عن إعلانات البنوك

10 مايو 2022
10 مايو 2022

بالنسبة لقطاع يحوي عددا لا بأس به من اللاعبين وبيئة تنظيمية متكاملة فإنه يمكن القول بأن القطاع المصرفي يتسم بمستوى جيد من التنافسية نظريا على الأقل. ويمكن لغير المختصين في القطاع - من أمثال كاتب المقال - البحث عن الدلائل الداعمة لتلك الفرضية والتي يمكن أن يكون أحدها ما يطفو على سطح وسائط الإعلان من رسائل وتوجهات إبداعية ومنتجات جديدة وعروض وحملات. وبإمعان النظر إلى تلك العناصر يمكن استشفاف الطيف الواسع من المنتجات والخدمات المصرفية التي تتنافس عبرها البنوك وتقدمها لزبائنها من الأفراد والشركات وهي تتنوع بين خدمات البطاقات المصرفية - الخصم والائتمان ومسبقة الدفع - وخدمات القروض الشخصية والسكنية وقروض السيارات والدراسة وغيرها، وخدمات الحسابات المصرفية مثل الحسابات الجارية وحسابات التوفير والودائع، إلى جانب خدمات متنوعة للشركات مما قد لا نتعرض إليه بالضرورة كأفراد بذات المستوى تبعا لعادات استهلاكنا لوسائط الإعلان Media Consumption، أو وفقا لما تقوم به البنوك - أو وكالات الإعلان أو شراء وسائط الإعلان بالنيابة عنها - من ممارسات الاستهداف الجماهيري في حملاتها الإعلانية.

إن متابعة أي فرد يتعرض للمحتوى الإعلاني الصادر عن البنوك في سلطنة عمان يمكن أن تقوده إلى ملاحظة أن أكثر الموضوعات المضمنة في الحملات الإعلانية - حتى وقت قريب - كانت سحوبات جوائز حسابات التوفير. بالنسبة لموضوع سحوبات جوائز حسابات التوفير فهو عالم كبير بحد ذاته نال كاتب المقال فرصة التعرف إلى بعض جوانبه أثناء عمله في جانب وكالات الإعلان؛ حيث تركز بعض البنوك في تصميم تلك السحوبات على إجمالي الجوائز المالية المخصصة لها، بينما يركز البعض الآخر على أعداد الفائزين وفرصهم في الفوز وتوزيعهم الجغرافي - على مستوى المحافظات - والديموغرافي - على مستوى الفئات العمرية والجنسين - وعلى مستوى الدخل أو حجم المبالغ المودعة في حسابات التوفير. وبحسب ما كان يشرحه بعض المصرفيين في سبيل إعداد الملخصات الإبداعية للحملات Creative Briefs فإن هنالك فئة معينة من الجمهور تكرس الكثير من الوقت والجهد - والمال بطبيعة الحال - من أجل "مطاردة" جوائز حسابات التوفير. وقد كانت هذه الفئة تسعى إلى تشكيل فهمها الخاص وخطتها المناسبة في كيفية توزيع الأموال التي تحوزها على بنوك مختلفة بما يتوافق مع محاولة تحديد احتمالات الفوز، أو السعي لنقل تلك الأموال بين بنك وآخر كودائع في حسابات التوفير وفقا للبرامج الزمنية التي كانت تتبناها البنوك لحملات سحوبات الجوائز. وقد أدت ظواهر سلوك المستهلكين تلك إلى انتباه كل من الجهات التنظيمية في القطاع والبنوك ذاتها والقيام بتحسين جوانب مختلفة في العمليات المحيطة بتلك الجوائز من أجل ضمان عدم إساءة استغلالها من قبل بعض صائدي الجوائز.

