زيارة جلالة السلطان لطهران... وبشائر خير للمنطقة !!
في السياسة وبفعل التطورات على المستويات المختلفة وتحت تأثير الوقائع على الأرض كثيرا ما تتبدل افتراضات وتتراجع مقولات وتتغير مناخات بدت راسخة في فترات ما، وإذا كان من غير الممكن إغفال التغير على مستوى القيادات ورؤاها وطرق الاقتراب التي تتبعها في التعامل مع القضايا المختلفة وسبل التفاعل مع التغيرات المحيطة بها، وهي أساسية، حتى لو بدت الملامح والخطوط الأساسية للمواقف والسياسات دون تغيير جذري بحكم التداخل بين الاستراتيجي والتكتيكي، فإنه يمكن القول إن التطورات الجارية في المنطقة بوجه عام وفي منطقة الخليج بوجه خاص تعبر عن ذلك على نحو واضح وعميق، وليس مصادفة على أي نحو أن تكون مسقط والقيادة العمانية في القلب منها معززة بروابط وصلات قوية وعميقة وعلى أعلى المستويات مع مختلف القيادات والقوى ذات التأثير في التطورات الجارية والآفاق ذات الصلة بها، والزيارة الرسمية التي قام بها جلالة السلطان هيثم بن طارق للجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي اختتمت أمس تحمل الكثير من الدلالات فيما يتصل بحاضر ومستقبل هذه المنطقة الحيوية، خاصة عندما يقترن ذلك بتحرك عماني نشط وملموس على أعلى المستويات وما يحمله ذلك من خبرات ونتائج إيجابية لمستها دول وشعوب المنطقة على مدى العقود والسنوات الماضية وبشكل عملي ودون ضجيج، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب من أهمها ما يلي:
أولا، إنه مع الوضع في الاعتبار أن توقيت زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم للعاصمة الإيرانية طهران، جاءت بعد أقل من أسبوع من زيارته للقاهرة ومحادثاته مع فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو ما ينطوي في الواقع على معانٍ ودلالات كثيرة، خاصة في ظل التحركات الإيجابية النشطة التي تشهدها المنطقة الآن بالنسبة لعدد من قضاياها، وللعلاقات بين دولها الشقيقة والصديقة، فإنه ليس مفاجئا ولا غريبا أن تكون مسقط والقيادة العمانية ركيزة أساسية ومباشرة فيها. وإذا كان الفاصل بين زيارة جلالته للقاهرة وزيارته لطهران خمسة أيام فقط، وهو ما يعني الكثير في لغة الدبلوماسية والمساعي الحميدة، فإنه من المؤكد أن اتصالات عديدة ومتعددة المستويات أيضا مهّدت لهاتين الزيارتين على مدى الفترة الماضية، خاصة أن مسقط لم تكن أبدا بعيدة عن إطار وتفاعلات العلاقات المصرية الإيرانية بوجه خاص والإيرانية الخليجية والعربية بوجه عام، وهو ما عبّر عن نفسه في مناسبات عديدة، ومن ثم فإن زيارة جلالته لطهران لا تتسم بالفجائية ولا بالمصادفة على أي نحو، ليس فقط لأن هذه ليست من طبيعة السياسة ولا الدبلوماسية العمانية وتقاليدها المعروفة، ولكن أيضا لأن الأيام الماضية، وبالتزامن مع زيارة جلالته للقاهرة تقريبا كانت هناك تصريحات إيرانية ومصرية على مستوى وزراء الخارجية حول الرغبة في تحسين وتنشيط العلاقات المتبادلة والظروف المواتية لذلك على هذا الجانب أو ذاك، وهو ما يعزز افتراض أن العلاقات المصرية الإيرانية وفتح الطريق أمام تحسنها واستعادة حيويتها هو من بين جوانب المحادثات التي جرت في طهران، وهي جوانب امتدت بالطبيعة إلى مختلف التطورات في المنطقة، سواء لأن الظروف في المنطقة تعد مواتية الآن للسير نحو علاقات أفضل بين دولها والعمل على حل المشكلات العالقة فيما بينها، أو لأن سلطنة عمان حرصت على بذل مساعيها الحميدة لتحسين العلاقات بين مصر وإيران إدراكا منها لأهمية هاتين الدولتين من ناحية ولحيوية العلاقات العمانية مع كل منهما من ناحية ثانية والسوابق في هذا المجال عديدة ومتكررة على مدى السنوات الماضية ولا يقلل منها عدم الإعلان عنها في وقتها.
