صندوق عُمان المستقبل.. انطلاقة للمستقبل

22 يناير 2024
22 يناير 2024

يشهد الاقتصاد العماني منذ عدة سنوات حراكا كبيرا وجهودا مضنية لتنميته ومواصلة نموّه حتى يكون أحد الاقتصادات الواعدة المتطورة خلال السنوات المقبلة عبر تنفيذ العديد من الأعمال والأنشطة والمبادرات التي تسهم في تعزيز الجهود الوطنية للمضي قدما نحو التنويع الاقتصادي وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان. من بين هذه الجهود الداعمة لتنمية الاقتصاد العماني هو إطلاق صندوق عُمان المستقبل وهو صندوق استثماري أسسه جهاز الاستثمار العماني بالشراكة مع وزارة المالية، ويعد المحفظة الثالثة للجهاز مع محفظتي التنمية الوطنية والأجيال. ويحظى الصندوق باهتمام واسع من مختلف شرائح المجتمع العماني منذ صدور التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بإنشائه في شهر مايو من العام الماضي، وذلك لترقبهم نشر تفاصيل الصندوق وآلية عمله وحوكمته ليكون أحد الصناديق الاستثمارية الرائدة عالميا. وقبل التطرق إلى تفاصيل صندوق عُمان المستقبل لا بد أن نشير إلى أن الصندوق يهدف إلى تعزيز الاقتصاد العماني، وتمكين القطاع الخاص، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع رأس المال الجريء، والمساهمة في التنويع الاقتصادي، والدخول في شراكات استثمارية، إضافة إلى التكامل مع منظومة التمويل الحكومي، وهذه الأهداف الوطنية التي وضعت لتحقيق الغاية المرجوة من الصندوق خصّص لها مليارا ريال عُماني وفق خطط مدروسة واستراتيجيات وطنية تمتد لـ5 سنوات (2024-2028) بمعدّل 400 مليون ريال عماني كل سنة يخصص منها 10% للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، و90% للمشاريع المحلية المباشرة في قطاعات كل من السياحة، والصناعة والإنتاج، والطاقة الخضراء، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعدين، والثروة السمكية، والزراعة إضافة إلى الموانئ والخدمات اللوجستية. ولأن صندوق عُمان المستقبل يهتم بالاستثمارات في مجالات تقنية المعلومات ونظمها وعلومها والتكنولوجيا المرتبطة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، قام جهاز الاستثمار العماني بإطلاق منصة إلكترونية لتقديم طلبات الاستثمار والرد عليها ومتابعتها وكذلك تمكّن المستفيدين من الوصول للمعلومات المتعلقة بالصندوق والمتطلبات والمعايير لاختيار المشاريع التي ستحظى بتمويل من صندوق عُمان المستقبل؛ فالتحسن الذي يشهده الاقتصاد العماني خلال السنوات الماضية نتيجة انخفاض نسبة الدين العام إلى المستويات الآمنة وتحسّن التصنيف الائتماني لاقتصاد سلطنة عمان، إضافة إلى الانتعاش الاقتصادي المتوقع من صرف منافع الحماية الاجتماعية الداعم للقوة الشرائية في سلطنة عمان، كان لها دور في تشجيع الحكومة على إطلاق برامج تحفيز الاقتصاد ودعم القطاع الخاص مما سيدعم الجهود الوطنية لتعزيز التنويع الاقتصادي وإيجاد معالجات مستدامة لبعض الموضوعات الاجتماعية التي تعتمد على النمو الاقتصادي والتوسّع في المشروعات الاستثمارية وجلب المشروعات الاستثمارية الأخرى عبر تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. ومن بين هذه الموضوعات المؤمل معالجتها موضوع الباحثين عن عمل ورفع مستوى رفاهية المواطنين رغم وجود مبادرات تتبناها الجهات ذات العلاقة للتعامل مع هذه الموضوعات، وبدأ أفراد المجتمع بتلمّسها حديثًا مثل مبادرات وزارة العمل المتنوعة في التوظيف، وكذلك منافع الحماية الاجتماعية التي استفاد منها كافة شرائح المجتمع العماني مما سينعكس إيجابا على حماية بعض فئات المجتمع مع التأثيرات الناتجة عن السياسات المالية المتخذة.

إن ما نرجوه ونأمله من صندوق عُمان المستقبل أن يتم اختيار الاستثمارات ذات القيمة المضافة للاقتصاد العماني البعيدة كليا عن تذبذبات أسعار النفط عالميا والقادرة على مجابهة التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجه الاقتصاد العالمي بين فترة وأخرى والبعيدة. كذلك من المهم أن يبتعد المستثمرون عن طلب التمويل من الصندوق لإطلاق مشاريع ذات طابع تقليدي وغير متوقع استدامتها على المدى المتوسط والبعيد. وأن يكثّف الترويج والتسويق لصندوق عُمان المستقبل داخل سلطنة عمان وخارجها عبر إعداد دليل استرشادي لغير الناطقين باللغة العربية، فما كان هاجسا قبل سنوات بعدّم توفّر التمويل المالي لإطلاق المشاريع أصبح الآن التمويل في متناول أصحاب الأفكار الاستثمارية المجدية والجيدة.

أيضا من المهم أن يتم استقطاب الاستثمارات الأجنبية النوعية ذات المردود الاقتصادي والمالي والاجتماعي كذلك وقادرة على توليد فرص عمل للباحثين عن عمل، ولا تتأثر كثيرا بالصدمات الاقتصادية وتساعد على توطين بعض الصناعات في سلطنة عمان وأن تكون شريكًا حقيقيًا للقطاع الخاص في تنمية الاقتصاد العماني وتحسين مؤشراته وأدائه.

ختامًا، لقد أثمرت الجهود الحكومية مدعومة بفاعلية السياسات المالية والاقتصادية في إيجاد حالة من التفاؤل والارتياح بين المتابعين للوضع الاقتصادي في سلطنة عمان مما كان محفّزًا لإطلاق برنامج إسكان بقيمة 1.9 مليار ريال عماني وصندوق عُمان المستقبل برأس مال قدره مليارا ريال عماني وطرح جملة من المشاريع التنموية للتناقص تمهيدا للبدء في إنشائها مثل مشاريع البنى الأساسية كالطرق والمستشفيات والمرافق الخدمية، وعلينا أن نواصل العمل بجد واجتهاد وبعزيمة أكبر لإنجاز ما يمكن إنجازه وتحقيق المؤشرات والأرقام الإيجابية للاقتصاد العماني خلال الفترة المقبلة.