ضريبة القيمة المضافة والرسوم .. كي لا تنشأ علاقة تكافلية

03 مايو 2021
03 مايو 2021

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي *

في منتصف شهر أبريل الماضي بدأت عمان في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة نسبتها 5% من قيمة السلعة أو الخدمة و يتحملها المستهلك النهائي. وقد استُثني من هذه الضريبة عدد من السلع تشمل مجموعة من السلع الغذائية، وكذلك عدد من الخدمات منها الخدمات المالية. لكن يبدو أن هناك لبسًا في الموضوع، إذ من غير المعروف للجميع الخدمات المستثناة تحديدًا، أي التي لا تخضع للضريبة. المعروف أن السلع لها تصنيف بأرقام محددة في إطار ما يُعرف بالنظام المنسق للسلع Harmonised System (HS)، الذي يتجدد بين فترة و أخرى وتصدره منظمة الجمارك العالمية، أما الخدمات فقد لا يكون لها تصنيف حصري معترف به عالميًا مثلما هو في السلع.

ويأتي تطبيق ضريبة القيمة المضافة ليصبح ثالث نوع من أنواع الضرائب يتم تطبيقه في السلطنة، وذلك بعد «ضريبة الدخل على الشركات»، أو بالأحرى الضريبة على أرباح الشركات، التي بدأ تطبيقها بموجب القانون المعروف بقانون «ضريبة الدخل» الذي صدر في عام 1971، والذي تم تعديله بعد ذلك عدة مرات، كان آخرها في أكتوبر من عام 2020. وتبلغ نسبة تلك الضريبة حسب آخر تعديل 15%، هذا إذا استثنينا التخفيض إلى 12% الذي أدخل مؤخرًا وبصفة مؤقتة في إطار الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من آثار جائحة كوفيد19. وبالإضافة إلى الضريبة على أرباح الشركات، هناك أيضا الضرائب/الرسوم الجمركية، وهي تفرض على الواردات من الدول التي لا ترتبط عمان معها باتفاقيات تجارة حرة. ولعمان تاريخ طويل في أنظمة الجمارك والرسوم الجمركية، أو «العشور» التي كانت تفرض على السلع الواردة إلى عمان أو الصادرة منها.

وبالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة والضريبة على دخل الشركات والضرائب/ الرسوم الجمركية، فإن السلطنة تطبق أيضًا رسومًا بمبالغ مقطوعة متفاوتة على عدد من الخدمات التي تقدمها بعض الجهات الحكومية، هذا بالإضافة إلى الزكاة التي يخرجها القادرون عليها طواعية، وتتراوح نسبتها بين 2.5% على النقود والتجارة و 10% أو 5% على بعض أنواع المزروعات.

معلوم أن هناك فرقا بين الرسم والضريبة، فالرسم هو مبلغ مقابل خدمة ويدفعه المستفيد من تلك الخدمة، وقد يكون مبلغًا مقطوعًا أو قد يكون نسبة من ثمن تلك الخدمة، أما الضريبة فهي ليست مقابل خدمة وإنما يدفعها الجميع للدولة باستثناء من نص القانون على إعفائهم منها، وهي دائما تدفع كنسبة من ثمن السلعة أو الخدمة وليس مبلغًا مقطوعًا.

تختلف ضريبة القيمة المضافة عن الضريبة على أرباح الشركات وعن الضريبة/ الرسم الجمركي، في أنها ضريبة مباشرة على الاستهلاك و يتحملها المستهلك النهائي. وهي بصفة عامة تفرض بنسبة مئوية موحدة على جميع السلع والخدمات الخاضعة للضريبة، إلا أن بعض الدول تفرضها بنسب متفاوتة مراعاة للمستهلكين أو لتحفيز إنتاج أو استهلاك سلع معينة.

وحيث إنه ليس للخدمات تصنيف متفق عليه عالميًا مماثل للتصنيف المعتمد للسلع، فإنه يخشى أن تقوم بعض الشركات والجهات «بتفريخ» خدمات أو تجزئة خدمات أخرى، ثم تفرض رسومًا عليها بغية الاستفادة من ذلك، وهو ما قد يرضي أو يلاقي استحسان الجهات المعنية بالضرائب، لأن كل رسم تفرضه الشركة أو الجهة المقدمة للخدمة سيخضع في الغالب لضريبة القيمة المضافة، وبذلك تنشأ بين الجهتين ما يسميه خبراء الاقتصاد السياسي، علاقة تكافلية symbiotic relationship أو علاقة ترممية parasitical relationship.