يضاف إلى ذلك أن التعاقب المباشر بين الزيارتين يوحي لمن يتابع بوجود رابط أو خيط ما بينهما بشكل أو بآخر، ولا علاقة لذلك بالنتائج على نحو محدد، لأن النتائج في مثل هذه الحالات ليست فورية وتحتاج بعض الوقت لتتبلور في خطوات محددة ومتفق عليها، خاصة وأن هناك رصيدا من الخبرة في التعامل بين القاهرة وطهران على مدى السنوات الماضية. وإذا كان من غير المبالغة القول بأن الآفاق إيجابية للدفع بالعلاقات الإيرانية المصرية نحو مزيد من الإيجابية والتقارب، لاعتبارات عديدة، إيرانية ومصرية وعربية وإقليمية ودولية أيضا، فإن التحرك العماني، هو عنصر أمل وتفاؤل بحكم طبيعة وتقاليد الدبلوماسية العمانية وما يحكم حركتها من ضوابط واعتبارات معروفة منذ سنوات عديدة. أما المسؤولية المباشرة والنهائية فإنها في النهاية مسؤولية الطرفين المباشرين، فهما وبرعاية إيجابية من مسقط، اللذان يحددان حجم ومدى وطبيعة الخطوات التي ستتم بينهما في الفترة القادمة في ضوء حساب كل منهما لمصالحه الآن وفي المستقبل.
ثانيا، إنه في ظل مجمل التطورات التي مرت وتمر بها المنطقة فإن أهمية وتأثير القمة العمانية الإيرانية يتمثل في نقطتين أساسيتين، النقطة الأولى عملية وذلك بحكم اهتمام إيران وتأثيرها الذي امتد وتعمق بالنسبة لعدد غير قليل من قضايا المنطقة في العقدين الأخيرين وهو ما تتحدث عنه إيران ذاتها بشكل واضح وصريح ولعله من المهم والضروري أيضا العمل بكل السبل الصحيحة والمناسبة من أجل الاستفادة من التعاون الإيراني الطيب والمعلن مؤخرا مع دول المنطقة فيما يتصل بالعمل من أجل تجاوز الخلافات وحل المشكلات الراهنة وفق الأسس المعترف بها والمتفق عليها في المواثيق الدولية، ومبادئ العلاقات بين الدول حسب القانون الدولي وهو ما أقرت به إيران والتزمت به وفق الوساطة الصينية التي شاركت فيها عمان لاستعادة العلاقات الإيرانية السعودية في الآونة الأخيرة. ولعل ما يزيد من أهمية هذه المسألة أن الأسس التي اعتمدت عليها هي في الحقيقة الأسس والمبادئ التي تقوم وتستند إليها العلاقات العمانية الإيرانية على مدى العقود الخمسة الماضية، ومن ثم فإنه من المؤكد أن سلطنة عمان هي الأقدر على القيام بدور إيجابي لصالح كل دول المنطقة، خاصة أن علاقاتها طيبة معها وتتمتع بثقتها أيضا. ومن شأن هذا أن يعزز الثقة والتفاؤل بالنسبة لما يمكن أن تتمخض عنه القمة من نتائج خليجيا وإقليميا ودوليا خاصة في ظل التفاعلات والتهديدات المرتبطة بالخلافات حول البرنامج النووي الإيراني وأنشطة طهران النووية.
أما بالنسبة للنقطة الثانية، فإنها تتمثل في ازدياد أهمية وقيمة ما تقوم به سلطنة عمان وما تبذله من مساع حميدة لصالح السلام والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية وبرغم ما تعرضت له السياسة العمانية بوجه عام وعلاقات السلطنة القوية والراسخة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوجه خاص من جدل أحيانا لأسباب معروفة، فإن الحكمة والصبر والصراحة وثبات السياسة العمانية قد أثبتت أهميته وقيمته وجدواه على مدى السنوات الأخيرة حيث تكتسب السياسة العمانية مزيدا من الدعم والتقدير وإدراك الآخرين لصحة وبعد نظر السياسات والمواقف العمانية ولو بعد حين وهو ما يتحقق الآن على نحو واضح وملموس وعلى أكثر من صعيد خلال هذه القمة المهمة.
ثالثا، وفي ظل الأولوية التي تمثلها قضايا العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة والمتبادلة بين سلطنة عمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي عميقة وراسخة ومتنامية في مختلف المجالات، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن الدولتين مقبلتان على مرحلة أكثر عمقا واتساعا ونشاطا للاستفادة من الاتفاقيات الموقعة بينهما بالفعل وتلك التي تم التوقيع عليها خلال الزيارة، ليس فقط في المجالات الاقتصادية والتجارية واستكمال خط نقل الغاز بين إيران والسلطنة، وفي مجال الاتصالات والصناعات التعدينية ولكن أيضا في مختلف وكل المجالات التنموية التي تعود بالفائدة على التنمية وصالح الدولتين والشعبين الجارين في الحاضر والمستقبل، وهكذا تثبت سلطنة عمان، كعادتها على امتداد السنوات والعقود الماضية، أنها لا تدخر وسعا في العمل من أجل كل ما يعود بالخير عليها وعلى دول وشعوب المنطقة من حولها وتمثل قمة طهران إضافة ملموسة في هذا المجال.
