طوفان الأقصى... ما الذي تغير؟

13 يناير 2024
13 يناير 2024

بعد يوم واحد من الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر أو مثلما يسميها الإسرائيليون بحرب «يوم الغفران» تفاجأت إسرائيل صباح السابع من أكتوبر بإطلاق صاروخي كثيف نحو المستوطنات والبلدات الإسرائيلية في الشمال والجنوب من قطاع غزة حيث بلغ عددها ما يقارب خمسة آلاف صاروخ والتي كانت بمثابة غطاء للتمهيد لاقتحام بري لمقاتلي فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لمستوطنات غلاف غزة وتحطيم السياج الحدودي والفاصل الأمني بين القطاع والمستوطنات الإسرائيلية. وقد أسفرت سيطرة المقاتلين على مواقع حيوية وقواعد عسكرية في العمق الإسرائيلي عن أسر مستوطنين وعسكريين إسرائيليين وسيطرة الفصائل على معبر إيرز (معبر بيت حانون) إلى جانب مواقع أخرى في مستوطنات الغلاف استمرت المواجهات فيها يومين مع القوات الإسرائيلية حتى انسحاب مقاتلي المقاومة منها. وقد أعلنت إسرائيل حالة الحرب لأول مرة منذ حرب أكتوبر في عملية أطلقت عليها «السيوف الحديدية» ووجهت قواتها الجوية نحو إبادة القطاع. كشف اقتحام المقاتلين للحدود مع مستوطنات الغلاف الفشل الاستخباراتي والعسكري لإسرائيل حيث صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن: «7 أكتوبر كان يوما أسود في تاريخ إسرائيل» وحُطمت للمرة الثانية في تاريخ إسرائيل أوهام وأساطير القوة التي بنتها إسرائيل حول مؤسساتها العسكرية والاستخباراتية. وليست المرة الأولى التي تخوض فيها إسرائيل حربا على القطاع فقد سبقها الحرب على القطاع في 2014 و2021، فما الذي تغير؟

ردود الفعل الدولية والإقليمية

ليست إسرائيل وحدها من تفاجأت بالعملية فقد عبر العالم عن تفاجئه بالعملية وقدم دعما سياسيا وماديا غير محدود لإسرائيل، لاسيما من حلفائها السياسيين والاقتصاديين، في «حق» الدفاع عن نفسها أمام ما وصفته الإدارة الأمريكية بـ «الهجمات الإرهابية» ولم تتردد في تقديم الدعم السياسي والمالي والعسكري لإسرائيل منذ اليوم الأول حيث أقامت جسرا جويا لنقل المساعدات العسكرية إلى إسرائيل لتصنع نكبة جديدة ومستمرة أكثر بشاعة مما سبقها من نكبات ونكسات في تاريخ الفلسطينيين. فقد أعلنت إسرائيل إلى جانب عملياتها الجوية إلى بدء عملياتها البرية في القطاع، ما أدى رغم اختلاف موازين القوى بينها وبين فصائل المقاومة، إلى مواجهات برية في المدن كلفت جيش الاحتلال الإسرائيلي فيها العديد من القتلى والجرحى من القيادات العسكرية بحسب الإعلام الإسرائيلي إلى جانب خسائرها في الآليات العسكرية. ورغم الإدانة العمياء من حلفاء إسرائيل لعملية طوفان الأقصى، فإن الموقف العام لدول الإقليم -الذي لم يتعد الإدانات الرسمية- قد شدد على حماية المدنيين من «كل الأطراف» وضرورة الوقف العاجل «لأعمال العنف» دون إدانة صريحة ومباشرة للعملية أو لحماس واعتبار العملية نتيجة طبيعية لأعمال العنف والتطرف للحكومة الإسرائيلية.

ومع إطالة أمد حرب الإبادة الإسرائيلية أبدت الدول العربية موقفا رسميا أكثر حدة يدين إسرائيل ويطالب الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل لتسهيل دخول المساعدات والوقف العاجل لإطلاق النار الذي واجهه الفيتو الأمريكي في مجلس الامن بالرفض لكل مشروع داع لوقف إطلاق النار، بالإضافة إلى تأكيدها الدائم على رفضها لمخططات التهجير الذي كانت تسعى الحكومة الإسرائيلية لتنفيذه والذي يعني تصفية للقضية الفلسطينية. وانعكست آثار الحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة سياسيا وعسكريا على الوضع في الضفة الغربية وعلى الوضع الفلسطيني ككل، حيث تصاعدت أعمال العنف الإسرائيلي في الضفة وارتفع عدد الاعتقالات إلى ما يزيد على ٤ آلاف معتقل منذ بدء الحرب. وبدأت أصوات في منظمة التحرير الفلسطينية وحماس تؤكد على ضرورة تجاوز الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي بدأ في 2007 إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة. وقد تؤدي المبادرة المصرية التي تضمنت تشكيل حكومة تدير غزة بعد الحرب إلى جانب مراحل أخرى وصولا لوقف إطلاق النار، في حال قبول جميع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية بها، إلى خلق معادلة سياسية جديدة في الضفة وغزة تتجاوز الانقسام المكاني والسياسي قبل الحرب. ورغم الهدنة التي تمت بوساطة مصرية-قطرية بعد ما يقارب من 49 يوما على بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع وما نتج عنه من وقف للأعمال العسكرية وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات التي لم توفر إلا ما هو أقل من الأدنى للعيش في القطاع استأنفت إسرائيل بعد 7 أيام أعمالها العسكرية الجوية والبرية المدمرة للبشر والمدن وكافة السبل التي يمكن أن تؤمن الحد الأدنى للحياة في القطاع ما يظهر رغبة إسرائيلية بالتشفي والانتقام تعبيرا عن جرحها النرجسي بمحو غزة بما فيها من بشر وحجر وبدفع سكانها للنزوح والتهجير.

