شبكات التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام

28 نوفمبر 2022
28 نوفمبر 2022

يعرف الرأي العام بأنه ظاهرة اجتماعية نتاج تفاعلات فكرية وسلوكية مرتبطة بمجموعة من الأشخاص، فهو كما أشرنا إليه في مقال «سيكولوجية الرأي العام» بأنه مجموعة من الآراء تجاه قضية أو موضوع ما سواء كانت تلك الآراء مؤيدة أو معارضة أو محايدة بغرض التأثير سلبا أو إيجابا بطرق مباشرة أو غير مباشرة على الأحداث ربما يسعى أفراد المجتمع من خلال تلك الآراء لتعديل سلوك ما أو تغيير قرارات غير مدروسة ومثبت ضررها على المجتمع، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت شريكة في صياغة الرأي العام عبر أدواتها الفاعلة والمؤثرة ساعدت على تسارع وتيرة تكوّنه إلا أنه من غير المنطقي الإسهاب في دورها وإقصاء العوامل الأخرى، فما يميّز وسائل التواصل الاجتماعي أنها أوجدت أدوات وعوامل جديدة للتأثير على الرأي العام وأطلق عليها الفاعلون أو المؤثرون بحكم التخصصية التي يملكونها في بعض العلوم أو بحكم نجاحهم في صناعة جمهور عبر التأثير عليهم وتوجيههم نتيجة استعطافهم باستخدام الإعلانات التي تثير مشاعرهم وعواطفهم أو مخاطبتهم الجماهير بلغة قريبة إليهم مما يتطلب إجراء دراسات وبحوث لمعرفة أسباب استمرار تقبّل الجمهور لما ينشره الفاعل أو المؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي حتى لو كان محتوى غير صالح أو منافيا للعادات والتقاليد.

إن ما يميّز وسائل التواصل الاجتماعي أنها لحظية التفاعل وتساعد متابعيها ومرتاديها على سهولة البحث عن المعلومة بالإضافة إلى سرعة تفاعلهم مع ما ينشر أو يتداول فيها، إلا أن هذه السرعة في التفاعل ربما تسهم في نقل الأخبار المغلوطة أو غير الدقيقة مما تساعد في تمرير الشائعات وتضليل الرأي العام حول بعض الحقائق خاصة وأن شبكات التواصل الاجتماعي تستقطب مختلف الفئات العمرية بالمجتمع وتتفاوت في درجة إدراكها ووعيها عند التفاعل مع ما يطرح في هذه الشبكات، إذ أصبحت مؤثرة في صياغة المحتوى كونها وسائل إعلامية بيد الجميع يطلقون عبرها الآراء ويتشاركون الأفكار والتوجهات الفكرية والعقائدية. لذلك فإن صناعة الرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي أضحى بين إباحة العقول وتضليل الخبر وذلك لما توفّره هذه الشبكات الإعلامية من مساحات حرية لمرتاديها ومتابعيها ساعدت على ظهور آرائهم ومنطلقاتهم إلا أن فئة النخبة فرضوا آراءهم على توجهات الآخرين بقصد أو بغير قصد عبر الاستفادة من العلوم التي يمتلكونها للتأثير على مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي، فالهدف المرجو منها هو إتاحة القدرة لمستخدميها على التواصل فيما بينهم عبر وضع معلومات وتعليقات ورسائل وصور وغيرها، لذلك أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي طرقا تعد إحدى أهم الطرق والأدوات للتبادل الحر للمعلومات في مختلف أنحاء العالم، لذلك أصبحت أكثر قبولا لدى الرأي العام مقارنة بوسائل الإعلام بالرغم من أن وسائل الإعلام شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الماضية في التفاعل مع الرأي العام عبر صناعة محتوى إعلامي يتناسب مع الأحداث والمناسبات، فصناعة الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي تتطلب التركيز على عدة أمور أبرزها حاجة الفئات المستهدفة وذلك لضمان وصول المعلومات الصحيحة للجمهور لتحقيق عدة غايات مثل الأهداف التسويقية والترويجية بالإضافة إلى تصحيح بعض الممارسات وتعديل الخطط والاستراتيجيات عبر مختلف الأساليب والطرق، إلا أن التحدي الأكبر في الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لصناعة الرأي العام ليس مضمونا بدرجة كبيرة.

لم يقتصر دور الأفراد في وسائل التواصل الاجتماعي على التعبير عن الاتجاهات والأفكار وحسب بل أصبح لهم دور في صياغة الرسائل الإعلامية بعد أن زاد عدد المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي إثر توسّع حجم القضايا والموضوعات التي تُناقش وتُطرح في بعض المنصات، فبعد أن كانت وسائل التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة لنقل الأخبار وتداولها والتفاعل معها، تطوّر دورها لتكون مساحات للتعبير عن وجهات النظر وردود الأفعال عند التفاعل مع الأخبار، لذلك أصبحت لدينا القناعة بأن وسائل التواصل الاجتماعي تسعى لإحداث تحولات مقصودة على مستوى العالم لفرض رسائل إعلامية معينة على الرأي العام والتأثير على مبادئه وتوجهاته.

يرى كثير من المهتمين بوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أن وسائل التواصل تعد أكثر تأثيرا من وسائل الإعلام كون أن وسائل التواصل الاجتماعي أضحت مصدرا للخبر ومكانا لتحليله والتعامل معه بالإضافة إلى أنه بإمكان كل من لديه توجه إعلامي أن يمارس مهنة الإعلام عبر عدة طرق وأساليب مثل إنشاء قناة خاصة في اليوتيوب أو نشر تغريدة في تويتر إلا أن الملاحظ بأن وسائل الإعلام تعد أيضا أداة فاعلة في صناعة الرأي العام الذي لم يعد مستقبلا للمعلومة أو الخبر فقط، بل أصبح يتفاعل ويتأثر عقليا وفكريا وسلوكيا مع ما يتابعه من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

أرى من الجيد قيام مختلف الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات بتنظيم حلقات عمل ومؤتمرات لمعرفة اتجاهات المجتمع وآرائه وملاحظاته حول بعض القرارات خاصة تلك التي تتطلب فهما عميقا لدوافع اتخاذها، فصناعة الرأي العام تقتضي دراسة علم الإعلام والاتصال بالجماهير مع ضرورة النظر إلى الجهود الإعلامية نظرة متكاملة، إذا لا يمكن الفصل بين جزيئات العمل الإعلامي والاتصالي ودراسة كل واحد دراسة مستقلة ولا يمكن فصل الإعلام والاتصال بالجماهير عن باقي الأنشطة والوظائف والنظم الأخرى وهي النظم التي تتأثر بالجودة الإعلامية والاتصالية وتؤثر فيها.

أخيرا.. ما أود الإشارة إليه في هذا المقال أنه بالرغم من أن شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أدواتها باتت ذات تأثير فعّال ومباشر في توجيه الرأي ومساراته واتجاهاته، إلا أنه لا تزال هناك حاجة إلى استقصاء تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي في الرأي العام الإلكتروني، واختبار أساليبها ودراسة طبيعة هذه التأثيرات ومتغيراتها بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من تأثير هذه الشبكات وفاعليتها ودرجة قبولها بين أفراد المجتمع في تحسين بعض السلوكيات والممارسات الخاطئة في المجتمع.