وبالنسبة للرسائل الإعلانية التي كانت تتضمنها الحملات المروجة لسحوبات جوائز حسابات التوفير، فيمكن القول أن هنالك سمتان رئيسيتان فيها؛ الأولى هي أن هنالك بعض البنوك التي كانت تلعب الدور القيادي في القطاع نظرا لطبيعة حجمها وقدرتها المالية وبالتالي الإبداعية كذلك واتساع شريحة زبائنها - حصتها السوقية - وغيرها، وكانت هذه البنوك تمارس ذات الدور القيادي أيضا فيما يتعلق بمحاولات تجريب واستكشاف أساليب واستمالات جديدة سعيا للتقليل من التكرار الذي كان عادة ما يرافق هذا النوع من الحملات نظرا لأنها في النهاية كانت تتكلم عن ذات الموضوع لسنوات طويلة، وكانت غالبية البنوك الأخرى تقوم بتبني ممارسات إعلانية مشابهة في كثير من الأحيان ربما من أجل البناء على ما أسسته حملات البنوك القيادية من فهم لدى الجمهور، أو نتيجة لعدم استثمارها بالشكل الكافي في أنشطتها الإعلانية ما يؤدي إلى عدم وجود أفكار إبداعية جديدة. أما السمة الثانية فإنه وبالرغم مما كانت بعض البنوك تسعى إليه من التجديد والإبداع، فإنه يمكن للمهتمين بقطاع الإعلان وصف تلك الحملات بأنها غالبا ما يعتريها التكرار وقلة الإبداع خصوصا إذا ما قورنت بحملات تقدمها قطاعات تنافسية أخرى مثل قطاع الاتصالات.

عموما فإن ذلك كله قد أصبح جزءا من الماضي بعد اتخاذ الجهات التنظيمية قرارا يلزم البنوك بإلغاء سحوبات جوائز حسابات التوفير، والذي ربما يفسره بعض غير المختصين على أنه سعي لتغيير سلوك استهلاكي معين أو للدفع بالبنوك إلى تقديم خدمات ومزايا جديدة ومتنوعة لزبائنها، أو لإيجاد جوانب أخرى للمنافسة تعود بالنفع على شرائح أكبر من الجمهور، أو غيرها من الأسباب التنظيمية الأخرى. ونتيجة لذلك القرار فإنه يمكن للمتابع ملاحظة التحول الذي شهدته ممارسات الإعلانات الصادرة عن القطاع المصرفي منذ بداية هذا العام - وهو موعد دخول ذلك القرار حيز التنفيذ - حيث تكاد ذات السمتين المذكورتين أعلاه تهيمن مجددا على الحملات الإعلانية الصادرة عن البنوك.

لقد بات من الواضح أن المنطقة الجديدة التي حاولت البنوك التنافس فيها هي نسب الفائدة - أو الربح بالنسبة للبنوك الإسلامية - على القروض التمويلية، ولإثبات ذلك يمكن الانتباه إلى النمط الإخراجي السائد Art Direction لتلك الإعلانات، والتي تتشابه إلى حد كبير في ظهور نسبة الفائدة أو الربع بخط كبير، بغض النظر عن التفاوت الكبير بين تلك النسب - حسب ملاحظة الكاتب فهي تتراوح بين 3,5% و 4,85% - والذي قد لا يعي معناه المتلقي العادي. عدا عن ذلك فقد حاولت بعض البنوك الخروج بأفكار ترويجية جديدة مثل التمويل بدون رهن والتمويل دون الحاجة لتحويل الراتب. وقد يكون أحد العناصر التي أسهمت في تركيز البنوك على منتجات قروض التمويل خلال الربع الأول من هذا العام تزامنه مع شهر رمضان المبارك الذي عادة ما يرتبط أيضا بعروض السيارات، وهو ما كان واضحا في إعلانات بعض البنوك القيادية، إلا أنه قد يكون من المفيد عموما التساؤل حول مدى إمكانية استدامة التركيز على الحملات الإعلانية المرتبطة بنسب الفائدة والربح على القروض خصوصا وعلى الأقل ما قد يتوقع من تبعات رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نسب الفائدة من أجل كبح التضخم على دول المنطقة.

* بدر بن عبدالله الهنائي مهتم بالاتصالات الاستراتيجية والهوية المؤسسية