز القانون منح العامل بناءً على طلبه إجازة خاصة من دون أجر واشتراط عدم المساس بحقوق العامل في حالة تكليفه بعمل غير متفق عليه، وإمكانية نقل العامل من العمل في ساعات العمل الليلية إلى ساعات العمل النهارية في حالة عدم قدرته على العمل خلالها، فيما تمثّلت امتيازات صاحب العمل في إمكانية تنظيم العمل في قطاعات معيّنة بحسب ظروف العمل في كل قطاع ما يوجد استقرارًا في العمل بالمنشآت، وتمكين صاحب العمل من إدارة منشأته بحسب ظروف القطاع الذي يعمل فيه، أيضا أجاز القانون لصاحب العمل بعد موافقة وزارة العمل أن يسمح لأي عامل بأن يعمل لدى غيره بصفة مؤقتة، وفيما يتعلّق بالإجازات فإن القانون الجديد للعمل وضع اعتبارات إنسانية ليعزّز استقرار العاملين اجتماعيا وذلك باستحداث إجازة أبوّة لمدة 7 أيام ومضاعفة رصيد إجازة الوضع إلى 98 يوما مع إمكانية تمتّع المرأة العاملة بإجازة من دون أجر لمدة سنة واحدة لرعاية طفلها، واستحداث إجازة مرافق مريض لمدة 15 يوما إضافة إلى زيادة عدد أيام الإجازة المرضية حتى 182 يومًا، ولم يغفل القانون الجديد للعمل عن مراعاة ظروف المرأة العاملة في ساعات العمل الليلية، ومزاولة الأعمال الخطرة والشاقة صحيا، ومساعدتها في رعاية طفلها وإعطائها ساعة يوميا تبدأ بعد انتهاء إجازة الوضع لمدة سنة، كذلك أوجد القانون بيئة عمل ملائمة ومناسبة للمرأة العاملة عبر توفير مكان مخصص للاستراحة في المؤسسات التي يزيد فيها عدد العاملات على 25 عاملة، كذلك وضع القانون الجديد للعمل ضوابط لتشغيل الأحداث (الأطفال من 15 حتى 18 سنة) بحظر تشغيل العامل الحدث من الجنسين أو السماح له بالدخول في أماكن العمل ما لم يبلغ سن 15 عاما، وضرورة التحقق من موافقة ولي الأمر أو الوصي بشأن تشغيل الأطفال من 15 حتى 18 سنة، وإجراء الفحص الطبي للتحقق من لياقة الحدث الصحية لمزاولة العمل مع عدم تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والإجازات الرسمية، وشدّد القانون على عدم تكليف الحدث بالعمل لساعات إضافية وعدم إبقائه في مكان العمل بعد المواعيد المقررة له إضافة إلى تحديد عدد (6) ساعات عمل في اليوم الواحد.

حقيقة، تضمّن القانون الجديد للعمل في طيّاته العديد من الإيجابيات للعاملين العُمانيين والباحثين عن عمل من بينها أن العمل حقٌ للعُمانيين ولا يجوز لغيرهم ممارسته في سلطنة عُمان إلا بشروط وضوابط شدّد القانون على التقيد بها، منها يحظر على صاحب العمل استقدام العمّال غير العُمانيين من دون ترخيص والذي اشتُرِط على حصوله عدم توفّر المؤهل عند العامل العُماني لشغل الوظيفة المعروضة، والتزام صاحب العمل بخطة التعمين ونسبها، وبما أن القانون أوضح شروط استقدام العُمال غير العُمانيين؛ فإنه ينبغي على وزارة العمل أن تشدّد الرقابة على المخالفين لبنود القانون وذلك بتعزيز التعاون بين الوزارة وشرطة عُمان السلطانية بحيث يشترط رسالة من وزارة العمل يتم تقديمها ضمن المستندات المطلوبة لاستخراج تأشيرة عمل تفيد بعدم توفّر العامل العُماني المؤهل أو الباحث عن عمل المناسب لشغل الوظيفة المعروضة، وأرى أن هذا المقترح ربما يعد أحد الحلول الفاعلة والمستدامة للتعامل مع قضية الباحثين عن عمل، وللتعامل مع قضية إنهاء خدمات العُمانيين من القطاع الخاص، حدد القانون الجديد للعمل آلية انتقال العُمال بانتقال المشروع مع إلزام صاحب العمل بتشغيل العُمانيين الذين كانوا في المشروع ذاته الذي آل إليه كليّا أو جزئيّا، ومنحهم الأجور والمزايا ذاتها المتفق عليها في اتفاقية الأيلولة، وذلك لضمان استقرار القوى العاملة الوطنية واستمرار المشروع الذي يعمل فيه العامل ولتعالج الإشكاليات المتمثلة في قيام بعض المنشآت برفع أجور العمال قبل انتهاء عملها في المشروع لكي تلحق ضررا بالمنشأة الجديدة التي يؤول إليها العمل وانتقال المشروع إلى منشأة أخرى بقيمة أقل من العقد السابق بهدف حل الإشكاليات المتعلقة بتطبيق المادة رقم (48) وفقا لما جاء في اللقاء الإعلامي الخاص بالقانون الجديد للعمل للتعريف بالقانون وأبرز محاوره أمام وسائل الإعلام.

أخيرا.. بعد صدور القانون الجديد للعمل نبدأ مرحلة جديدة من مراحل حوكمة قطاع العمل والتشغيل باشتماله على مواد وبنود محكمة بمشاركة كافة أطراف الإنتاج الثلاثة؛ إذ تتطلب التريث في إطلاق الأحكام المسبقة قبل صدور اللوائح التنفيذية المتعلقة بالقانون مع دعوتنا المستمرة لأطراف الإنتاج الثلاثة بقراءة مواد قانون العمل بتمعن وبتركيز تام حتى يكون كل طرف على بيّنة بما له وما عليه.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي