عمان والإمارات... ضمانات عملية لتكامل حقيقي

03 أكتوبر 2022
03 أكتوبر 2022

مما لا شك فيه أن العلاقات بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة هي علاقات «خاصة» وذلك وفق توصيف المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قبل سنوات عديدة. هي بالفعل «علاقات خاصة» تتجاوز العلاقات التقليدية بين الدول، سواء بحكم طبيعتها الاجتماعية والتاريخية، وبحكم مراحلها السياسية التي مرت بها حتى الآن، أو بحكم الآفاق الرحبة لها في الحاضر والمستقبل، بحكم الإرادة السياسية القوية والرغبة الحقيقية في النهوض بها ودفعها في مختلف المجالات وبفضل الرعاية التي يمنحها لها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق وأخوه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية الشقيقة. والمؤكد أن زيارة «الدولة» التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لسلطنة عمان يومي 27 و28 سبتمبر الماضي قد جسدت ذلك على نحو مباشر وعملي وعلى مختلف المستويات الرسمية والشعبية في الدولتين الشقيقتين. ومع الوضع في الاعتبار الدلالات العديدة والمضامين التي جسدتها زيارة الشيخ محمد بن زايد لسلطنة عمان، وهي أول زيارة «دولة» يقوم بها لإحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو لأية دولة أخرى منذ توليه مقاليد الحكم في منتصف مايو الماضي، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب ذات الصلة بالآفاق الرحبة للعلاقات العمانية الإماراتية والتي رتبتها هذه الزيارة الرفيعة ومن أهم هذه الجوانب ما يأتي:

أولا: إنه في ظل الأهمية الكبيرة لما يربط بين الدولتين والشعبين الشقيقين من روابط ووشائج قديمة وممتدة ومتواصلة على كل المستويات، رسميا وشعبيا، فإن زيارة الشيخ محمد بن زايد لسلطنة عمان ومحادثاته مع صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، تمثل ليس فقط إعادة النشاط والزخم للعلاقات العمانية الإماراتية، ولكنها تمثل في الواقع، أيضا، زيارة مفصلية في مسار وتطور العلاقات العمانية الإماراتية والآفاق الرحبة التي يتطلع إليها أبناء الشعبين الشقيقين. وهنا تكتسب تلقائية وحجم المشاعر والترحيب والسعادة على المستويين الرسمي والشعبي والتي عبرت مختلف أطياف الشعبين العماني والإماراتي عن أهميتها ودلالاتها، فهي بمثابة السياج الواقي لهذه العلاقات التاريخية، والأرضية الخصبة التي تنمو وتترعرع عليها العلاقات بين الشعبين الشقيقين، بل بين الشعب الواحد في الدولتين الشقيقتين. يضاف إلى ذلك أنه في حين تستند هذه الزيارة إلى خبرات وتراث ممتد على مدى العقود الأخيرة من التعاون العماني الإماراتي في مختلف المجالات، بما في ذلك داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلى الصعيد الثنائي وما تم إنشاؤه من لجان ومؤسسات مشتركة ولجنة عليا، وهي جميعا أذرع مهمة ومفيدة إذا تم تفعيلها بشكل كاف، فإن أهمية الزيارة المفصلية الأسبوع الماضي تتمثل، أيضا، في أنها تأتي وهي مستندة إلى قناعة عميقة، وعلى أعلى المستويات بأهمية وضرورة إعطاء دفعة قوية للعلاقات بين الدولتين الشقيقتين على كل المستويات، وذلك في ضوء قراءة كل نتائج العقود الماضية والرغبة في الانطلاق إلى آفاق وبمسارات تخدم المصالح المشتركة والمتبادلة والمتوازنة بين الدولتين والشعبين الشقيقين والدروس المستفادة عديدة ومتنوعة في مختلف جوانب العلاقات. وبينما تتمتع الدولتان الشقيقتان بالاستقرار السياسي الداخلي، وعلى مستوى العلاقات الثنائية، وباستقرار العلاقات مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، فإن التحديات التي تواجه دول وشعوب المنطقة والعالم من حولنا تفرض ضرورة دفع التعاون والتكامل بين سلطنة عمان ودولة الإمارات في هذه المرحلة وإعلاء صرح التعاون والشراكة الحقيقية بين الدولتين والشعبين الشقيقين في كل المجالات وهو ما ترسيه زيارة الشيخ محمد بن زايد.