المواجهة مع فصائل محور المقاومة

تمت العديد من المناوشات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله على الجبهة اللبنانية دون أن يوسع الحزب اشتباكاته إلى حربا مع إسرائيل. وبالمثل لباقي فصائل محور المقاومة في سوريا والعراق فقد اكتفت بقصف مواقع تابعة للعدو الإسرائيلي أو للجيش الأمريكي المتواجد على أراضيها، وردود فعل انحصرت بين قصف مواقع تابعة للفصائل أو تنفيذ اغتيالات بحق قياداتها. ومع دخول أنصار الله (الحوثيين) على خط المواجهة، فقد شن الحوثيون هجوما جويا بصواريخ باليستية تمكنت الدفاعات الجوية التي مرت عبرها من التصدي لها أو أخطأت إصابة أهدافها للمسافة التي تفصلها عن الأراضي المحتلة مع قصر مدى صواريخها نسبيا وما حمله من تهديدات محتملة للهدنة والسلام في اليمن. ونقل الحوثيون هجومهم إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب بمنع السفن المتجهة لإسرائيل من العبور، حسب ما أعلن المتحدث العسكري باسم أنصار الله. حيث هاجم الحوثيون العشرات من السفن ومنعوا عبورها، ما مثّل تهديدا لحركة الملاحة والتجارة في البحر الأحمر، شكلت على إثر ذلك الولايات المتحدة التحالف العسكري «حارس الازدهار» والذي انضمت لها 20 دولة لم يعلن عنها جميعها، بحسب ما أعلن البنتاغون.

الأسوأ في التاريخ الفلسطيني والإنساني

إن استمرار حرب الابادية الإسرائيلية لما يزيد على 90 يوما، قد ناقض توقعات المراقبين بأمد أقصر للحرب مقارنة بحروب إسرائيل السابقة بعدم تحملها تكلفة إعلان التعبئة العامة بشريا واقتصاديا، ما يحمل دلالة لاكتساب إسرائيل إمكانيات جديدة باحتمالية أكبر لمد أجل حروبها وفقا لتصورات وأهداف القادة الإسرائيليين على الأرض مع بقاء جسر الإمداد العسكري والدعم غير المحدود لها من حلفائها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وما أبدته من موقف منحاز بالكامل لإسرائيل يتعارض مع المصالح والرؤى الإستراتيجية لحلفائها من الدول العربية. ومع بدء الحرب على القطاع واستمرارها فإن إمكانية اتساع رقعة الأعمال العسكرية وتهديد استقرار المنطقة جراء الحرب بات يوحي أن الولايات المتحدة تعمل في طريق مناهض لتحقيق الاستقرار المرجو في سبيل الحفاظ على أمن إسرائيل، وهذا ما ردت عليها دول المنطقة بعدم الانضمام إلى التحالف الدولي الذي شكلته وأن تتحمل وحدها تبعات أفعالها وتصعيد حربها على غزة. ومع عدم وجود أي أفق لوقف إطلاق النار سواء من الإدارة الأمريكية أو من الحكومة الإسرائيلية ووسط مخططات لتهجير سكان القطاع وحصار إسرائيلي خانق يعيشه سكان القطاع بانعدام كافة وسائل توفير أساسيات العيش مع تفشي للأوبئة والأمراض المعدية وتدمير كافة إمكانيات الحياة بتدمير المجمعات السكنية، وما يزيد على عشرين ألفا من الضحايا المدنيين منذ بدء الحرب ورفض واستنكار عربي وإسلامي شعبي واسع للمجازر الإسرائيلية بات استمرار الحرب عبئا سياسيا وأخلاقيا على الإدارة الأمريكية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتي لطالما أخذت على عاتقها الحضاري نشر قيم الحرية والإنسانية في العالم، وازدواجيتها عندما يتعلق الامر بإسرائيل.

سهى العبري كاتبة وباحثة مهتمة بالشأن الفلسطيني