عصفور في يد إيلون ماسك

26 أبريل 2022
26 أبريل 2022

«لا ندري أي اتجاه ستأخذه المنصة مع اكتمال صفقة الاستحواذ» هذه العبارة التي كانت أبرز ما قاله باراج أجراوال الرئيس التنفيذي لمنصة تويتر أثناء لقائه بموظفي المنصة، قد تكون أيضا تلخيصا لكافة النقاشات ووجهات النظر التي تفجرت منذ إعلان إيلون ماسك استحواذه على أكبر حصة في تويتر مؤخرا، مرورا بإفصاحه عن نيته شراء تويتر وتحويله لشركة خاصة، ولم تهدأ بكل تأكيد بعد الكشف عن إتمام الصفقة هذا الأسبوع بقيمة بلغت 44 مليار دولار أمريكي.

ولم يكن الرئيس التنفيذي لتويتر بطبيعة الحال الموظف الوحيد من تويتر الذي يعبر عن وجهة نظره تجاه هذا الاستحواذ التاريخي، فقد تناقل العديد من موظفي الشركة ردود فعل تعبر عن خيبة الأمل والتوجس من المستقبل الغامض وما إذا كان ما تم بناؤه خلال سنوات طويلة من أنظمة وخوارزميات وطرق إدارة بل وحتى أسلوب العمل المتفرد في تويتر سيقوم إيلون ماسك بتغييره أم لا. وبالحديث عن أسلوب العمل فإن إيلون ماسك هو ذاته الذي يعرف عنه بأنه «المدير القاسي» وهو كذلك «الذي لا يتردد في طرد أي موظف لا يتوافق مع طريقته في التفكير، بما في ذلك قيامه بحل فريق العلاقات العامة التابع له بشكل كامل في وقت سابق» حسب ما تصفه صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

في المقابل كان هناك عدد أقل من موظفي تويتر ممن يرون في استحواذ إيلون ماسك تغييرا للأفضل، حيث هيمنت وجهة النظر القائلة بأن صاحب أكبر ثروة شخصية في العالم لن يقدم على وضع ما يصل إلى 20% من ثروته في مشروع غير ذي جدوى. ولكن هل كان الدافع لدى إيلون ماسك نفسه في استحواذه على تويتر ماليا؟ قبل حوالي أسبوع من نشر هذه المساحة ظهر إيلون ماسك عبر مقابلة مصورة على منصة تيد.كوم الشهيرة وأجاب على بعض التساؤلات الكبرى حول نيته - في ذلك الوقت - في الاستحواذ على تويتر. وكان من أبرز ما قاله إيلون أن سبب رغبته في هذا الاستحواذ يتلخص في اعتقاده الراسخ بأهمية حرية التعبير المطلقة عن الرأي في ترسيخ قيم الديمقراطية، وبأنه يعتقد أن هنالك الكثير مما يمكن فعله من أجل تحرير تويتر من العديد من القيود التي تبناها خلال السنوات القليلة الماضية فيما يتعلق بإدارة المحتوى ومواجهة التطرف والتقليل من تأثيرات التضليل وخطاب الكراهية؛ وخصوصا ما شهدته الساحتان الأمريكية والعالمية من تطورات مرتبطة بفترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأعمال الشغب التي شهدها مبنى الكابيتول الأمريكي - مقر البرلمان - والانتخابات الرئاسية الأمريكية، إضافة إلى تطورات انتشار جائحة كورونا عالميا والتفسيرات المتباينة حول أصل انتشار الفيروس ونظرية المؤامرة والحرب الفيروسية وجدوى اللقاحات والأضرار الجانبية الناتجة عنها وغيرها مما وصفته منصة تويتر وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي بالتضليل والأخبار الكاذبة.

إيلون ماسك عبر بشكل صريح أنه لا يسعى لتحقيق عوائد اقتصادية من هذا الاستحواذ، وإنما هو تعبير عن قناعته العميقة بأن «حرية التعبير هي حجر الزاوية بالنسبة للدول الديمقراطية». ولكن هل تتبنى الدول التي تعرف بالديمقراطية وجهة النظر ذاتها؟ بعد الإعلان عن إتمام صفقة استحواذ إيلون ماسك بنجاح صرح مفوض الاتحاد الأوروبي للأسواق الداخلية - وهو أحد أكبر الشخصيات المؤثرة في تنظيم الفضاء الرقمي في الاتحاد الأوروبي - بأن على إيلون ماسك الامتثال للتشريعات الجديدة المنظمة للتواصل الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي التي أقرها الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي مؤخرا، والتي «تحكم الرقابة على المحتوى المنشور عبر منصات التواصل الاجتماعي وتفرض على الشركات المالكة للمنصات وجود الأدوات التي تمكنها من تفعيل تلك الرقابة. وكانت خلاصة تصريح المفوض الأوروبي للأسواق الداخلية للفاينانشال تايمز «إننا نرحب بالجميع. نحن منفتحون ولكن بشروطنا، وعلى الأقل نعرف ما يمكننا قوله لإيلون ماسك: إيلون، هنالك قوانين. نحن نرحب بك ولكن هذه هي قوانيننا، ولن تكون أبدا قوانينك هي ما سيطبق هنا». أما في المملكة المتحدة - التي خرجت مؤخرا من مظلة الاتحاد الأوروبي - فهي تضع اللمسات النهائية على قانون جديد للتواصل الرقمي بمسمى «السلامة على الإنترنت Online Safety Bill» والذي تعرّفه الحكومة البريطانية بأنه «يمثل علامة فارقة في الحرب من أجل عصر رقمي آمن بالنسبة للمستخدمين، ويحمّل الشركات التقنية العملاقة مسؤولية أكبر من أجل ضمان ذلك» ما يعني إيجاد قيود قد تؤثر على ما يسعى إليه إيلون ماسك وغيره من ملاك منصات التواصل الاجتماعي من حرية مطلقة للتعبير على الإنترنت.

إن الطرح الذي يتبناه إيلون ماسك في تبريره لعملية الاستحواذ على أنها تعزيز للديمقراطية مدعاة للتساؤل حول العلاقة بين ممارسات التواصل وأسس الديمقراطية، وقد يكون من أكثر الأجوبة إثارة للاهتمام ما قام الأمريكي إدوارد بيرنيز - مؤسس علم العلاقات العامة - بتضمينه في كتابه الشهير «البروباجاندا (أو الدعاية)» Propaganda المنشور في العام 1928 حيث يقول بأن «القيام بالتلاعب (أو التأثير) المقصود والممنهج على العادات والآراء المنظَّمة للعامة هو عنصر مهم في المجتمع الديمقراطي. إن أولئك الذين يتلاعبون (أو يؤثرون) بآلية غير مرئية على المجتمع يشكلون حكومة خفية، وهي بمثابة السلطة الحاكمة في بلادنا. نحن محكومون، وعقولنا مقولبة، وأذواقنا تشكَّل خارجيا، وأفكارنا ليست وليدة تفكيرنا الذاتي. كل ذلك يفعله أشخاص لم نسمع بهم من قبل، هم الذين يصلون الأسلاك ببعضها من أجل التحكم بالعقل الجمعي».