على بايدن عدم تكرار أخطاء ماضي السياسات الصناعية

26 سبتمبر 2023
ترجمة - قاسم مكي
26 سبتمبر 2023

اتَّبَعت إدارة بايدن أجندة اقتصادية جديدة وطموحة ترتكز على فكرة ترى أن الاعتقاد التقليدي السائد في العقود القليلة الماضية وتحديدًا وجوب تبنّي حرية الأسواق وحرية التجارة كان غير مناسب للوفاء باحتياجات اقتصاد الولايات المتحدة.

تلك المقاربة حسب بعض النقاد منحت الأولوية للكفاءة. وكان ثمن ذلك اللامساواة وتجريف (تآكل) الصناعة والإفراط في الاعتماد على بلدان مثل الصين.

بالمقارنة حشد الرئيس بايدن أكبر برنامج استثمار حكومي في الاقتصاد الأمريكي على مدى عقود صِيغ في معظمه للتشجيع على إحياء التصنيع وبالتحديد صناعة الرقائق الإلكترونية والانتقال بقطاع الطاقة إلى الموارد المتجددة.

البيانات الأولية من وزارة الخزانة تشير إلى نجاح هذه السياسات، فالإنفاق على تشييد مرافق الصناعة تضاعف منذ نهاية عام 2021 ومعظمها خاص بالحواسيب والإلكترونيات والسلع الكهربائية.

وارتفع الإنفاق على تشييد المباني للأغراض غير السكنية عموما بنسبة 15% تقريبا منذ إجازة قانون بايدن للبنية التحتية. كما ارتفع إنفاق القطاع الخاص بحوالي ثلاثة أضعاف تقريبا مقارنة بالقطاع العام.

بكلمات أخرى: سياسات ونفقات الحكومة كانت المحفِّز للقطاع الخاص، ولم تشهد الاقتصادات المتقدمة الأخرى مثل هذه الزيادات الكبيرة في بناء الصناعة، فهي تحدث في معظمها في الولايات المتحدة.

هذه النتائج مدعاة للإعجاب، لكن الاختبار الحقيقي لهذه النفقات الفيدرالية الضخمة سيتضح في الأجل الطويل. حقا في الأجل القصير سيوجد الإنفاق الحكومي والحوافز الضريبية ازدهارا. ومن الطبيعي أن يسارع القطاع الخاص للمشاركة وعدم تفويت الفرصة، لكن هل ستوجد سياسة الإنفاق هذه بمرور الوقت مجموعة شركات وصناعات قابلة للاستدامة؟ ما الذي سيحدث عندما ينفد مال الحكومة (وهو سينفد حتما)؟

في هذا السياق يصبح إضراب نقابة عمال شركات صناعة السيارات الأمريكية (يونايتد أوتو واركرز) حالة اختبار مهمة لسياسة بايدن الاقتصادية. من جهة يستحق العمال زيادات في الأجور. فشركات السيارات تحقق أرباحا جيدة. وخصَّت إداراتُها نفسَها (طبعا) بمكافآت سخية. لكن ما يشكل مكوِّنًا رئيسيًا لخطة بايدن الاقتصادية تحويل الولاياتِ المتحدة إلى قائدة في صناعة السيارات الكهربائية والتي تعتبرها سيارات المستقبل. لجعل ذلك يحدُث تغدق الحكومة الفيدرالية المنافع على صناعتها من خفضٍ ضريبي ضخم (يصل إلى 7500 دولار) لمن يشتري سيارة كهربائية إلى عدد كبير من الدعومات المالية للبطاريات والمعادن ومحطات التعبئة.

كل هذا الدعم يجعل من الممكن لشركات صناعة السيارات تحمُّل تكاليف مرتفعة. فإنفاق الشركات الثلاث الكبرى على ساعة العمل أعلى بقدر كبير من إنفاق شركة تيسلا. والمصانع الأمريكية تدفع للعاملين في المتوسط تقريبا ما يفوق ستة أضعاف ما تدفعه المصانع في المكسيك بل وأكثر من 25% من تلك التي في اليابان.

لكن التحدي الحقيقي سيأتي من الصين التي اكتسحت سوق السيارات الكهربائية. فما يقرب من ثلثي السيارات الكهربائية في العالم يتم تصنيعها في الصين. وشركة «بي واي دي» أكبر الشركات الصينية تفوقت على تيسلا هذا العام لتصبح أكبر بائعة للسيارات الكهربائية في العالم.

شركات السيارات الأمريكية محمية من المنافسة الصينية. فدونالد ترامب فرض رسما جمركيا بنسبة 27.5% على المستهلكين الأمريكيين تسديده إذا رغبوا في شراء سيارات من الصين. وأسس ذلك على سياسات حمائية كانت تعني تكاليف أعلى ووظائف أقل في أمريكا.

ففي الأجل الطويل تحبس هذه الرسوم الجمركية شركات السيارات الأمريكية داخل «فقاعةِ» تكاليفِها المرتفعة وتشكل سياجا يحميها من ضغوطات السوق. وسرعان ما ستهيمن السيارات الصينية في أجزاء كبيرة من العالم وحتى في أوروبا التي لا تتعدى رسومها الجمركية على السيارات 10% (حتى الآن).

وكما أشار جريج ايب كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة وول ستريت جورنال الحكايةُ الحقيقية للصناعة الأمريكية هي ركود الإنتاجية. فقد زادت كمية الإنتاج في الساعة الواحدة بنسبة 0.2% فقط في المتوسط سنويا منذ عام 2009. وهذا المعدل أقل كثيرا من المتوسط في تايوان الذي بلغ 4% في العام. لكنه أيضا يتخلف كثيرا عن بريطانيا وألمانيا وكوريا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا. وانهارت الإنتاجية في قطاع السيارات. فقد هبطت بنسبة 32% منذ عام 2012 حتى العام الماضي رغم تنبيه جريج ايب بأن ذلك ربما يشمل الاختلالات المرتبطة بالجائحة.

أحرز فريق بايدن الاقتصادي نقاطا عديدة، فالزيادة الضخمة في الإنفاق على البنية التحتية تأخرت كثيرا عن وقتها المناسب، وتمويل الأبحاث يزداد الآن في بعض المجالات (رغم أنه لا يزال منخفضا بالمقاييس التاريخية)، ومن المعقول دعم الرقائق الإلكترونية وهي صناعة بالغة الأهمية.

لكن السعي الأوسع نطاقًا لإحياء الصناعة سيشكل تحديا، فبلدان مثل اليابان وألمانيا وفرنسا بذلت كلها مثل هذه الجهود. ومع ذلك تدني التصنيع خلال العقود الماضية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بمعدل مطَّرد في كل هذه البلدان. وفي الولايات المتحدة تراجع إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 8% من التوظيف.

عكف باحثان هما جاري هوفباور ويجين يونج على دراسة السياسة الصناعية الأمريكية على مدى 50 عاما وتوصلا إلى أن الجهود الأكثر نجاحًا وإلى حد بعيد كانت تلك التي موَّلت الأبحاث الأساسية والتطبيقية وفتحت الأسواق للسلع الأمريكية.

لقد ثبت فشل العديد من الجهود التي بذلت لتعزيز صناعات محددة أو فرض حواجز تجارية. واتضح أن ذلك الفشل كان مكلفا.

وفيما تعكف إدارة بايدن على تطبيق هذه الخطط الطموحة ستُحسِن صُنعًا إذا تذكرت هذا الماضي وعملت على ألا يُحكَم عليها بتكراره.