ثانيا: إنه إذا كانت الإرادة السياسية على مستوى القيادة الحكيمة في الدولتين الشقيقتين صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم والشيخ محمد بن زايد، وما يجمع بينهما من وشائج وصلات وصداقة ممتدة وعميقة تمثل ضمانة كبيرة وبالغة التأثير في دفع وتنمية وتوسيع نطاق التعاون والتكامل الثنائي بين الدولتين، فإن الحاضنة الشعبية المتمثلة في الشعب الواحد في البلدين تمثل هي الأخرى ضمانة حيوية لتيسير وتفعيل التعاون على المستويين الحكومي والشعبي، بما في ذلك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، إذ إن شعبي البلدين يمتلكان أكثر خبرات العمل معا وأكثرها نجاحا على امتداد العقود الماضية، ولم يكن مصادفة أبدا أن تنطلق فكرة الانتقال ببطاقة الهوية عبر المنافذ الحدودية بين البلدين، ومعاملة المواطنين من البلدين معاملة المواطن في الدولة الأخرى، وأن يتم تطبيقها بين سلطنة عمان ودولة الإمارات قبل تعميمها بين دول المجلس وهذا على سبيل المثال فقط.

من جانب آخر، فإنه يمكن القول إن الإمكانيات الاقتصادية والموارد الطبيعية والسياحية والبشرية والمالية والتقنية ومزايا الموقع الجغرافي والعلاقات التجارية الواسعة والمتنوعة لسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وخبرة التعامل والتعاون بينهما على مدى العقود الماضية تشكل هي الأخرى ضمانة عملية ومفيدة على صعيد نجاح وتطوير التعاون والتكامل بين الدولتين في مختلف المجالات، خاصة أن كلتا الدولتين تمتلك مناخا استثماريا وفرصا واعدة إذا تم التخطيط العلمي لاستثمار الإمكانات المتوفرة للدولتين في إقامة مشروعات في مختلف القطاعات ذات الأولوية لتنميتهما في إطار الخطط والبرامج والأولويات المحددة في الدولتين في الحاضر والمستقبل وعلى نحو عملي ودون أية مبالغة.

ثالثا: ومع الوضع في الاعتبار رصيد التعاون العماني الإماراتي في العقود الماضية، فإن الزيارة أثمرت ليس فقط في إعادة الزخم وإعطاء دفعة كبيرة للعلاقات الثنائية بوجه عام، ولكن أيضا التوقيع على 16 اتفاقية ومذكرة تعاون «أربع اتفاقيات واثنتي عشرة مذكرة تعاون» في العديد من القطاعات وفي مقدمتها السكك الحديدية والاتصالات والنقل والطاقة والاستثمار وغيرها حسبما أعلن البيان المشترك في ختام الزيارة، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام نقلة نوعية عملية في التعاون، وبما يحقق تكاملا حقيقيا وضروريا لخدمة مصالح الدولتين والشعبين الشقيقين، وبما يعزز أمنهما المشترك ويوفر فرص توسيع وتعميق المصالح المشتركة والمتبادلة والاستفادة من الإمكانات المتاحة في الدولتين في الحاضر والمستقبل. ويظل الأمر مرهونا في النهاية بمدى القدرة على التطبيق العملي للاتفاقيات وسرعة تحويلها إلى حقائق على الأرض وهو ما تتوفر الآن كل متطلبات وضمانات تنفيذه عمليا.

وإذا كان من المعروف، على نطاق واسع، أن سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة تشكلان ركيزة أساسية على صعيد العمل المشترك في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكذلك على المستوى العربي العام في إطار جامعة الدول العربية، بحكم الالتقاء في وجهات النظر والإيمان بالمبادئ والأسس التي ينبغي أن تستند إليها العلاقات والتعاون بين الدول، شقيقة وصديقة، وفي مقدمتها احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والتعاون بحسن نية لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، وهي مبادئ تمثل إطار التعامل بين الدول وفق المواثيق الدولية، فإنه يمكن القول بأن سلطنة عمان ودولة الإمارات تقدمان من خلال نموذج العلاقات بينهما والآفاق الواسعة لتعاونهما وتكاملهما نموذجا طيبا ومفيدا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء وهو ما نحتاجه الآن على الصعيدين الخليجي والعربي، خاصة في ظل ما تفرضه تحديات الواقع العربي والإقليمي والدولي الراهن. والمؤكد أن للزيارة من ناحية، ولما تمثله عمان من اعتدال وحكمة وبُعد نظر جسّدته سياسات ومواقف السلطنة حيال مختلف القضايا والتطورات العربية والإقليمية من ناحية ثانية، يحسب لهما أنهما يقدمان الأمل لشعوب ودول المنطقة في إمكانية حل العديد من المشكلات الراهنة ومواجهة مختلف التحديات القائمة وذلك من خلال المساعي الحميدة لهما، وعبر الحوار الإيجابي ودفع وتعميق التعاون المشترك والمتوازن والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة لصالح مختلف الدول الشقيقة.