وقد لوحظ أنه فور بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة، باشرت البنوك بفرض ضريبة بنسبة 5% على رسوم خدمة التحويل بين الحسابات في البنوك، مع أنه قيل أن الخدمات المالية هي من الخدمات التي لا تخضع لضريبة القيمة المضافة. ومن غير المستبعد أن تقوم جهات أخرى، مثل: شركات الاتصالات أو التأمين أو الكهرباء أو حتى المطاعم وشركات توصيل المشتريات وغيرها بإجراء مماثل، الأمر الذي يخشى معه أن تتكاثر هذه الرسوم وتلقى في ذلك رضا، أو على الأقل تغاضي الجهات المعنية بالضرائب، طالما أن ذلك سيزيد من الحصيلة الضريبية. هذا على افتراض حسن النية في الجهة التي فرضت الرسم، وأن النسبة التي أضافتها على الرسم هي فعلا ضريبة وأن حصيلتها سيتم تحويلها إلى الحكومة، وذلك ما يتطلب تفتيشًا أو فحصًا ضريبيًا دقيقًا من قِبَل جهاز الضرائب للتحقق من تحويل الضرائب المفروضة على الرسوم إلى الحكومة.

وبالإضافة إلى أن الوقت الذي تم اختياره للبدء في فرض ضريبة القيمة لم يراعِ ظروف الفئات متوسطة و منخفضة الدخل، كون الضريبة فرضت في شهر رمضان الذي عادة ما يزيد فيه الاستهلاك وتزيد المشتريات استعدادا لعيد الفطر، فإنه كان من الأنسب لفرض هذا النوع من الضرائب في عمان تطبيق قاعدة «القائمة الإيجابية»، أي وضع قائمة بالسلع والخدمات التي تخضع للضريبة، وكل ما ليس في تلك القائمة لا يخضع لها. أما الطريقة التي يتم اتباعها الآن فهي«القائمة السلبية»، أي أن القائمة تضم السلع والخدمات المستثناة، و كل ما عداها يخضع للضريبة. وفي رأيي أن الحاجة إلى تطبيق قاعدة «القائمة الإيجابية» هي الأنسب، خاصة في تطبيق الضريبة على الخدمات؛ لأن الخدمات لا تخضع حسب علمي لتعريف وتصنيف دقيق متفق عليه عالميًا كما هو الحال في السلع، وهو ما قد يجعلها عرضة للزيادة بصورة عشوائية، مما يضر بالمستهلكين ودافعي الضرائب. بالإضافة إلى أن تطبيق «القائمة الإيجابية» ينسجم مع مبدأ التدرج في تطبيق السياسات، الذي يلقى قبولًا اجتماعيًا أكثر من القفزات أو الصدمات. ومن أجل عدم تكليف المستهلك بأعباء إضافية بطريقة عشوائية، فإنه من المفيد قبل فرض أي رسم أخذ الموافقة من الجهات التنظيمية، مثل: البنك المركزي أو هيئة تنظيم الخدمات أو هيئة تنظيم الاتصالات، وكذلك هيئة حماية المستهلك. لكن في المقابل هناك خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التعقيدات التي يعاني منها حاليا أصحاب الأعمال و المستثمرين.

وهناك أمثلة كثيرة على ما قد ينشأ من «تكاثر» للرسوم التي ربما تخضع للضريبة، ومنها مثلاً رسوم تقديم طلب توصيل هاتف أو إنترنت أو كهرباء، أو رسوم الخدمة التي تفرضها المطاعم أو المقاهي إلى جانب ضريبة القيمة المضافة و ضريبة البلدية أو السياحة، مما سيؤدي إلى تحميل المستهلك ضرائب تراكمية ينتج عنها آثار تضخمية و إضعاف للقدرة التنافسية للاقتصاد، خاصة في قطاعات مثل السياحة والصناعة وغيرهما من القطاعات.

خلاصة القول إن تطبيق قاعدة «القائمة الإيجابية» في فرض ضريبة القيمة المضافة هو الأنسب لبلد مثل عمان، حيث إن العبء على المستهلك سيكون أقل، وكذلك على الجهة المعنية بفحص الضريبة وتحصيلها. وربما يظهر في الأيام القادمة ما كان خافيًا من صعوبات ليصار إلى إزالتها، خدمة للصالح العام وخفيفًا من الأعباء على المستهلكين، خاصة أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة منهم.

** باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية